نشرت فى الدستور
7-12-2005
… جمود فاسد، وجمود واعد (كده، وكده!) !!!
عندى مخاوفى الخاصة من أى شخص لا يستعمل عقله وحسه وجسده ووجوده وخبراته شخصيا للتعرف على فطرته التى فطره الله عليها، لتأكيدها، فتفجيرها إبداعا ونفعا له ولغيره، سواء كان هذا الشخص عالما مؤسساتيا يخدم شركات الدواء والسلاح، أو عالم دين مسجون فى المعاجم والتفسيرات الجاهزة بما يخدم السلطان، أو شخصا عاديا يخاف أن يتخطى حدود ما رسموه له من أفكار. أغلب من يسمون الإخوان، مهما قالوا، لا يختلفون كثيرا عن سائر من تربى على النقل والسمع والطاعة والأخلاق الجاهزة. إذا ولى أحد هؤلاء السلطة جدا، فسوف يتناسب ضرره مع مدى ما يفرضه من نموذج هذا الجمود المعطل على سائر الناس، فى التربية والتعليم والإبداع والفن والمنهج العلمى وغير العلمى والملبس والمشرب والتفكير. هذا الموقف جعلنى أحاول أن أفهم الجارى ليس على أنه انتصار للإخوان وهزيمة للوطنى، وإنما على أنه انتصار لنوع من الجمود على نوع آخر، الأول هو جمود بالاستقرار والاستمرار مهما بلغ الفساد، والثانى هو جمود مخنوق تحت سقف شروح نصوص كريمة توقف تحريكها قسرا (برغم الوعود بتحريك السقف!!، من الذى يعلق الجرس فى رقبة القط؟)
ليس فى المسألة صدمة، ما هى إلا إعلان لواقع الجمود على الناحيتين، رحت أتابع أغلب هؤلاء الثقاة الذين تجمعهم المحليات والفضائيات لمناقشة الصدمة المزعومة، أغلب الخطاب كان كالتالى : (1) الإخوان “وحشين” جدا (2) إياكم أن تصدقوهم، فهم يخدعونكم وسوف ترون (3) الإخوان إرهابيون، غصبا عنهم، من أول السيارة الجيب ثم مقتل القاضى الخازندار مرورا بالنقراشى باشا حتى أنور السادات، (4)الإخوان هم الذين مارسوا البلطجة دون الوطنى، والمستقلين، والأثرياء (5) الإخوان سوف يلبسون الرجال الطرح قبل النساء، وسوف يشلون السياحة، ويبطلون الغناء، ويخربون بيوت “البُعدا” (6)الإخوان مازالوا خارجين على القانون، حتى لو انتخبتونهم، فلا تنتموا إليهم، حتى لايقبض عليكم
مضيت أتساءل : لمن يتوجه هؤلاء الناس بهذا الخطاب؟ ليتحقق ماذا؟ . إن كانوا يوجهونه إلى الذين انتخبوا الجماعة، فهم يزيدونهم تمسكا بها، وإن كانوا يوجهونهم لخصوم الجماعة، فخصومها يعرفون كل ذلك، وأكثر. أما إن كانوا يوجهونه إلى الذين هم ليسوا مع الجماعة، وليسوا ضدها ، فهو خطاب سطحى معاد، لا يقنع الفريق المنسحب غير الانتخابى، كما أنه لا يقنع الفريق الآمل فى الله والبشر ما هو أبعد فأبعد من “الجماعة” و”اللاجماعة” !! الأرجح هو أنهم يتكلمون مع أنفسهم مثلما هو الحال منذ أكثر من نصف قرن.
السيد بوش الإخوانى حين يعلن فى لقائه مع فلسطينيين (والعهدة على الراوى: الأهرام 27 نوفمبر2005) “إنه نفذ غزو العراق بناء عن أوامر الله، يمثل كل المخاوف التى يخشاها الناس من حكم الإخوان.
أعرف تماما أن الإخوان، مثلهم مثل أى ناس، منهم المجتهدون، ومنهم المبدعون، ومنهم الكذابون، ومنهم المغرضون، ومنهم عشاق السلطة، ومنهم الطيبون، ومنهم الخائفون ليس فقط من أعدائهم، وإنما أساسا من تفكيرهم الشخصى، يستعيذ الواحد من هذا الفريق الأخير من فكره شخصيا باعتبار أن أى فكر غير ما هو محطوط جاهز فى مخه هو من عمل الوسواس الخناس. هذا الذى يخاف من أفكاره شخصيا، كيف نأمن له أن يكون أمينا على فكر غيره؟
ومع ذلك، فالواقع واقع، وما هكذا تكون المواجهة,
لا مفر من مواجهة الواقع وحمل مسؤولية الوجود أمام أنفسنا وأمام الله سبحانه، الواقع هو الجمود على الجانبين، جمود يدعمه على ناحية: الفساد والبقاء للأرخم، وجمود على الناحية الأخرى: تبدو معالمه تحت سقف تفسيرات جاهزة وضعها بشر عينوا أنفسهم أوصياء على وحى الله وفطرة البشر. مواجهة الجمود على الناحيتين هى بالتحريك الفعلى لوعى الناس سعيا إلى وجه الحق تعالى إبداعا طول الوقت، حتى لو انتهى الأمر إلى أن تعملها وحدك، فكلكم آتيه يوم القيامة فردا، أعلم أن أى حل فردى هو ليس من السياسة فى شىء، لكن إن لم يكن أمامك غيره مرحليا فلتبدأ به : تستخرج بطاقتك الانتخابية، وتأمل فى نظام انتخابى يقلل من احتمالات إصابتك بعاهة أمام الصناديق، أو تشترى سنجة (احتياطى)، وتملأ وقتك طول العمر بما يفيدك ويصب فى ناسك، لحين جولة أخرى.
فإذا مضى الحال ضد كل ما تعمل، ولم تعد تطيق، ووجدت نفسك- لا قدر الله – ما زلت حيا، لكنك مستضعف غير قادر على حمل الأمانة، وخشيت أن تموت وأنت ظالم نفسك، فأرض الله واسعة حتى تلقاه، أحسن من أن تضيع وقتك فى المشاركة في هذا الخطاب الغبى، ولو مستمعا أو مشاهدا.