نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 2-11-2024
السنة الثامنة عشر
العدد: 6272
ثلاثية المشى على الصراط
رواية: “مدرسة العراة”[1]
الفصل الثالث
نجوى شعبان (1 من 3)
كل شئ يقول إنه مستحيل، أنا لا أملك إلا أن أواصل فى اتجاهه، كلام غريب الأناضولى ينفذ إلى عظامى، غبى مسكين، أنا مثله.
أشفق عليه فى حماسه ومحاولته إقناعى وكأنى أعترض على آرائه، أنا أعلم حقيقة اليأس أكثر منه عشر مرات، أنا خضت التجارب لحما ودما، هو قرأها فى صومعته، اليأس والفشل هما قانوننا الأعظم، حطمت كل شئ لأفضح الواقع، وقررت أن أحاول المستحيل، غريب يثير فىّ رغبة فى الاقتراب منه، ربما لتحديه.
أقول له أحيانا إن إعلان بؤس العالم لا يبرر التسليم له، زوجى ليس له ذنب فيما أحمل فى أعماقى من نار أتصور أنها مقدسة، كثيرا ما قدرت أنها نار جهنم، هى أيضا مقدسة لأنها من عند الله، أراد زوجى أن تـدفئه نارى تلك فأحرقته وانهار البيت بلا إنذار، تركت ابنتى الوحيدة معه بين الأنقاض، هو أولى بها، يرحمها من جريى وراء المطلق المجهول، أغرقت كل مراكبى قبل أن أطرق هذا الباب، لم يعد لى خيار تركت بيتى، وبترت أمومتى، وذهبت أبحث عن أصل وجودى لأعرف على أى أساس أبنى علاقاتى بعد ذلك، أحس أن هذا الطبيب يحبس عنا أشياء يجب أن يقولها.
هو لم يشترك فى قرارى ولكنه يلوّح بإمكانية ركوب البراق، هو مسئول رضى أم لم يرض، سوف ألاحقه مهما هرب وراء أصول الصنعة أو سر المهنة، عليه أن يساعدنى لأحقق ما أريد مما أعرف ومالا أعرف، لو فشلت فهى نهاية العالم، كل شئ يقول ”لا”، كلام غريب ويأسه وصمت عبد السلام وصورة زوجته الست فردوس العروس الحلاوة، غيبوبة كمال، وذهول عبد السميع، تفاؤل إبراهيم العجيب، وتردد الباقين، لا شئ يحاول أن يهدئ من لهيبى، كل ذلك لا يزيدنى إلا اشتعالا، لا أجد فيهم ما يثنينى عن عزمى إذ يؤكد لى أن المستحيل هو مستحيل فعلا، هكذا أجد مبررا لإثبات العكس، تشتعل نارى أكثر، وحتى حين أنجح فى أن أهملها أو أتلهى عنها فإنها تندلع فى أحلامى فتكاد تحرق كل شئ.
= لماذا أنت صامت يا عبد السلام معظم الوقت مع أنى أشعر بشئ يجمعنا.
- أنت تعلمين أنى معك.
= أنت بعيد عنى.
- حملـُــكِ ثقيل ولا أريد أن أخدعك بتهوين الأمر.
= لم أطلب منك أن تهون لى الأمر أو أن تحمله عنى أو حتى معى.
- أعرف ذلك ولكنى أتساءل إلى متى تصبرين عليه وعليهم، طاقة البشر محدودة، وأخشى أن تنكسرى وحدك، حتى أمومتك ضحـَّـيت بها من أجل شئ لا معالم له.
= لن أنكسر أبدا، أنا أعرف نفسى، أنا لم تتحدد معالمى أبدا حتى أخشى عليها من الكسر.
- أنت تزوجت، وأنجبت، وطـلقت، وها أنت تسبحين عكس اتجاه التيار.
= عملتها جميعا بنفس الشجاعة دون ندم.
- لا أعتقد.
= معك حق، ندمى سيكون أكبر لو لم أكمل طريقى.
- هذا طريق ليس له نهاية.
= أعرف ذلك.
- هل تريدين منى شيئا محددا؟
= نعم.
- قولى مباشرة ماذا عندك؟
= فردوس.
- مالها؟
= لم أرتح لها أبدا، لافى الأول وهى كالبلهاء المذعورة، ولا الآن وهى كالطير العاجز المنتشى بوهم الطيران، فى حين أن قدماه تغوصان فى الطين، وهو فى غاية السعادة.
- أعرف….. المسألة أصعب من كل تصور.
= أخشى أن تيأس معها، فأحس بالوحده أكثر.
- لست هنا لأيأس، لا معها، ولا بدونها.
= اليأس يتربص بنا عند كل منحنى من الضعف أو المراجعة، وللعمر اعتباره.
- أنت إنسانة عظيمة.
=… لا تكن غبيا كالآخرين.
- معك حق.
-1-
حين أحسست بحريتى، أطلقت لمشاعرى العنان فانطلق حبى الملتهب يغلف كل علاقة لى حتى بالجماد والموتى، لابد أن أعترف أن شيخنا هذا شئ آخر، أحيانا يبدو لى أنه أبسط من كل تصور، وأحيانا يبدو بعيدا غريبا لا تكاد ترى معالمه، أحيانا يبارك عواطف الضعف حتى أحسب أنه حمامة تضع الحب لصغارها، وأشك فى إمكان تحقيق أى شئ، ولكنه لا يلبث أن يثور كالنمر الهائج وكأن شعلة جنونه تصارع كل شرور تاريخ البشرية جمعيا، بل وحاضرها الساحق، ومستقبلها المظلم فى وقت واحد، أية مهنة هذه التى تفرض على صاحبها صراع الدينصور وركوب البراق فى آن واحد، أقسم أنه يحتاجها لكيانه الشخصى وأنه فى أشد الحاجة لكل هذا الإصرار والتحدى، ربما هذا هو الذى يحافظ على استمراره، أنا أحترمه وأحبه، أحس به بالرغم منه، يحاول أن يخفى شقاءه وراء صياحه وأن يغلف صناعته بتقديس المطلق والحديث عن إيمان جديد قديم، وهو لا يطلب إلا الأمان فى أبسط صورة، أخاف من سلطانه رغم يقينى بأن مبالغتى فى استقبال جبروته هى منى أنا، أحس أحيانا أنى لو سهوت عن نفسى لوجدت روحى ملقاة بين يديه، لا أدرى كيف أستطيع أن أسترجعها منه.
أنا لم أحرق مراكبى وأهدم بيتى لأسلـِّـم روحى لآخر، حتى ولو كان هذا الآخر هو النبى الجديد، لو رضيت بالتسليم لكانت ابنتى وأبيها أوْلى بى، أعذر غريب الأناضولى وهو لا يكف عن هجومه عليه ووصفه بأبشع الصفات، أتعجب لماذا يصر غريب هذا على الحضور، أتمنى أن يستمر فى الحضور، وجوده يطمئننى، أنا فى حاجة لأن أسمع رفضه باستمرار حتى لا أنسى، متى أستطيع أن أمسك خيوطى دون التماس العون من أحد؟ إبراهيم الطيب، هذا الفلاح الحلو..الدنيا بخير، ماشى، تحمل يا إبراهيم مشعلك المتواضع، مثل اللمبة ذات الشريط العارى التى لا يطفئها الريح أبدا..
= ألا يساورك الشك يا إبراهيم فى أن الدنيا بخير.
- يساورنى.
= وماذا تفعل؟
- أتأكد أن الدنيا بخير.
= ألم يحدِّثك غريب؟
-…. حاوَل.
= وماذا فعلت؟
-… لم أجد ما أقوله، كانت مرارة حديثة أصدق وأقسى من أن يخففها فيضان النيل قبل السد، لكنه كف منذ يوم الحادثة، كاد يـُـؤْمن، ثم ملكه رعب شياطين الأرض والسماء.
= عاد أسوأ من الأول.
- خاف حلاوة الإيمان، لا شئ يقضى على الأمل إلا تحقيقه.
= كلامك يجعلنى لا أتعجل تحقيق المستحيل.
- ألفاظك ضخمة، تبعث الشك فى حقيقتها.
= أليس مستحيلا يا إبراهيم؟
- نعم… ولا، حسب موقفك وما تريدين.
= أريد أن أجعله ممكنا، ولهذا أحضر بانتظام.
- ليس كافيا، غريب ذاته مازال يحضر بانتظام.
= أنا لست ”غريبا” يا إبراهيم، وأنت تعلم ذلك.
- أعتقد أنه سيتوقف قريبا، لا قوة فى الأرض تستطيع أن ترغمه على الحضور.
= ولا فى السماء؟
- إلا أن يفقد توازنه دون أن يفقد توازنه.
= ما أبشع رؤيتك، حكمتك، تخيفنى.
-…. قوانين الواقع هى زاد المعاد.
= تصر أن الدنيا بخير.
- ولم لا؟
= ألا تشعر أنك تهرب بهذا التفاؤل الغبى.
- هذا ما يبدو لى أحيانا، أنا لست متفائلا يا نجوى.
= إسمع، لا تربكنى، أنت تعلم أنى أهوى الحيرة، تعفينى من مسئولية التحديد.
- هذه مصيبتك.
= ردك سريع وجاهز، ومع ذلك هو محيـِّر أيضا.
- إسمعى يا نجوى، لا تغترى بشجاعتك وتذكرى دائما أنك تسيرين على الأرض، كل ما عدا ذلك هو الهرب بعينه.
= تسمى تحدياتى هربا، وتفاؤلك ليس هربا.
- قلت لك لست متفائلا بالمعنى الشائع، لكننى مـُـصـِـرٌّ
= الجميع يطمئنون إليك لأنك متفائل، حتى غريب لم يسمح لأحد أن يـْـلـَـمـْـلـِـمـْـه ذلك اليوم إلا أنت.
- كانت بضعة ثوان، ولكنه لم يهدأ إلا حين أحطنا به جميعنا.
= هذا صحيح، ما رأيك فى الدكتور؟
- له شطحاته، أشعر كثيرا أن وحدته أقسى من أى واحد فينا.
=أحيانا أحتار مـَـنْ الذى يعالج الآخر: أنت أم هو.
- هو طبعا.
= بذمتك؟ ألا يكلفك سرا ببعض مهامه؟ يدهشنى منظرك وأنت تدفع الأتعاب كل مرة للممرض مثلنا.
- فضله علىّ لا يمكن إنكاره.
= تبدو أكثر تماسكا منه.
- هو الرائد…. ولابد من احترام شقائه، وألمه،و وحدته.
= أنا أحبه يا إبراهيم، أحيانا أشعر أننى تخطيت حدود ما تسمح به العلاقة المهنية.
- أعرف ذلك، لا حظته، ولم أرفض، ولم أنزعج.
= ماذا أفعل؟
- تعرفين الطريق.
= ليس تماما.
- سوف تعرفينه.
يتركنى إبراهيم فى كل مرة أحادثه فيها وأنا فى جو من الأمان يرعبنى، كيف يمكن أن يكون هذا الإنسان هكذا، أريد أن أعرف عنه أكثر، أريد أن أخترق صفاءه لأرى بحره حين يثور، أريد أن أعوم فى أمواجه ثم أغوص فى أعماقه، ثم قد أعلن مثله أن الدنيا بخير، أو أنه أكبر أبله فى العالم.
****
حين أرجع من هناك، أواجه عالمى الأوسع فى البيت أو فى العمل، أحس أنى أختنق، يعتبرونى فى العمل بائسة أستحق الشفقة بعد طلاقى وحرمانى من ابنتى، ويتهامسون أحيانا وكأنهم يشكـّـون فى عقلى، لا أعدم محاولات اقتراب مشبوهة بوصفى مطلقة حسناء، حاول أحد الوجهاء يوما أن يأخذ منى ميعادا خاصا وقبلت لتوى دون أن أعرف سببا واضحا لهذا السخف، كدت أتراجع بعدها ولكنى أصررت على أن أختبر قدرتى على الرؤية بعيدا عن ما اعتدت، رجل فى منتصف العمر، شديد العناية بالتفاصيل من أول ربطة عنقه حتى لمسات أصابعه وهو يبادلنى التحية، لاأنكر أن شيئا فىّ انجذب إليه، زاد تصميمى على الذهاب حتى أتعرف على ذلك الشئ الذى مازال مختفيا بين طيات نفسى، اكتشفت بلا دهشة أن هذا عالم تـَـرَكــَـتــْـهُ من زمن، ولا أمل فى الرجوع إليه، كنت أتتبع حركاته ومحاولاته للتظرف – رغم أنه كان يبدو ظريفا فى بعض الأحيان، رحت أتعجب من عماه وبلهه، حاولت أن أثنيه من طرف خفى، ولكنه كان يواصل كفاحه الغبى دون توقف، غرباء هؤلاء الناس، حتى زوجى الطيب كان أكثر إحساسا بحقيقة الإنسان وبعض داخله من هذا الأعمى، إذا كانت هذه هى العلاقات المتاحة فلابد من تحقيق المستحيل، يبدو أن الرجال صنفان لا ثالث لهما: واحد طيب غارق فى حسن النية متلهف إلى أمومة سرية، والآخر غبى لا يرى إلا ذاته الذكرية اللامعة يباهى بها فى سذاجة، هذه هى الاختبارات المطروحة يا إبراهيم فما قولك فى حتمية المستحيل؟ إياك أن تقول لى بعد ذلك سيرى على الأرض، ليس على أرضكم سوى ذكر الطاوس أو ذكر النعام، إن الله لم يخلقنا لنتراجع عن إنسانيتنا عند أَوَل تهديد بالوحدة أو بالهجر، حتى أنت تخيفنى أكثر من أى آخر، أكثر من الطبيب نفسه، أخشى أن تتكشف عن إنسان مخدوع لا يعرف ما يقول، سوف أخوض المعركة وحدى حتى أتحدى يأس غريب وتفاؤلك معا، أنا مع غريب أكتفى بأن ألقى فى وجهه – بصدق ما – كلمات الحب بين الحين والحين لأتمتع فى خبث سافل بخلجات وجهه المرتعدة تترجم عن رعبه المروع، أخشى أن يخطئ مرة فيقبل أحد عروض ودى فجأة، ساعتها سوف ينتقل الرعب إلىّ، لو أنى سمحت لأحد بالاقتراب فليس أمامى إلا تكرار الخيبة، أتمتع الآن بالعلاقات على مسافة، ما زالت جروحى تدمى ويعاودنى الندم على ما فعلته فى زوجى الطيب وابنتى الطاهرة، أين أنت يا حبيبتى، أخشى الانتقام من فعلتى وأحاول أن أكفر عن ذنبى بالاقتراب من بسمة وكأنها أنتِ، هل أستطيع أن أساعدها؟،
= لماذا كل هذا الحزن يا بسمة؟
- لست حزينة، رأيت أكثر من احتمالى،
= أنت رقيقة، لماذا سبقتِ سنك الغض، هلا اكتفيت بذلك ومضيت تسعدين بشبابك.
- لا تقولى ذلك وأنت خير من يعلم أنه كذب.
= أشفق عليك بصدق.
- لن أكرر مأساتك أو مأساة فردوس هانم، أنت لا تعرفين أن ما هربت منه هو البضاعة الحاضرة فى سوق العلاقات.
= هذا كلام عجوز يا حبيبتى.
- وغير ذلك كذب لا يقنع حتى الأطفال.
= الحكمة قبل أوانها تـفقد الحياة بهجتها.
- لا حكمة فى تسمية الأشياء بأسمائها.
= وسهر الليالى، وسحر الخداع، ونبض الحنان؟
- لا شئ يجمـِّـل الكذب إلا كذبٌ أنعم.
= “بدري” عليك يا حبيبتى.
- لا مجال لمراعاة فروق التوقيت.
……
هل يا ترى يا ابنتى - يا من تركتك دون أن أستأذنك – حين تكبرين سوف ترين ما رأته بسمة هكذا مبكرا، هل سوف تكونين وحدك أم سوف تجدينى بجوارك لو نجحت فى تحقيق هذا المستحيل، ساعتها أستطيع أن أخفف عنك، ربما، سوف أنقذك من الاستسلام الميت، ومن اليأس المر، ومن الخداع الأعمى، تركتك وتركت أباك من أجلك، حين أكمل الطريق سألقاك، أنا أنتظرك، سوف تحضرين إلىّ وحدك، أنا واثقة أن بك شعلة من وجودى، أو حتى شعرة من جنونى، لن تتحملى المضى بها طويلا تحت الرماد، قولى عنى ما شئت الآن ولكنى لن أكف عن الصراع من أجلك، ومن أجل بسمة، ومن أجل كل البنات الزهور حتى لا تذبل قبل أن تتفتح.
……
- أريد أن أحدثك فى كلمتين يا نجوى.
= خيرا يا فردوس.
- لا، على انفراد.
= سر يعنى؟
- تقريبا، أخشى أن تردِّينى خائبة.
= ما هذا يا فردوس؟
- خرج الآخرون وأستطيع أن أقول لك الآن.
= خيرا.
- أنت جميلة كالقمر.
= شكرا، ولكننا نتعلم هنا أشياء أخرى.
- وأعرف أنك معجبة بجمالك.
= ليس تماما.
- أنا أعرف أننا هنا، نتطور أليس كذلك؟،
= نتــ… ماذا؟
- نتطور، أى نصبح أحرارا، أليس كذلك؟
= تنطقين بهذه الألفاظ الرنانة يا فردوس وكأنك تتحدثين عن المقادير اللازمة لطبق اليوم.
- لماذا لا تصدقونى وأنا فى غاية السعادة بفضل علاجكم، وإصرار زوجى على إحيائى.
= ماذا تقولين يا فردوس بالله عليك؟ ما هذا الكلام؟
- يـُـخرج الحى من الميت.
= هل تدركين معنى ذلك يا فردوس.
- هو الذى يقول، وأنا أحفظ وأردد، هذا أكثر راحة، استسلمت.
= أنت تظلمين نفسك.
- كنت زمانا كذلك، كم ضيعت وقتى فى المطبخ ومع العيال، أما الآن بعد مسألة التطور هذه، لم أعد أظلم نفسى، ولا غيرى، إسأليه حتى، الفضل يرجع له، عبد السلام يجعلنى أضئ فى الظلام مثل الساعات الفسفورية.
= قلبى يتقطع عليك، وأخشى أن أصدمك،
- لا تكونى مثله، ماذا تريدون أكثر من ذلك،
= عبد السلام يحبك لو أنه يرفض هذا السهل الجاهز.
- سهل ماذا؟ وجاهز أين؟ أنتم تحبون الكلام، بينى وبينك، يبدو أنه يفرح بتطورى فى الليل، ويرفضه فى النهار.
= أخشى ذلك.
- ولم تخشينه؟ كله مصلحة.
= وأنتِ؟
- أنا مالى؟ كفى الله الشر.
= فى رأيى أنك كنت أفضل قبل هذا التحول المفاجئ، كنت أحس بترددك وحيرتك ورفضك، كانت عيناك لا تغيبان عن بسمة فى أمومة محيطة،
- لا داعى للهم والفكر، ما دام الدكتور وعبد السلام يعرفان الطريق، فسوف يساعدان بسمة كما ساعدانى حتى ينقلب كيانها، وتنسى الهم إلى الأبد.
=….
- أَخـَـذَنـَـا الكلام يا نجوى، أنت حلوة كالقمر، وخسارة شبابك فى كل هذا الفكر.
= ماذا تريدين قوله؟
- زوجك الأول قليل البخت ولم يعرف كيف يحافظ عليك.
=كان رجلا طيبا ولا لوم عليه، الذنب ذنبى.
- عندى عريس.
=…… نعم؟ نعم؟
- عريس كله شباب وصحة، وحالته مستورة وقد حدثته عنك كثيرا، ماذا قلت؟،
= فردوس…. يبدو أنك لست معنا أصلا، فردوس، حاولى أن تفهمى ما يجرى.
- حاولت فى الأول حتى تعبت، ثم سلـَّـمت أمرى.
= سلمته لمن
– سلمتـِـهِ لكم ولعبد السلام.
= ربما هذا هو سبب ما أنت فيه الآن.
- أنا فى ماذا؟
= أبدا، ولكن لا بد أن تعيدى النظر.
- أنا أفكر كما تريدون، لا تنسَ أنى أحمل ليسانسا فى التاريخ، أنا لست جاهلة.
= ياليتك تستعملين فكرك بضع دقائق بطريقة أخرى.
- أنا مستعدة، قولى لى أفكر فى ماذا، لماذا؟
= فى الناس، فىّ، فى سبب طلاقى.
- أنت أدرى بهذا كله، قولى لى إذا شئت لـِـمَ طـُـلـِّـقت؟
= لأبحث عن المستحيل.
- اسم الله عليك وعلى حواليك، لقد حفظت هنا كلمات كثيرة مثل التطور والحرية، وها أنت تضيفين إلى القاموس كلمة أصعب، ما هى حكاية المستحيل هذه؟
= أن نعيش كما خلقنا الله.
– اسم النبى حارسك وضامنك، أنت امرأة مثلى وشبابك خسارة، دعى هذا الكلام الصعب للرجال.
= فردوس.
- نعم.
= الله يسامحك.
****
ونواصل الأسبوع القادم استكمال الفصل الثالث “نجوى شعبان”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى: رواية “مدرسة العراة” الجزء الثانى من “ثلاثية المشى على الصراط” الرواية الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1980 (الطبعة الأولى 1977، الطبعة الثانية 2005، الطبعة الثالثة 2019) والرواية متاحة فى مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى للصحة النفسية وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية – المقطم – القاهرة.