الأهرام : 31/12/1980
حصاد عام رحل
عام الشعر والشعراء
كان عام 1980 عاما للشعر والشعراء بحق، إذ التقى فيه تياران ماكنا نتواقع أن يلتقيا بهذه السرعة وهذا اليسر، خاصة وأنه ليس التقاء تعايش أو مهادنة بل التقاء تمازج وتفاعل، إذ أن النهضة التى شهدها هذا العام والتى تمثلت فى حركة النشر النشيطة قد يسرت وصول الشعر إلى وجدان القرء إما عن طريق الدواوين الجديدة أو عن طريق الصحافة والأذاعة والتليفزيون فجعلت القاريء يستجيب استجابة أتاحت للشعراء أن يتفاعلوا مع كل من هذين التيارين بحيث أصبح كل منهما ينبض بايقاعات الأخر وصوره، وأصبحت الروح الغالبة أقرب الى تيار فنى يعكس روح العصر ويربط مصر بالعالم من حولها مثلما شهد بذلك الشعراء الأجانب الذين زاروا مصر واطلعوا على شعر أهلها مترجما الى لغاتهم.
ولابد لنا قبل أن نرصد أهم ملامح هذه النهضة أن نعترف بفضل من أسهم فيها مثل الشاعر صلاح عبد الصبور الذى أتاح للشباب أن ينشروا دواوينهم دون عناء والشاعر فاروق شوشه الذى أتاح للشعراء أن يسمعوا أصواتهم للناس ومن خلال الشاشة الصغيرة، وغيرهم ممن استطاعوا بالنشر والنقد والتحليل أن يؤكدوا التقاء التيارين، ولا ننسى فى هذا المجال فوز الشاعرين فتحى سعيد ومصطفى عبد الرحمن بجائزة الدولة فى الشعر.
أما أهم الملامح فهو غلبة الصدق الفنى على الصنعة المحكمة وذلك لاستناد تيار الرومانسيةالجديدة الى الصدق النفسى مما جعل الشعراء يتحررون من التقاليد التى طالما درج شعراء العربية على اتباعها – خاصة فى ظل الكلاسيكية -والتى تقضى بنقاء الأنواع الأدبية، وهكذا شهدنا فى عام 1980 تطورا بارزا فى بناء القصيدة وصورها ونغماتها السائدة-ولنضرب مثلا من قصيدة الحب التى لم تعد قصيدة غزل أو نسيب أو تشبيب تقليدية بل أصبحت تمثل لحظة أكتناه للذات وإستقراء للوجوه المختلفة لمعنى العلاقة بمفهومها الواسع – أى أنها لم تعد مقصورة على علاقة فرد بآخر أو إنسان بغيره من البشر بل تعدت هذا لتشمل علاقة الفرد بالكون بآسره- وإذا كان هذا الاتجاه النفسى قد برز بوضوح فى شعر الشعراء الذين ولعوا بالستبطان والتحليل ثم التجسيد الرمزى-مثل د.يحيى الرخاوى ( فى ديوانه “سر اللعبة”) فهو يتستر دائما فى القصائد التى تستمد وجودها من إستيعاب التراث والأحساس بالأنتماء لجسد كبير هو الوطن أو البشرية مثل قصائد نصار عبد الله أونشأت المصري، كما أنه ينزع الى التجريد الذى يدفع إليه الحرص على بلورة المعنى مثلما تفعل وفاء وجدى فى ديوانها الثالث الذى تتخطى فيه مرحلة التصويرية، أو هو يركز على الصورة الواحدة التى تتعدد أشكالها على مدار القصيدة مثلما يفعل محمد ابراهيم أبوسنة.
ومن الملامح الشكلية التى لاتقل أهمية عن هذا التيار النفسى أوالتآملى أوالوجدانى ظهور أشعار بالعامية المصرية لاتقل ثراء عن مثيلاتها بالفصحي- مثل ديوان ماجد يوسف ‘ست الحسن والجمال ‘ـ الذى يقدم لنا فية الشاعر محاولة جادة لتخطى مراحل المحاكاة لبيرم التونسى وصلاح جاهين معتمدا على تراث العربية ومستفيدا من تجارب مدرسة الشعر الحديث فى إحكام البناء.
ولا نستطيع أن نختتم عرضا للنشاط الشعرى فى عام 1980 دون أن نشير إلى عودة الصوت الحى الى الشعر العربى سواء فى الأمسيات الشعرية التى يلقى فيها الشعراء قصائدهم بأنفسهم أو فى الندوات الخاصة والتى أثبتت أن الجمهور ما زال يطرب لايقاعات العربية الجزلة ويطلب المزيد من الشعر أيا كان شكله، ودون أن نشير الى الندوات المشتركة مع الشعراء الأجانب، ورحلات شعرائنا الى الخارج وأحتفاء الأجانب، بشعرنا، و الى الاتجاه الى تقديم شعرنا باللغات الأجنبية فى كتب صدر بعضها والبعض الأخر فى سبيله الى الصدور، وأخيرا الى اعتراف الجامعات بالشعراء المحدثين وإدراج شعرهم فى مناهج التدريس لطلبة الدراسات العليا.