نشرت فى الدستور
11-1-2006
حزب جديد؟ أم وعى جديد يتخلق؟؟ !!
…. انتهينا إلى ما كان ينبغى أن ننتهى إليه بعد أن أحيل الشعب إلى الاستيداع طوال عشرات السنين. الآن والشعب يتمطى، هو لا يصدق إن كان قد بعث بعد موت، أم أنه استيقظ بعد سبات فى كهف سحيق، أم أنه سوف يكتشف أنه يتقلب إلى الجانب الآخر إثر حلم أو كابوس، ليعود إلى نوم أخبث وأظلم، الآن ينتظر الآملون والمنظّرون والمحبون والواقعيون، ينتظرون منه أن ينشىء حزبا جديدا، حزبا بحق وحقيق. مطلوب منه الآن أن يفيق، ويصدق أنه ما زال حيا، بل لعل هذا التمطى يتمخص عن عملاق حبسوه فى قمقم طوال هذه السنين.
تكشف الأمر بعد كل هذه الحركات الصورية والحقيقية، من أول تعديل المادة إياها حتى تكوين الوزارة إياها، تكشف الأمر عن إعلان واقع مر، وهو أن مصيرنا أصبح واقعا بين قوة مدعومة بالعسكر والفساد والمصالح الشخصية، وقوة تلوح للحس الدينى بالشعارات والوعود التى لم تختبر،. من هنا أدرك الجميع أننا بحاجة إلى شىء آخر غير هذه وتلك، فتعالت الأصوات وترددت تنادى بالحاجة إلى ذاك الحزب الجديد الذى يسمونه مرة الليبرالى، ومرة التنويرى، ومرة الإصلاحى، ومرة الإنقاذى، وأخيرا حزب مبارك !!..فأتساءل كما تساءل عبد المنعم مدبولى فى مسرحية ريا وسكينة “منين”؟ أو كما يغنى كاظم الساهر “منين أجيب ناس”؟
الحزب السياسى، بعد كل شىء، هو نتاج لتراكم واقع ناس يتحركون، ناس لهم ثقافة تميزهم، وقد تجمعوا حول أمر ما، فنظموا أنفسهم بطريقة ما، ليحققوا هدفا ما، لا بد من ناس لهم انتماء، ومصالح، وحركة، وهدف، يتحركون فى اتجاه متوحد، يبدأون الحركة فى حدود المسموح، وقد يضطرون إلى تجاوز الحدود ورفع السقف بين الحين والحين، يصدقون أنفسهم، ويصدقهم من حولهم حتى لو اختلفوا معهم، ويواصلون المسيرة تحت كل الظروف. من أين نأتى بهؤلاء الناس بهذه المواصفات بعد كل هذا الذى حدث طوال هذه السنين؟
حركة كفاية و الإخوان هما الحزبان اللذان توفرت لهما معالم إرهاصات تكوين ما هو حزب له معنى الحزب، حركة كفاية ليس لها كيان قانونى، والإخوان جماعة محظورة، رأيتَ كيف؟ (قارن الأحزاب الرسمية من أول الاتحاد الاشتراكى، حتى حزب مصر، وانتقاله إلى الحزب الوطنى، وعقبال انتقاله إلى حزب مبارك بالسلامة).
أخشى على حزب حركة كفاية من اللاتجانس والتوقف عند الرفض الذى تعنيه كلمة “كفاية”، نعم كفاية كل هذا، ولكن ما هو الشىء الذى يتكون، ولو فى الخفاء، والذى هو “ليس كفاية”؟ هذا ما ينبغى أن نبحث عنه لننميه، وهو يتكون فعلا عبر شبكات الإنترنت، وفى صالات الديسكو، والمساجد، والكنائس، وداخل الميكروباصات، وأحيانا فى الجامعات، وفى أسواق الجمعة، والخميس، والإثنين، والموالد، ويرصد فى المسودات غير المنشورة، ويعلن بالحيرة غير الضائعة، وبالأمل الغامض، كل ذلك يحدث سواء رصدناه أم سرى من وراء ظهورنا، وهو ما يتكون منه حزب وأحزاب، ولو بعد حين.
أما الإخوان فهو حزب بكل معنى ومضاعفات وفخر كلمة “محظور، لا أقيّم الإخوان بشعاراتهم ووعودهم، ولا بأحضانهم وابتساماتهم وطيبة بعضهم، ولا ببرنامجهم وتصريحاتهم وحواراتهم، ولا بمدى واقعية وصلاحية الإسلام الذى يعلنونه (وليس الإسلام الذى أنزله الله) لما نهدف إليه. الإخوان حزب مثل كل أحزاب الدنيا، يبدأ باستيعاب نبض الناس حتى لو كان زائفا مرحليا، ويلتقط جوعهم ليس فقط إلى رغيف خبز وإنما إلى الاحترام والإبداع والأمل فى التغيير، فينظم كوادره وحركته فى اتجاه ما يفى بهذه الاحتياجات، ويسعى إلى تحقيقها بخطوات ملتزمة ، استطاعت أن تحتل الساحة مهما كانت أقلية عددية فعلا. هذا الحزب بكل معنى الكلمة معرض للانهيار من داخله، وبفعل الزمن، لأن كل محاربته الغبية لا تزيده إلا قوة ، يحاربونه بتعبير انتماء مؤسسه إلى التصوف مع أن ما يفتقده الإسلام الآن هو رحابة فلسفة التصوف بكل ما تحتويه من قدرات الإبداع واحترام بل واحتواء الآخر، يحاربونه بنشر الصور الخليعة وإعلانات الكحوليات على غلاف المجلات القومية، مع أن هذا بالذات هو سلاحهم الجاهز للترويج السطحى لظاهر ما يدعون إليه من الحلال والحرام أكثر من الإبداع والاجتهاد، …إلخ . أنا لا أخشى عليهم من أعدائهم الذين يزيدونهم قوة يوما بعد يوم، أنا أخشى مما كان يخشاه الإمام محمد عبده حين صرح للأمير شكيب أرسلان بشعر يقول: “ولكنه دين أردت صلاحه ، أحاذر أن تقضى عليه العمائم” . (العهدة على الراوى: صلاح فضل الأهرام 2يناير الجارى)، ما لم يعلن الإخوان موقفهم ممن عناه الإمام بالعمائم، فسوف ينهار حزبهم مهما طال الزمن:
إما حرية إبداع بلا حدود، إما حركة اجتهاد لا يحكمها إلا صالح الناس، إما استلهام من كل النصوص بدءا من التنزيل الإلهى وليس انتهاء بمواقف النفّرى وإضافات العلم المعرفى،إما عدل يعدل بين من يدخل الإسلام ويخرج منه (مثله مثل سائرالأديان)، إما مواجهة صريحة مع أصحاب العمائم الذين عناهم الإمام (وليسوا مثل المرحوم أمين الخولى أو الشيخ البشرى)، إما أن يعلن كل ذلك دون خشية تكفير (أصحاب العمائم سوف يكفرون الإخوان لو أعلنوا أيا من ذلك، وأيضا ثم شك أن الناس سوف يعيدون انتخابهم لو أعلنوه صراحة) إما كل ذلك، أو فلينتظروا انتهاء عمرهم الافتراضى، وسوف يتحمل الناس الذين انتخبوهم والذين لم يذهبوا إلى الانتخابات أصلا، سوف يتحملون المضاعفات التى سوف تفرزها هذه الخدعة الكبرى – أمام الله والتاريخ – باسم الإسلام.
التاريخ لا يرحم, وربك أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين، وأن سعيهم سوف يـُرى، ولو ألقوا معاذيرهم.