نشرة “الإنسان والتطور”
30-11-2011
السنة الخامسة
العدد: 1552
حكاية كتاب قديم لم يظهر (2)
ملحوظة:
تواكبت فرصة إعادة التفكير فى تقديم هذا الكتاب مع فحص طبى أجريتُهُ شخصيا هذا الأسبوع طمأننى مؤقتا أنه يبدو أن الله سبحانه قد أتاح لى “ملحقا” من الشهور أو السنين، لعلى أكون تلميذا أكثر اجتهادا حين أعيد المواد التى رسبت فيها حتى الآن وخاصة “مادة” “حمل الأمانة وتوصيلها”
الحمد لله
يارب أنجح فى الملحق، فأعوض ما فات ولو “دور ثان”.
تنويه:
هذا ليس كتابا ثنائى اللغة، فالجزء العربى ليس ترجمة للجزء الانجليزى، ولا العكس ويمكن للقارئ الذى لا يجيد، أو لا يحب اللغة العربية، ان يستغنى عنه لحين بدء النشر بالانجليزية، خاصة وأن الجزء العربى تغلب عليه جرعة شخصية من تطور فكر المؤلف بشكل شخصى، فى حين أن أغلب الجزء بالانجليزية قد سبق نشره فى شكل افتتاحيات فى المجلة المصرية للطب النفسى حين كان المؤلف يشغل بها موقع رئيس التحرير المشارك.
ويوجد فى نهاية الجزء العربى ملخصا شديد الإيجاز (أقرب إلى تنويه بالمحتويات) لما ورد فى الجزء بالانجليزية.
مقدمة
عن المؤتمرات والنظام العالمى الجديد ومسئولية المعرفة
نعم لى أصدقاء من الزملاء بعض الوقت، ولى طلبة، وأحضر مؤتمرات علمية، وأخاطب الناس وأبتسم، وأرطن باللغة الإنجليزية أحيانا، وأظهر فى وسائل الإعلام وأنا أردد: “…فى الواقع، وفى الحقيقة” وأقول ما يحرك الناس أحيانا أخرى، وقد أرى نفسى، وقد لا أرها، وقد ارتسمت صورتى أمام عينى فى هذا المؤتمرالأخير بالبحرين وهى بنفس الملامح التى كتبتها لابنى شعرا منذ عشر سنوات فى قصيدة “الحاجة والقربان”(1)، تلك الملامح التى أقدم نفسى بها لطلبتى فى استهلال هذه الشهادة اللاهثة الجديدة، اللهم فاشهد، قلت لابنى منذ عشر سنوات:
هل تسمعنى ولدى؟
هل تعرفنى من خلف الأقنعة السبعة:
وأنا أتكلم مثل السادة،
وأنا أمشى بينهموا كالعادة؟
وأنا أدهش وكأنى لا أعلم؟
وأنا أفتى وكأنى أعلم؟
وأنا أضحك وكأنى أفرح؟
وأنا أحسب وكأنى أجمع؟
وأنا أرنو وكأنى أسمع؟
أخطو مغلولا فوق الأرض القبر الأمل الواقع
تنغرس بقلبى أشواكه،… أدمى،
أتمرغ بترابه
لا يسكت نـزفي
لا أهرب.
رحت أتأمل نفسى بُعَيْدَ هذا المؤتمر (الاجتماع الإقليمى للجمعية البريطانية الملكية للطب النفسى من 28-30 أكتوبر 1991) وأرصد آثار الترحال والمشاركة فوجدت أن فوائد مثل تلك المؤتمرات - لشخصي- كثيرة بلا شك!!، ومن ذلك:
(1) أننى أضطر فيها أن أتواضع، أو أوهم نفسى بذلك، أو لعلنى كذلك !!
(2) وأن أحتمل اللمزات
(3) وأن ألتقى بمن لا يحبنى
(4) وأن أصبر على من أختلف معهم فأحبهم
(5) وقد أراجع ما أعرف،
(6) وقد أتراجع (قليلا قليلا) وأنا أتحاور على موائد الغداء والعشاء، لا فى قاعات المؤتمر (2)
أما فوائدها على البلد والتخصص فهى أيضا كثيرة:
(1) سياحة
(2) وتعريف
(3) وإعلان
(4) وتسويق
(5) ولغة علمية، أو عالمية، (أو ما شابه هذا وذاك).
(6) واتفاقات (أو صفقات) مؤتمراتية وجمعياتية ضرورية..ومفيدة…إلخ.
فإذا كان الأمر كذلك فماذا يجعلنى أتميز غيظا بعد أن ينفض المولد، أعنى المؤتمر؟
وماذا يجعلنى بعد كل مؤتمر أتقلب ليلا، ثم أنسحب غضبا، ثم أندفع قهرا فى مثل هذا الكتاب الذى بين يدى القارئ الآن؟
أهو شعور بالنقص لا مفر من الاعتراف به؟
أهو خوف حقيقى من مزيد من التبعية وخاصة بعد حكاية النظام العالمى الواحد الأحد الجديد؟
ذلك النظام الذى لا بد أن يمتد من السياسة إلى الاقتصاد وبالعكس، مارا بالتفكير والبحث العلمى بالمـرة، هذا النظام الجديد الذى يبدو أنه سوف يؤثر فى فرعنا بين ما يؤثر، إذ لا بد وأن يصبح وصيا على تعريف نوعية الحياة وتحديد ماهية الإنسان ومن ثمَّ تعريف غاية العلاج ووسائله،فنأتمر لنصيغ جميعا نفس النموذج البشرى حسب المواصفات المستوردة الأحدث التى يوصى بها بكل دقة مغلقة.
أهو حرص على أبنائى وطلبتى من تشويه ظاهر وخفى، حين يحل الجزء محل الكل وتختلط الأدوار؟
وحتى لا يكون الانفعال وليد اللحظة الراهنة، رحت أراجع أوراقى عقب عودتى وقلت أقتطف منها ما يلى:
المقتطف الأول:
نشر عقب المؤتمر العالمى للصحة النفسية الذى عقد فى القاهرة فى أكتوبر 1988، قلت فيه:
1- فنحن نصر على المشاركة فى مثل هذه المؤتمرات إلى أقصى مدى، ونشكر من ساهم ويسهم فى مثل ذلك، لكنا نصر أيضا أو ينبغى أن نصر: على إدراك حدود هذا النشاط، والمخاطر التى تحوطه بكل ما نملك من وعى مسئول، ويقظة حذرة.
2- ذلك أن بعضنا، أو قل أغلبنا (يا رب لا أقول كلنا) قد يتصور أن العلم الرصين والقادر على مواكبة العصر، ومواجهة التحديات الحضارية التى يعيشها الناس وتنتظرهم، ويعيشها بصورة أدق وأخطر شعبنا فى المفترق، يتصورونه فى ما يدور فى مثل هذه المؤتمرات.
3- ثم إن رهطاً من علمائنا – فى الأغلب – قد أصبحوا يضبطون أنفسهم – فكرهم ونشاطهم وآمالهم وقيمهم – على مقاييس القبول والرفض فى مثل هذه المؤتمرات، علما بأنه لم يعد فى واقع الأمر مجال للرفض، ما دمت تدفع الاشتراك، وتقوم بالأبحاث التى تتكلم اللغة السائدة، لتقاس بالمقياس المؤتمراتى المنضبط.
4- قد يترتب على ذلك أن نظل ندور فى سجن منهج لا يليق بنا، ولا يحل مشاكلنا، ونحن مع ذلك فخورون كل الفخر أننا مؤتمرون مثلما هم يأتمرون (لا يتآمرون!! بالضرورة).
5- هذا وقد أصبح الرجل العادى يتابع هذه المؤتمرات- هنا وفى الخارج – بانبهار ملاحق، واثقا بما يأتى منها، وما يلقى فيها، آملا فيما تعد به وتلوح، منتظرا منها حلا لا تملكه فى واقع الأمر.
6- إن ما يتلقاه الشباب عندنا ويتبقى معه ليس إلا صورة محددة للتقييم فى المجتمع العلمى، بحيث تصبح هذه الصورة ماثلة فى بؤرة وعيه، يوجه إليها كل نشاط معرفى أو تحصيلى أو نشرى (من النشر)، طارحا وراءه أى نشاط معرفى آخر مهما كان أعمق وأصدق، ذلك النشاط المعرفى الذى يتطلب قدرا من التقشف النفسى، والحيرة الثاقبة، والوحدة المستكـشفة، وكل ذلك هو رأس المال الحقيقى لمن هو عالم أو طالب علم، مما لم يعد مطروحا فى مكانه فى مثل هذه المؤتمرات.
7- يترتب على ذلك التمادى فى توسيع الهوة بين من هو عالم بالمقاييس الموضوعية والتاريخية، وبين من هو عالــم بالمقاييس المنصبية والاجتماعية، مما يهز - فى النهاية – مضمون وقدسية كلمة علم بشكل أو بآخر، ويسحبنا إلى أن نكون نسخة مقلدة (مضروبة) ولسنا بضاعة أصيلة مصنوعة بإبداع أهلها.
8- إنَّ تصور أن معرفة هذه المحاذير والمخاطر هو كاف للوقاية من مضاعفاتها، هو تصور أبعد ما يكون عن الحقيقة، فكثير من علمائنا قد يوافقون على ما ذهبنا إليه، لكنهم يمضون فى نفس الطريق غير حاسبين مدى التشويه المنظم الذى يؤدى إلى التحولات الخطيرة داخل خلايا وجوده، يستعملها بديلا عن لغة قومه، ولسان أمه، وإلهامات ثقافته.
9- ثم تأتى مخاطر استعمال الأبواب الخلفية لمثل هذه المؤتمرات والمناصب بغرض الاستيلاء على تلقائيتنا. أو غسل أمخاخنا، ليس فى مجال علمى بذاته وإنما بالنسبة للموقف الوجودى والحضارى برمته (دون نفى الموقف الاقتصادى والسياسى).
10- وأخيرا تأتى قضية التمويل والتجارة، فنحن لا نأخذ الحيطة الكافية تجاه مصادر تمويل هذه المؤتمرات، وخاصة من جانب شركات الأدوية، مما قد ينتهى ببعض علمائنا، فكرا أو فعلا، إلى ممارسة ما يخدم هذه الجهات الممولة بأقل درجة من الاختيار والموضوعية.
ثم أعود فأقول إن كل هذا، وبمنتهى الصدق (بقدر ما أدرى)، لا يُنقص من ضرورة عقد مثل هذه المؤتمرات بمنتهى الإقدام والحماس، وبغاية الحذر واليقظة، شريطة أن نعود دائـما بعد كل مؤتمر، وحول كل مؤتمر إلى مواجهة التحديات الحقيقية، فنقيس مسيرتنا بمقاييس الإضافة المعرفية الحقيقية، ولا نكتفى بتحصيل الحاصل، أو تدشين الواصل..إلخ.
وإلا فسينتهى كل مؤتمر بأن “يركب الخليفة وينفض المولد”، ليغيب الوعى وتبهت الموضوعية.
والشكر واجب من قبل ومن بعد لكل من يخوض هذا الواقع ليخرج منه أقوى وأقدر.
المقتطف الثانى:
فى المؤتمر قبل الأخير، وقد عقد فى البحرين أهاجتنى الأرقام الخاوية، والإحصاء البراق بلا إضافة، كما أثارنى استكبار الإنجليز( بترولك، وانا سيدك)، خاصة وأن هذا المؤتمر عقد بعد سحق العراق والعرب(3) ، وشعرت إكمالا للجارى أن على أن أسلم عقلى لهؤلاء البيض الحمر الأعاجم، وكنت قبل ذلك دائما أفخر فـى بداية حديثى فى كل مؤتمر أننى لا أفكر إلا بالعربية، وأننى لا أجيد الإنجليزية، لكن هذه المرة ملأنى خزى عظيم وأنا أقدم ورقتى بنفس المقدمة: أى عربية أتكلم بها؟ عربية صدام أم عربية البشير؟ أم النذير؟ أم عربية ابن رشد وابن سينا أم عربية القرآن الكريم؟
وشعرت – رغم كرم البحرين ورقة أهلها- أننى واقف على أطلال عقولنا وليس فقط أطلال تاريخنا ولغتنا وديننا.
وفى وقفتى تلك ما بين أطلال الديار القريبة، وأطلال العقول المنتَـَهكة والمستسلـمة، قلت شعرا عموديا ساخرا لم أقله منذ زمن بعيد وكنت قد التقيت هناك ببعض طلبتى بعد طول غياب:
قـِفـِا نَبْكِ “بحرين” التقينـــا بها معا
وكأسـِىَ مثقوبٌ به الوعــىُ ضـُيـِّعا
شرائحُ أرقام تدقّ نعوشنـــــــــا
ونخــّاس أسواق العبيد تربّعــــا
و”مِسَترْ تِشِرْمَنّ” هاتها ثم هاتها
وإحصاءُُ أشلاءٍ بأطلال أرْبـُعــــــا
تبينت من خلال هذا المؤتمر وما أثارهُ فىّ بعيْد كارثة الخليج الأولى، ونازلة الاتحاد السوفيتى القريبة أن المخاطر التى كانت تصلنى بعد كل مؤتمر قد زادت أضعافا مضاعفة، ذلك أن شعورنا بالفشل والوحدة يمكن أن يضاعف من شعورنا بالدونية، ومن ثم بالتسليم ليس فقط لبعض المعلومات المستوردة، وإنما أساسا لطريقة التفكير التى تــفرض علينا دون أن ندرى (وربما دون أن يدروا هم أيضا)، فالنظام العالمى الجديد ليس إلا احتكارا لكل شيء بما فى ذلك طريقة التفكير، (وربما العبادات!!) وبالمرّة احتمال محاولة احتكار جنة الخلد لمن يتبع الدين الجديد، من يدري؟
حين قدمت فى هذا المؤتمر، وكأنى كنت أتحسب لما أصابنى بجرعة وقائية، حين قدمت البحث الخاص بـ “مستويات التكامل النفسى من منظورإسلامي” وأعلنت من خلاله أن ثمة طرقا أخرى للتفكير، وأن لغتنا وإيماننا (وهو ما استوحيته من إسلامى) يتيحان لنا أن نرى تكامل الإنسان على مستويات متصاعدة وليس على مستوى سلوكى واحد، وهذا يتطلب نفسيا ووجوديا الرؤية والملاحظة والبحث بأكثر من منهج قبل وبعد الأساليب الشائعة فى عالمهم،…إلخ، حين قدمت هذ الورقة استجاب لها الضيوف باستطلاع وأمانة أكثر مما رحب بها، الزملاء الأقرب من أهل لغتى ودينى. فقد تصور كثير منا أنها ورقة تمت إلى ما يسمى الطب النفسى الإسلامى، وما شابه، مع أنها كانت ورقة تنقذ ذلك، وتركز على كيف يسمح لنا ديننا وتتيح لنا لغتنا أن نتاول المسائل المعرفية من منطلق آخر، ليس بديلا بالضرورة، وإنما قد يكون مكـملا ومناسبا، ليس لنا فحسب، وإنما لهم أساسا.
حين حضرت الجلسة قبل الختامية كان موضوعها ”كيف تكتب ورقة علمية” How to write a scientific paper قدمها خواجه استاذ طيب جيد اسمه H. Freeman أصبت بإحباط شديد، على الوجه التالى:
1- شعرت أن عنوان الجلسة يتجاوز ماينبغى أن يـتدارس فى مؤتمر عالمى بهذا الحجم، فهى أشبه بورقة مدرسية يمكن أن تدرس للسنة الثانية لطلبة علم النفس فى كلية الآداب.
2- شعرت أن أغلب المشاركين (وليس كلهم) قد استقبلوا هذه الورقة باعتبارها الوصايا الواجب اتباعها حتى تقبل أوراقهم، وهذا ما جعلنى أتمسك برفضى وأنا أمارس مناهجا أكثر تناسبا مع فرعنا من ناحية، ومع ظروفنا الخاصة وثقافتنا المتناغمة مع مرحلة نمونا من ناحية أخرى.
3- أيقنت أن استقبال أغلبنا – والأصغر خاصة- لهذه المسألة، هو أن النشر عندهم بمقاييسهم قد أصبح هدفا فى ذاته. حتى يصدق القول الذى يشيعونه “إما أن تنشر أو تهلك”Publish or Perish وهو قول صحيح جزئيا، وإن خالف الحقيقة التاريخية موضوعيا.
4- شعرت أن أغلب الذين تحدثوا فى هذه الجلسة: لا يواكبون الثورة المعرفية الأعمق والأحدث، والمتأثرة بثورة التوصيل، وبالتغيرات فى الرياضة الحديثة (الكموية خاصة)، والطبيعة الحديثة (الكموية خاصة) والعلم المعرفى العصبى الأحدث(4)، وقوانين الصدفة، ومسألة الزمن والمكان، وموضوعية المعرفة، والعشوائية الهادفة، وعلم الشواش والتركيبية.
5- خطر لى أنهم ربما يعرفون كل ذلك، ولكنهم يحدثوننا على قدر عقولنا (كى جى تو: رياض أطفال العلوم والمعلوماتية) ورجحت أن فى تمسكهم بضرورة التحدث بلغة واحدة حتى فى المنهج العلمى، هو تمسك بضرورة التوجه لهدف واحد مشترك، وشعرت بالإهانة، وأنه قد أصبح لديهم ما يبررها بعد مصيبة حرب الخليج وانهيار السوفيت.(5)
6- من كل ذلك خفت أكثر فأكثر مما يجرى حثيثا لإتمام مهمة تشكيل عقولنا بالصورة التى يرتضونها، حتى يصبح رضاهم -هكذا- بدليل نشر بعض أرقامنا فى مجلاتهم “التى هى”، يصبح ذلك هو غاية المراد من رب العباد، خاصة وأن إعلامنا والرجل العادى والزميل الأصغر عندنا يعلى من قدر هذه الجمعيات العالمية، وأصدائها فى شكل الجميعات المحلية كما يقدس المجلات الدورية التقليدية شبه العلمية، بما يمتد إلى تقديس رؤساءها، ومجالس إدارتها، وأعضاءها، ومحرريها بشكل يخشى منه على حرية تفكيرنا وإمكانية إسهامنا، وخاصة فيما يتعلق بمعنى القيمة المعرفية التى تترسب فى أعماقنا، وما إن انتهت ثورة الغيظ التى ملكتنى، وما إن قلت للسيد فريمانH. Freeman على مائدة الغداء أنه كما أنك تعلمنا كيف نكتب ورقة علمية، سوف أرسل لك بحثا بعنوان: ”كيف تقيم ورقة علمية” How to assess a scientific paper واحدة بواحدة.
“وبرغم أن الرجل تلقاها بتواضع وبرود انجليزى جيدين، بالإضافة إلى وما يبدو أنه تشجيع عاطفى وحث، إلا أنى قررت لنفسى بوضوح أن المسألة ليست إلا مجاملة وقبول فاتر، فلا بد من اندفاعة عمل”
وكان بعض الأمناء النابهين من الضيوف قد طلبوا منى أن أوافيهم بالورقة التى قدمتها فى المؤتمر عن رؤية التكامل النفسى من المنطلق الإسلامى المعرفى البديل(6) الذى يسمح بالإحاطة بمستويات تكامل الإنسان نفسيا، على مسار النمو إليه، الأمر الذى استوحيته من واقع لغتى ودينى، إلا أننى لم أكن جاهزا بها فى صورتها النهائية، ثم تتاح فرصة تبادل الحديث حول وجهة نظرى فى بعض مسائل التقسيات النفسية والدراسات البيئية النابعة من تراثى، المتفقة مع ثقافتى، والمثرية لفرعى، فيتقبلونها بقبول حسن مع وعد منى بتقديم البحث المعرفى المنهجى الذى قلته فى المؤتمر فيما بعد.
لكننى انتبهت وأنا أفعل ذلك أن زملائى من أهل وطنى لا يعرفون شيئآ عن خبرتى هذه، ما سجلتها منها مما نشر، وماكتبته ولم ينشر، وكنت قد ناقشت السيد فريمان ذاكرا له أننى منذ أكثر من عشر سنوات وأنا أكتب فى فرعى مقالات افتتاحية فى مجلة تخصصنا المحلية، وأننى حين جمعتها وجدتها شديدة التماسك واضحة الغاية متصلة أشد الاتصال بما يحتاجه فرعنا منهجا، وتنظيرا وتطبيقا عمليا فى آن، ليس فقط فى وطننا هنا، وإنما فى أى مكان فى العالم.
فسألنى أحد أبنائى من الزملاء الأصغر: أين هذا الذى تتحدث عنه، ونحن لم نخـطر به؟ ألسنا أولى أن نعرف ما تقول وما تكتب؟
وهكذا
جاء هذا الكتاب ردا على هذا الزميل واعتذاراً لزملائى الأصغر، وأتممت المسودة التى تنشر الآن بعد عشرين عاما (3 نوفمبر 1991) بأقل قدر من التحديث فى ثم أهملت الأمر برمته حتى حدث ما سبق أن شرحته أمس واليوم
دعواتكم أن أنجح فى امتحان الملحق هذه المرة
واستغفر الله العظيم
1- ديوان البيت الزجاجى والثعبان
[2]- فلا حوار فى القاعات إذ يستحيل أن يقوم حوار بين ثمانين مستمعا حول سبعة أبحاث فى خمس دقائق مثلا!!.
[3] – المؤتمر الإقليمى للجمعية العالمية للطب النفسى والجمعى المصرية للطب النفسى 16-18 يناير 1992. القاهرة.
[4] – أقرأ الآن (نوفمبر 2011) كتاب ” The Dao Of Neuroscience” تأليف:C. Alexander Simpkins Annellen M. Simpkins دار النشر: W.W. Norton &Company New York. London
وهو يربط بين منهج التأوية ومنهج الغرب فى مجال العلم المعرفى العصبى خاصة فى تناول العلاقة بين المخ والعقل.
[5] – كنا DAO
[6] – بحثت عن هذه الورقة فلم أجدها، وإن كنت قد وجدت ورقة ناقصة بنفس العنوان أسبة بالمسودة وناقصة وحين قرأتها وجدتها أفكارا قديمة تم نسخها مرة ثم تعدلت مرة اللهم إلى فى قولى “إن الإسلام، كما وصلنى دون وصاية إنما يخاطب مستويات متعددة للوجود البشرى، طريقا للإيمان فى تدريب سلوكى عباداتىّ منتظم بسلك تنقية مسام الوعى الشخصى، فالوعى الجمعى، فالوعى الاجتماعى إلى وعى الطبيعة فالوعى الكونى إلى وجه الله دائما أبدا”
أما ركزت عليه بعد ذلك فهو التأكيد على أى دين نقى فطرى إلهى قبل ان يتشوه يمكن أن يقوم بنفس العون، وبعض الإبداع كذلك، وكل هذا ظهر بعضه، وقد يظهر بعض أخر فى توضيحاته لاحقا.