الاهرام:14/7/2003
ثم ماذا بعد مؤتمر الثقافة
انعقد مؤتمر الثقافة العربية فى الفترة من 1 – 3 يوليو الجارى بعنوان يقول “نحو خطاب ثقافى جديد”، ولم يشفع لهذا العنوان أن يكون لاحقا لعنوان أصلى يقول “الثقافة العربية من تحديات الحاضر إلى آفاق المستقبل.”
لم يتضح للكثيرين الفرق بين الخطاب والخطبة والحوار والميثاق، كما لم تتضح ضرورة التفرقة بين ثقافة الصفوة، والثقافة “جماع وعى الناس”.
مثل كثيرين ساورنى قلق من ان تنتهى المسألة إلى “مكلمة” مثل “المكلمات”، لكن قراءة الأسماء المشاركة طمأننى إلى حسن تمثيل الثقافة الصفوة، مع أنها زادت انشغالى على احتمال الافتقار إلى التواصل الحيوى الواقعى مع الثقافة الوعى العام.
عقد المؤتمر على مدى ثلاثة أيام وامتلأ بكل الألم، والرجاء، وحسن النية، والنقد الذاتى والتحذير الوقائي، والتفكير الآمل، ومع ذلك افتقدت فيما حضرت وما قرأت، وبما شاركت، إلى ربط وثيق بين الدافع الحالى لهذا المؤتمر الآن، وبين الجارى فعلا، ثم إنى افتقدت تماما وضوح خطوات عملية وآليات محددة تربط بين الثقافة الصفوة، والثقافة الوعى العام. هذه الوصلة لا تتم إلا من خلال سلطة (وسطوة) الإعلام، والسياسة (الدولة) والمؤسسة الدينية والمؤسسة التعليمية، وبدون ذلك سوف يظل المثقفون الثقاة يعقدون المؤتمرات، ويتبادلون الكلمات، وأوراق العمل ويتحلقون فى دوائر النقاش (دون نقاش، ماذا تفيد خمس دقائق لكل متكلم من الثلاثين فى حلقة “تجديد الخطاب الديني” !!) ثم ينتهى المؤتمر والجميع يتبادلون القبلات والأنخاب (الحلال) وخلاص.
حين قرأت البيان الختامى تساءلت عن الفرق بينه وبين أى بيان آخر. لو أن المؤتمر عقد قبل عام أو بعد عام لما خرج عن التأكيد على وحدة الثقافة العربية، والاستقلال القومي، والتذكرة بمقومات الأمة، والمطالبة بحرية الإبداع وتقدير دور التعليم العام والعمل على إنتاج خطاب دينى متطور وتذكر وحدة الحضارة الانسانية، وحث المثقفين على الخروج من الصمت. (هذه هى معظم فقرات البيان الختامي)
البند “ثامنا” هو الوحيد الذى أثلج صدرى حيث جاء ليساير دعم نشاط جار فعلا، هو ما يسمى “مكتبة الأسرة” يقول هذا البند: “تأمين التمكن من وصول الثقافة إلى المجتمع كله”. إن هذا المهرجان (مهرجان القراءة للجميع) أوقع فى يدى مؤخرا كتاب المرحوم أمين الخولى “المجددون فى الاسلام” (سنة 1967) فوجدت أن ما جاء فيه آنذاك قد تجاوز الحلقة النقاشية فى مؤتمر 2003 عن “تجديد الفكر الديني”. لقد فرق الخولى بين مجرد إعادة التفسير وبين التجديد والتطور، وأيضا كان من الشجاعة بحيث لم يستثن التجديد فى فهم العقيدة والعبادات والمعاملات جميعا، كما راح يؤكد على كيفيه تغير المجدد تبعا لمراحل عمره، وموقع إقامته، ومساحة احتكاكه بعوامل بيئته فى عصره.
ثم إنى دهشت وفرحت حين جاءت تمنيات الوزير (مجلة صباح الخير 8 يوليو) وكأنها نقد للبيان الختامى الذى خلا مما هو جديد. إن إشاره الوزير مثلا إلى الافتقار إلى رؤية بديلة “محددة” لاختراق المجتمع الغربي، ثم التنبيه إلى الحاجة إلى الحوار الأكثر رحابة مع ثقافة الشرق الأقصى وأمريكا اللاتينية، وأيضا التنبيه إلى ضرورة تحديد برنامج محدد بتوقيتات محددة كى ندخل فى الاعلام العالمى كقيمة واقعية. كل ذلك قد غاب عن البيان، ولم يغب عن الوزير، فلعله لا يغيب عن الواقع.
إن من يقرأ البيان الختامى قد يتذكرشطر بيت الشعر القديم “هل غادر الشعراء من متردم”، ومن يقرأ المرحوم أمين الخولى ثم تمنيات الوزير لابد أن يحلم بندوات أصغر، وبرامج أحكم، ومتابعة أكثر انتباها. وملاحظة أكثر تطورا. ومسئولية أحد ألما.
الآن وليس غدا.