نشرة “الإنسان والتطور”
السبت : 18-8-2012
السنة الخامسة
العدد: 1814
حوار مع الله (76)
من موقف “الوقفة” (1)
وقال له (لمولانا النفـّرى):
وقال لى:
العالم يخبر عن الأمر والنهى وفيهما علمه
والعارف يخبر عن حقى وفيه معرفته
والواقف يخبر عنى وفى وقفته
فقلت له:
وفى كلٍّ خير
الواقف إن لم يحسن أبجدية العامة وهو يخبر عنك: هلكْ.
معرفة العارف وإخباره عن حقك فيه بعض معرفته لكنها لا تغنى عنك.
وعلم العالم وهو يخبر عن الأمر والنهى فيه طاعتك وهى غاية ما يستطيعه علمه
معرفتك فى الوقفة حتى لو أخبرت عنك فهى معرفة إليك، وليست أنت
الوقفة لا تطول بى إلا إذا تنقلت بين العالم والعارف فىّ إليك بهما.
وهى تطل فىّ وبى لتضى ثم تطل وتضى وأنا أعلم وأعرف بين البينين.
أُعذرنا يا مولانا، فالحال حال.
***
من موقف “الوقفة” (2)
وقال له (لمولانا النفـّرى):
وقال لى:
أنا أقرب إلى كل شئ من نفسه
والواقف أقربْ إلى من كل شيء.
وقال لى إن خرج العالم من رؤية بُعدى احترق،
وإن خرج العارف من رؤية قربى احترق،
وإن خرج الواقف من رؤيتى احترق
فقلت له:
أين حبل الوريد؟
قلّبت يدى ظهراً لبطن، تحسستُ نبضى، لامستُ موضع قلبي،
ترددتْ أنفاسى فعمّـقتها لعلّها تلامسه
فما عرفت إلا أنه أقرب من كل هذا.
فرِحْتُ.
امتلأتُ حتى غمرتَنِى بي،
صرتَ أقرب منى إلىّ، أقرب من نفسى إليها.
العالِم يـُبعدك حتى يستمر فى التمتع بدرع غرور عقله قزما لامعا يدور حول نفسه فى خيلاء، وهو يخشى أن يقترب حتى لا تتداخل معرفته بك مع انفصاله عن نفسه بعلمه ومعلوماته.
هو أحرص الناس على إبعادك عنه، ولو ادعى علمه غير ذلك حتى لا تحترق معلوماته أو تنكشف علومه، فتحترق، فيحترق.
وهل هو إلا ما علِمْ؟
العارف انتصر على خوفه إلا كثيرا،
فاقتربَ،
ثم راح يدور ولا يغوص.
يحافظ على وجوده بمعارفه،
يعتمد عليها إليك، فلا “يكون” إلا بقربك، وليس بك.
الواقف موجود بك، أقرب من القرب، وأبعد من الضياع.
لم يعد- بوقفته هناك- مهددا بالامحاء فيك.
يراك فيطمئن إلى حقه أن يحيا، فيحيا على مسافة
يظل بك محاذرا حيا نابضا دائرا.
إذا صحّت الوقفة فلا خروج من الرؤية إلا للرؤية
العالِم يخاف من معرفة العارف فيحتمى بأدواته،
والعارف يخاف من رؤية من بالوقفة فيقيم أسوار المعارف حوله.
أما من وقف فى رحابك فهو يخاف ممن ادّعى مثل ذلك، وهو عكس ذلك فهو يحرِمُ العامة منك.
لا أُلْغِى الزمان طمعا فى عمق الوقفة.
ولا أحب الديمومة طمعا فى دوام قربك.
النار لا يصلاها إلا من يختزل نفسه نشازا نيزكا لا خلاص له إلا برحمتك.
رحمتك هى الملاذ لى وله.