نشرت فى الدستور
12/3/1997
حزب الأغلبية الحقيقية
أنا أتصور نفسى فى معظم الأحيان مواطنا مسالما لدرجة تؤهلنى أن أنضم إلى حزب الأغلبية الحقيقية، وهو الحزب المصرى القديم والممتد، منذ قبل التاريخ، وهو الحزب الذى يحذق فن الانتظار، والثقة بالحياة، وأن البقاء للأصبر (الأكثر صبرا).
وإذا أردت ذم هذا الحزب أسميته “حزب السير بجوار الحائط، أو حزب من يتزوج أمى أقول له ياعمى”، وإذا أردت أن تسميه اسما نصف نصف “لا هو ذم ولا مدح” فلتسمه حزب “الطيب أحسن” أو “حزب كله محصل بعضه”، أما إذا أردت كعضو منتسب “حيث ليس فى الحزب أعضاء عاملون”، أن تمتدحه وتفخر به فلتسمه “حزب الرضا والصبر”، أو “حزب السبعة آلاف سنة” أو فلتطلق عليه إسم التدليل: حزب الحضارة المنبسطة، وشعار الحزب الأساسى كان ومازال أن “إصبر على جارك – أو حاكمك- السوء، يا يرحل ياللى بالى بالك!!” فعلام العجلة؟
لكن وعيا مصريا نابها، اسمه د. أنور عبد الملك، يطلع علينا فى جريدة الأهرام، لينبهنا أنه – من واقع “منتدى دافوس”، وشباب الألمعى بيل جيتس “أبو 45 مليون دولار يوميا” تغيرت قواعد اللعبة، وأصبحت “البقاء للأسرع” أو بنص كلماته “.. لم يعد الأمر يتمثل فى أن الكبير يأكل الصغير، وإنما أصبح السريع يأكل البطئ”.
وبالوقوف عند هذه المقولة، “تعتع يقينى” بأن “الحل هو الصبر”، ورحت ألوم أول من أغرانى بالإنضمام إلى هذا الحزب “عم على” السباك، إسمه فى روايتى الوحيده “عم محفوظ” فقد كان يحكم ربط الكتان حول قلاووظ ماسورة صنبور المطبخ بهدوء فظيع، فرحت أتعجله فيما يشبه اللوم، سائلا متى تنتهى؟ فأجابنى بنفس الهدوء دون أن يلتفت: يا حضرة الدكتور- مستعجل على إيه: “إللى ما يخلصش النهارده، يخلص بكره، واللى ما يخلصش بكره يخلص الجمعة الجاية، واللى ما يخلصش الجمعة الجاية يخلص السنة الجاية واللى ما نخلصوش احنا، يخلصوه ولادنا، وإللى ما يخلصهوش ولادنا إن شا الله ما خلص”، ساعتها امتلأت يقينا بمبادىء الحزب الراسخة، لكن بعد مقال د. أنور عبد الملك، وجلستى أمام الكمبيوتر من أحد عشر سنة، ثم أمام الانترنت من شهرين تذكرت حكاية نقيضية تزلزل مبادىء حزبنا أكثر فأكثر، تقول الحكاية – أو النكتة!!-: مر خواجة على امرأة من بلدنا تجلس متربعة أمام مشنة تنادى “يا نايم فى العسل” “يا نايم فى العسل” وكان قد تعلم مبادىء العامية المصرية، فغلبه حب الاستطلاع فتقدم إلى المشنة ليعرف، من هذا النائم فى العسل، فإذا بطبقة سوداء متصلة تغطى شيئا أسود تحتها، فمد يده سائلا المرأة عما تبيع، وإذا بهذه الطبقة السوداء غطاء من الذباب وقد تجمع فوق مشنه البلح الرطب، فانزعج الخواجة وتراجع، وقال للمرأة “خليه نايم”.
يا خبر!! هل يكون الأمر كذلك؟
هل نعيش ما بين ما نردده على أنفسنا “اللى ما يخلصش إن شا لله ما خلص”، وبين ما يقوله الخواجة عنا “خليه نايم فى العسل” حتى لو كنا ذبابا فيبدو أننا أخترنا ألا نطير أو حتى نطن !!!.