نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 22-8-2017
السنة العاشرة
العدد: 3643
حوار مع مولانا النفرى (250)
من موقف “الدلالة”
وقال مولانا النفرى أنه:
وقال لى:
إذا تعرف إليك بلا نطق تعرف إليك بمعناه فلم تملّ معرفته
فقلت لمولانا:
كلما وردت حروف هذه الكلمة “عرف” “يعرف” “معرفة” أجدنى يا مولانا أترجّح بين استعمالها الشائع، وبين استعمالها العلمى (العلم المعرفى)، وبين استعمالها الصوفى “من ذاق: “عرف”، وقد تعلمنا مما قاله لك واستلهمتـُهَ، أن المعرفة أقل من الوقفة، وهى أعمق من الفهم، وأبعد طبعا عن الحرف، كما أنها أقرب إلى “الإدراك” و”الوعى” و”العقل الوجدانى”.
حين قرأت هذا السطر اليوم ترددت فى نسبة الضمائر إلى أصحابها: “إذا تعرّف”: من الذى تعرّف، “إليك”، تحديد المخاطـَب هنا أسهل، لأنه هو العبد الواقف بين يديه غالبا، فإن كان الذى تعرّف “هو” الذى “قال” و”يقول لك”، وهو الذى يتعرف إليك بلا نطق: فهذا فضله ورحمته دائما أبدا، وبالتالى فلا حاجة إلى نطق لأن المعنى يملأ مثل هذا التعرّف ويثرى الوعى/ الوجدان، فلماذا النطق،
بل إن النطق الذى يستعمِل الألفاظ ليُعلن المعنى، أو يستعمل الأفكار ليشرح الفحوى، قد يُخفت نور هذا التعرف الساطع بلا نطق، فهو قد تـَعـَرف إليك “بمعناه”، و”المعنى” هنا ليس ما تشرحه المعاجم، ولا ما تفسره الأفكار، وإنما هو ما يملأ مستويات الوعى جميعا لتتواصل عبر: “الغيب”، و”الجهل المعرفى”، و”الوقفة”، دون حاجة إلى النطق أصلا، فمن أين يأتى الملل إذا كان الأمر كذلك؟
عذرا مولانا على مدى ثلاثة أسابيع ورد فى نشراتى اليومية المتواضعة بعض الإشارات إلى فضل المعرفة عبر الصمت، وقد خيل إلىّ أن ما استلهمتـُه الآن منكم يا مولانا، له علاقة بما جاء فى نشرات متتالية، فمثلا يوم السبت 12-8-2017، جاء ما يلى:
حين تتكلم بدون كلام، وتفكـِّر بدون ألفاظ، تقترب منك، ومنهم، و”مـِنـْهُ”.
هذا ما كـُتب منـّى من أربعين عاما قبل أن أتشرف باستلهام مواقفك يا مولانا.
مرة أخرى: فمن أين يأتى الملل؟!