الوفد: 14/2/2002
جنون العظمة.. بين شارون وبوش
أنا أزعم أننى أحب الناس جداً، لست متأكدا. لكننى على يقين من أننى أحب مرضاى أكثر، ليس شفقة عليهم، ولكن احتراما لمأساتهم. ليس موافقة على حلولهم، ولكن لنبدأ معا من جديد.
لكل هذا، فإننى أنزعج حين تُستعمل الألفاظ التى تنبع من معاناتهم استعمالا مجازيا ونحن نصف شخصا شريرا أو عملا قبيحا أو سلوكا شاطحا. أتألّم لَمِرضَاىَ نيابة عنهم وأرفض مثل ذلك الاتجاه رغم تأكدى أن الاستعمال مجازىٌّ، وأن القصدَ حسنٌ. أنا لا أبرّئ نفسى من هذا التصرف، وأذكر أننى وصفت بوش بالذات بأنه متخلّف وأبْلَه، كما وصفت الجميلة – ذات مرة – المأسوف على رقّتها ونعومتها الأميرة ديانا وصفا نفسيا لا يليق. هذا التجاوز يفرض نفسه حتى على من يدرك مدى أذاه مثلى.
من يحكم على من ؟
ليس معنى أننى أحب مرضاى،سواء الشاطحين منهم أو المعاقين،” أننى أعتبر سلوكهم حميدا، أو أنهم مثل أعلى للوجود البشرى الضعيف. المرض فشل شريف، والقصور فى القدرات العقلية امتحان من القدر، لكن التمادى فى هذا أو عدم احترام ذاك قد يترتب عليهما إيذاء النفس، ثم إيذاء الناس. هذا أمر غير مسموح به حتى لو اضطررنا إلى مواجهة المريض بالكف والتهدئة الجسيمة لنحول بينه وبين هذا الإيذاء. لكن التحدى الحقيقى ينشأ حين لا نتمكن من ذلك. خاصة إذا تصادف أن وَلـِىَ ذلك الإنسان أمورَ أهل بلده، فطغى واستكبر وَقـَتل ودمّر؟ هل يستطيع أى واحد أن يقترب من شخص انفصل عن المنطق، وُسـِلبَ منه العقل القادر على الحسابات السليمة، وتبلد منه الوجدان الذى يحول دون تعاطفه مع ناسه، ناهيك عن ضحاياه؟
يزداد الأمر خطورة حين يتصادف آن تمتد سطوة هذا الشخص خارج حدود ناسه إلى كل الناس، إلى العالم أجمع، هنا ينبغى أن نتكاتف جميعا لمنع الأذى الذى يصدر من أشخاص شاء غباء العصر، وخبث الإعلام أن يجلسوا فى موقع يسمح لأذاهم أن يمتد إلى الأبرياء بعشرات الآلاف، بل إلى الجنس البشرى بما يهدد بقاءه.
ماذا نعمل لهؤلاء ؟ هل يكفى أن نشخّصهم ونحلل شخصيتهم ونصفهم بالجنون مرّة، وبالتخلّف مرة؟
هل نوافق على ما تمناه الأخ نبيل زكي (الوفد 5/1/2002) من ضرورة تطبيق اقتراح جيمس تول رئيس الاتحاد العالمى لأمراض الأعصاب (الأوبزرفر سبتمر 2001) من ضرورة إجراء اختبار منتظم لقادة العالم من أجل التأكد من عدم وجود أى عوارض جنون لديهم ؟
يا أخى نبيل : مَنْ الذى سوف يحكم على من ؟ أنت حسن الظن بنا جدا . أنت لا تعرف ما آل إليه حال الأطباء النفسيين على يد شركات الدواء ، أنت لا تعرف أننا انفصلنا عن مرضانا وعن عقولنا وعن منطقنا بفضل العلم الزائف الذى يروجونه، مثلاً: ليخفوا دواء نافعا ثمن العلبة منه جنيها واحدا، ليحلوا محله دواء أقل فاعلية، لكنّه أنعم ملمسا بزعم أن أعراضه الجانبية أقل. لكن ثمنه أكثر من مائة ضعف الأول. يحدث هذا باسم العلم، وتحت مظلة المؤتمرات، ومن خلال المجلات العلمية العالمية .
شركات الدواء، وغسيل المخ
إن الذى علّمنى خطورة ما يجرى فى العالم من تحوّل مفترس تحت اسم العولمة، هو ما أمارسه يوميا مع مرضاى، وكيف يُحرمون تدريجيا من فرص العلاج تحت اسم اقتصاد السوق، وهو ليس إلا التمادى فى سفالة وجشع ما يسمّى الشركات العابرة للقارات، وللدول، وللأخلاق، ولعقول أبنائى وبناتى الأطباء الأصغر، لا أستطيع أن أبلغ القارىء حقيقة وحجم المعاناة التى أعيشها أنا وزملائى الجادين، ونحن نحاول أن نقاوم عمليات غسيل مخ منتظم لصالح شركة تريد أن تكسب عشرات المليارات من الدولارات فى السنة الواحدة. إن شركة “لـِيـِلى” (مثلا) وهى التى توزع عقارها الجديد الباهظ الثمن. مجانا على المستعمرات الإسرائيلية هى التى أحلت عقارها الذى يقارب ثمن العلبة منه ثلاثمائة جنيه، محل العقار التقليدى الذى كان ثمنه جنيها وربعا، وله نفس الفاعلية. ومن يوم كَتَب سلامة أحمد سلامة عنها، بناء عن توصية نقابة الصيادلة بمقاطعتها، زادت مؤتمراتها وزادت مبيعاتها فى مصر (وربما فى كل العالم العربى!!!)، إن أيدينا – نحن الأطباء الذين يحاولون الفهم- فى النار يا عم نبيل، لذلك عرفنا ما يجرى فى العالم بهدف إعجازنا عن التفكير العلمى الحر، عرفناه من مأساة حرمان مرضانا من فرص العلاج تحت زعم التقدم العلمى الزائف. هذا ما يحدث فى مجال الدواء، لكن مثله يحدث فى كل المجالات الاستهلاكية والضرورية على حد سواء.
الجرس فى رقبة القط
كيف بالله عليك يا أخ نبيل ترجو من طبيب نفسى، بناء على توصية السيد “جيمس تول” أن يكشف على قادة العالم “دوريا” للتأكد من خلوهم من عوارض الجنون؟ أو لتحديد درجة ذكائهم؟ من الذى يمكن أن يعلّق الجرس فى رقبة القط؟ وماذا بعد أن يكتشف التشخيص؟ إما أنه سيقبل رشوة بشكل مباشر أو غير مباشر، أو سيوضع فى السجن، أو سيتهم بالجنون هو وليس الذى كشف عليه، وأسأل روجية جارودى.
إجرام لا مرض
المسألة لا تحتاج فحصا نفسيا، ولا طبيبا نفسيا لتشخيص هذا الشذوذ الذى يسود العالم ويهدد استمرار الجنس البشرى . إن منطق صبى صغير لا يتعدّى عمره الثامنة يكفى لتشخيص ما يجرى دون حاجة لتجريح مرضانا ، ومُعَاقِينا، باستعمال صفات مأساتهم لشرح ما يهددنا من قادة العالم ومجرميه.
خطرت بخيالى بعض الأسئلة التى يمكن أن يطرحها صبى فى الثامنة من عمره على والده مدرس اللغة العربية أو أمين مخزن شركة “البراءة المتحدة”، يمكن أن يسأل الصبى الأسئلة التالية (كأمثلة):
بابا ، قل لى: لماذا يقتلون الأطفال وأمهاتهم فى أفغانستان داخل بيوتهم فى حين أنهم يسعون للقبض على متهم واحد ليحاكمونه فيما بعد؟
بابا : هل لو قبضوا على أسامة هذا، يمكن أن يعيدوا الحياة للذين قتلوهم؟ كيف يا بابا؟ هل هم ربنا ؟
بابا : لماذا يقتلون الفلسطينيين على مكاتبهم، وداخل حجرات نومهم دون محاكمة أيضا، أليس عندهم قضاء؟ هل نرسل لهم عمى المستشار “عادل القاضى” ليحاكم المتهمين أولاً؟ لماذا هم مستعجلون هكذا، أليس هذا حرام يا بابا؟
بابا: هل عندهم جهاز يمكن أن يعرف نوايا الناس، فإذا نوّر الجهاز- عن بعد- بالنور الأحمر يقتلونهم فورا؟
بابا: بأى حق أوقفوا سفينة السلاح البعيدة جدا فى عرض البحر؟ هل يمكن أن يحارب الناس دون سلاح؟ أليست هى الحرب يا بابا؟ هل تغيّر معنى القرصنة التى نشاهدها فى الأفلام؟
بابا: لماذا يتبرأ كل الفلسطينيين من سفينة السلاح، هل المفروض أن يتحارب الناس: واحد بالحجارة ، والآخر بالصواريخ ، والطائرات والمدافع طول الوقت؟ كيف ألعب شطرنج بأحجار الدومينو وأكسب خـِصـْمـِى وهو يصف كل جيوش الشطرنج ناحيته؟
بابا: لماذا بلد واحد هو الذى “رفد” أنكل بطرس (غالى) من وظيفته، مع أن العالم كله كان يريده ؟
(يمكن أن أتمادى أكثر حتى أصل إلى ألعاب “أنكل” “سورس” فى بورصة طوكيو أو دور خالو “تشينى” فى إفلاس شركة “إنرون”، لكن صديقى الصغير ليس عنده التفاصيل الكافية)
يا عم نبيل أرجوك لا تحسن الظن بنا -نحن النفسيين- هكذا، ألستَ معى أن الإجابة عن هذه الأسئلة لا يمكن أن تقنع هذا الصبى أن جنون العظمة هو ما يفسر تصرفات هذا “البوش” أو “الشارون” حتى لو كان الذى شخّصه هو الخواجة “جيمس تول” شخصيا؟
لكل ذلك أنا أتجنّب عامدا أن أستعمل لغة تخصصى وأنا أكتب للقارئ العادى فى المسائل العامة. ما أسهل أن تقول إن العقدة النفسية الفلانية هى السبب فى حرب كوسوفو!، وأن الحاجز النفسى العلانى هو السبب فى إبادة الفسطينيين!! ألا تلاحظ أن فى داخل داخل هذا الاختزال (مهما فسّر لنا بشاعة التصرفات) ما يشير إلى عدم مسئولية المجرم عن فعله؟ هل يـُسْأَل مجنون عمّا يفعل ؟
ندوات مشبوهة ولغة مرفوضة
من قديم وأنا أحذّر من الأمل فى دور يقوم به الطبيب النفسى فى السياسة بصفته التخصصية. إن أغلب الأطباء النفسيين الذين يـُستدرجون إلى القيام بهذا الدور-، بعلمهم أو من وراء ظهورهم – لا يٌستعملون إلا لتسهيل المهمات القذرة. إن تحذيرى من هذا الدور قديم قديم. حين تفضّل الرئيس السادات (الله يرحمه) بالإدلاء بتصريح عجيب يقول: إن “تسعين فى المائة من إشكالنا مع إسرائيل هو بسبب العامل النفسى”، فزعت ورفضت، لكننى تصورت أنه يلعب لعبة الفلاح المنوفى و”يستعبط” حتى يحقق ما يريد، لكن الذى حدث أن بعض أطباءنا النفسيين أخذوها جدا، واسْتُدْرِجوا إلى هذه اللعبة بسذاجة أو غفلة، أو غير ذلك.
منذ عشرين سنة بالتمام نشرتُ خطابا فى مجلة مجهولة (الإنسان والتطور، إبريل 1980) كنت قد أرسلته إلى الزملاء الذاهبيين إلى حلقة البحث (يناير 1980) بشأن “العوامل النفسية فى المفاوضات الدولية” حذرتهم فيه من هذا الاستدراج وأنهيته قائلاً: “أولاً: إن العلوم النفسية هى علوم حديثة، ومازالت فى قسم منها اجتهادية فرضية فى حين أن السياسة ممارسة أخطر وأعمق، وهى فى ذاتها علم قائم بذاته، ثانيا: إن استعمال ندوات العلم، وخاصة بألفاظ مشكوك فى موضوعيتها لصالح مناورات السياسة هو عمل غير أخلاقى بالمقياس الحضارى، ثالثا: إن تأثير هذا التداخل، بين ما هو علم وما هو سياسة، يرجح كفة الميزان لجانب الأقوى والأحذق.
لكن يبدو أن تخديرى لم يصل لأحد.
بعد عشرين عاماً، وفى نفس يوم نشر مقال الأخ نبيل زكى فى الوفد نشر زميل كريم مقالا فى الأهرام (4/2/2002) بعنوان “بين العرب وإسرائيل حاجز نفسى”، وواضح أنه مقال حسن النية يشير إلى أن صعوبة التفاهم وتمادى الكوارث هى نتيجة لهذا الحاجز النفسى، ثم ينهى الزميل مقاله بأنه: “خلاصة القول أن الحاجز النفسى بين العرب وإسرائيل موروث سياسى ثقافي اجتماعى عقائدى يحتاج إلى جهد كبير من أجل أن يتلاشى ويذوب، ولن يتأتى ذلك إلا بإحقاق الحق فى شرعية الدولة الفلسطينية وحصول الشعب الفلسطينى على جميع أراضيه واختفاء المستوطنات.. الخ”، هذا كلام طيب لكن إيش أدخل “النفسى” فى الموضوع، لو رفعنا كلمة نفسى من كل المقال لما تغير شىء من المراد توضيحه عن “الموروث السياسى الثقافى الاجتماعى العقائدى”، ألا يحتمل أن تلهينا هذه الصفة عن حقيقة الأسباب من استغلال واستكبار وغطرسة وإجرام وغباء الأقوى؟ ثم إنه لم تعد ثمة حواجز أصلا فى المسألة، لا نفسى ولا غير نفسى: سالت الدماء وتناثرت الأشلاء، واختلطت الأوراق، وشاهت اللغة وتزيّف الاعلام، حتى أصبح القاتل: مدافعا عن النفس، والمضحـِّى بنفسه فى سبيل أرضه وناسه: إرهابيا ومجرما، والمعتقل المحدد إقامته مطلوب منه أن يعلن الحرب الأهلية على بقية فصائل ناسه. لقد أصبحت المسألة “عصيدة” من الدم والنزف والأشلاء، لا أكثر. أين الحاجز النفسى، أو الرادع الخلقى، أو الضمير الإنسانى؟ أين تقع اللغة النفسية فى كل هذا؟
أصل الحكاية
لعل ذاكرتى لا تخوننى وأنا أذكر أن أول من أدخل هذا القاموس النفسى العصرى مجال السياسة كان أستاذنا الرجل المدرسة القدير محمد حسنين هيكل فى أوائل الستينيات (كان أيامها قادرا. لم يكن قديرا بعد). أذكر أن مقالا أو سلسلة مقالات كانت قد ظهرت له بعنوان “العقد النفسية التى تحكم الشرق الأوسط” تناول فيها حكاما جيرانا دون أن يعرج على أهلنا وناسنا (وهل كان يستطيع ؟).
أنا مازلت حين أقرأ هذا الأستاذ القدير فى “وجهات نظر” أشعر أننى أمام محلل نفسى من الدرجة الأولى، وهذا مقبول من صحفى ماهر له كل هذه الفرص التى سمحت له بالتعرف شخصيا على كل هؤلاء الناس، هو أمر مقبول باعتباره اجتهاد غير متخصص، أما إذا جاء الحديث من متخصص مثلى فإنه يصبح فتوى وتشخيصا ووصاية مما قد يشل الموقف النقدى الضرورى للقراءة الواعية.
تشخيص عبد الناصر باطل
قبل ذلك بعشر سنوات، بمناسبة مرور أربعين عاما على ثورة يوليو عملت هذه الصحيفة (الوفد) تحقيقا عن جمال عبد الناصر، وأخذوا دراسةً لى كنت قد عرضتها فى ندوة خاصة، وأحالوها إلى تحقيق وأسئلة وأجوبة، حاولت فى هذه الدراسة كمواطن أن أذكر إنجازات عبد الناصر، وضعفه، وقوته، وصدقه، وعناده وبذاءاته، ومثابرته، وأمانته لكن المحرر – سامحه الله – وضع مقدمة وعناوين فرعية جعلت الدراسة كأنها “تشخيص” لحالته من مختص، (الوفد 9، 10، 11، 12/7/1992).
أثار هذا الحديث الممتد لأربعة أيام على التوالى الزملاء المتخصصين فراح كل منهم يشخصه بشكل مباشر. فى تعقيب لاحق: قال أحدهم (17/7/1992) “هو دكتاتور سيكوباتى بارانويدى نرجسى. إلا أن الدكتور أحمد عكاشة لحق الموقف ونفى كل هذه التشخيصات، وإن كان قد أشار بأمانة اجتهادية إلى اكتئاب عبد الناصر المتوَقَّع فى ظروف الضغوط الهائلة التى تعرض لها كما ألمح إلى إنطوائيته.
فزعتُ بسبب ما لحق دراستى هذه من تشويه، ثم ما استتبع نشرها هكذا من اتهامات لعبد الناصر بالمرض حتى الجنون، فسارعت بكتابة تصحيح لكل ذلك، ولم يتردد الأخ/ الفاضل جمال بدوى من إتاحة الفرصة لنشر التوضيح والتصحيح (الوفد 25/7/2001) فى مقال ختامى للحملة وكان بعنوان “رأى الطب النفسى فى عبد الناصر ليس علما، وهو لم يكن مريضا نفسيا، وليس من حق أحد أن يصفه بذلك”.
عودة إلى شارون وبوش
إذا كان هذا ما فعله الأطباء النفسيون واختلفوا حوله، فى حالة رئيسنا القريب عبد الناصر، فكيف نسمح باستعمال مثل هذه اللغة نفسر بها تصرف هؤلاء الوحوش الجبناء الذين تولوا أمر العالم؟، كيف تتصور يا أخ نبيل أن الكشف الدورى النفسى على هؤلاء الناس يمكن أن يجنبنا هذه الجرائم، وخاصة وأن علاجهم ميئوس منه.
حقيقة المسألة
المسألة أخطر من اسم أى مرض نفسى، سواء كان جنون العظمة، أو التخلف العقلى، المسألة أن نظاما ماليا غير مسئول يحكم العالم، نظاما تجاوز سلطة الدول. وأن هذا النظام يموّل الانتخابات، فى كل أنحاء العالم “الحر” سرا وعلانية، وأنه قادر على أن يصنع النجوم السياسيىن الذين يتحركون كالدمى فى مسرح العرائس، يحدث ذلك فى أمريكا وأوربا وإسرائيل وإيطاليا والبلقان وكل الدنيا، يترتب على ذلك أن يلِىِ أمور الناس فى وطن ما، بل وأمور العالم كله، من هو ليس أهلا لإدارة بيته أو تهذيب ابنته، يستوى فى ذلك لو كان هذا الناجح مجرما، أو زير نساء، أو شاذا، أو متخلفا عقليا. إنه ينجح مهما كان، مادام أصحاب المال والإعلام قد أرادوا ذلك. ثم هو يمارس ما يـُمـْلى عليه بما فى ذلك أن يعلن الوصاية على العالم تحت اسم مكافحة الإرهاب، أو أن يمّول غسيل المخ الشامل للناس، بل وللمبدعين والمثقفين أيضا (ارجع إلى كتاب الحرب الباردة الثقافية، فرانسيس سوندرز – ترجمة “طلعت الشايب”- المخابرات المركزية الأمريكية وعالم الفنون والأداب المشروع القومى للترجمة).
ملحوظة ختامية
قلت فى المقال السابق عن وفاء إدريس إن جيلها وتضحياته ينبهنا إلا ضرورة ألا تذهب دماءهم هدرا. بأن نحسن استقبال رسالتهم لعلنا نبعث من جديد، لكننى فى نفس اليوم (6/2/2002) سمعت من إذاعة لندن فتوى تنزع تهمة الشهادة عن وفاء وأمثالها.
هل أطمع أن يتقمص أى واحد من أهل الفتوى هؤلاء ما فعلته وفاء، أو أن يتصور أن إبنه أو ابنته هو الذى فعل ذلك، ثم يعيد النظر فى فتواه؟.
ألا يكفى تخلينا عنهم فى الدنيا، فنتصدى لنكون أوصياء على مصيرهم فى الآخرة؟
أستغفر الله العظيم.