نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 5-10-2024
السنة الثامنة عشر
العدد: 6244
ثلاثية المشى على الصراط
رواية: “مدرسة العراة” [1]
الفصل الأول
فردوس الطبلاوى (3 من 3)
……………………..
……………………..
- 6 -
خيبت ظنى يا رجل رغم أنى صادقة فى كل مخاوفى، أمـلت أن تخاف أكثر لأستردك ونعود لبيتنا، عينى عليك يا بسمة ياقطعة من قلبى، كيف ستتزوجين لو أحببت كل الناس مثلما يقولون؟ كيف ستجدين من يتحمل رؤية كل ما رأيت؟ بدرى عليك يا ابنتى، وأنت يا ملكة ياابنة مناع، كم أحسدك على هذا الهدوء وهذه الثقة، أنا التى أهرب وأراوغ، أتذكر مرة وأنسى عشرة لا أستطيع أن أطفئ ما بداخلى إذا ما تحرك، فمالك لا تتحرك فيك شعرة خوف، وغالى لا يكاد يرى إلا معك، من خلالك، تجلسين فى هدوء ثم تخرجينه من بين ثنايا صدرك وتضعينه على الكرسى، فيتحمس ويقول ويعيد وأنت لا تتحركين لأنك فى النهاية تضعينه فى مكانه بين ثنايا صدرك، اطمئنانك عليه يفوق طاقة احتمالى، ومجال خيالى، ياليتنى مثلك، إذن ما قاومت المجئ هنا أبدا، سوف أتعلم منك هذا الجمود العظيم الذى تسمينه ثقة، سوف أتعلم من غريب الفرجة من بعيد، بعدها أستطيع أن أنتظر قرنا من الزمان، كل شئ ينتهى إذا انتظرنا بدرجة كافية.
أحلامى تقول غير هذا.
لا أستطيع الصبر، متى أستطيع التوقف عن التفكير فى كل ما يجرى؟ هل أترك الأمور تسير كما يريدون؟ هل يعرفون ما يريدون؟ هل أحاول أن أعرف أنا؟ هل ألعب الدور بنفسى بدلا من هذا الخوف الذى يتضاعف بالانتظار؟ يبدو أنه انتظار بلا نهاية.
أنا أخاف من هذا الرجل، إذا تركت نفسى الـْـتـَـهـَـمـَـنـِى دون ضمان، أتبعثر بلا معالم.
عبد السلام مصر على الاستمرار، وأنا فشلت فى الصبر وفى الفرجة، الحوائط تقترب حتى لا تترك لى إلا هذه الفتحة التى يتسرب منها نور غامض لا أعرف ماذا يضئ، لم أعـد أستطيع الفكاك؟ ماذا أستطيع أن أفعل؟ ماذا نستطيع أن نفعل؟
فى الأول كنت أشفق عليك يا بسمة، الآن، أنا أطلب منك العون كأنى صديقتك الصغرى، أليس هذا هو الجنون ذاته؟
لا أكاد أذكر “كيف” ولكن الآمال عادت إلى الظهور وكأنها لم تمت أبدا، أنا لا أجرؤ على مواجهتها، كيف تغروننى أيها المجانين أن أبدأ من جديد؟ أن آمل من جديد؟ كان الشباب أقوى، والعالم أرحب ومع ذلك لم نفعل شيئا، ثم آتى بعد هذه السن لأحاول من جديد؟ إلحقينى يابسمة، إعمليها أنت بدلا منى إن كنت شاطرة.
دعونى لأولادى وبيتى، صرت أشك أنى أستطيع الرجوع الآن إلى عشى الدافئ المحاط بالخدر والنسيان، بدأت أسمع فيه حفيفا ما، وأخشى أن يكون دبيب الهوام.
إبراهيم الطيب، ملامحه تبعث الطمأنينه فى كـلىِّ، أنتهز الفرصة، أريد أن أعرف حقيقة مشاعرى نحوه، وربما أحـَـسَّ عبد السلام بالتهديد.
= إبراهيم.
- نعم.
= أنا خائفة.
- طبعا.
= هل تعرف ماذا يجرى هنا؟
- نعم.
= إبراهيم، لا تبد واثقا هكذا وإلا حسبتك مثل ملكة مناع.
- هذا طريق أعرفه.
= من أين عرفته؟
- من داخلى.
= يا بختك.
- لا بخت ولا يحزنون.
= إذا كان داخلك بهذا الوضوح، لماذا أنت هنا؟
- الوحدة صعبة، لست إلـها.
= هل ستبقى هنا إلى الأبد؟
- حتى أكسرها، أو أكف عن الخوف منها، أو الاحتماء بها.
= كلامك صعب، ولكنه على أى حال ساعدنى على خوفى.
- لا تخافى من خوفك.
= يعنى أخاف؟
- طبعا.
= إن الأمر يخصك يا إبراهيم.
- لا يخصنى وحدى.
= وكيف عرفت؟
- وصلنى.
= أنا أحبك،
- وأنا أيضا.
= يا نهار أسود.
- ليس أسود من قلوب الحقد.
= أنا أحبك بكل ما يترتب على ذلك.
- وزوجك؟
= أحيانا أحبه هنا: وأشاجره بقية الأسبوع.
- أحس أن حبك له “هنا” مثل حبك لى؟
=… تقريبا، ولكن ماذا تريد أن تقول.
- لماذا الخوف إذن؟
= أكاد لا أفهمك.
- بل تفهمينى أكثر من تصورك.
= حرام هذا كله.
- الكذب هو الحرام الأوحد.
ضاقت الحلقة ولا مفر من المواجهة.
- 7 -
= ماذا تريد منى يا عبد السلام.
- أريدك معنا، معى.
= ولكنى كنت معك فرفضت، وركبـنا العجز.
- لم نكن معا أبدا، لم يكن هناك سوانا، أنت وأنا، هذا ليس “معنا”.
= لا أفهم كلمة مَعَنَا هذه التى تصر على ترديدها هل سنأخذهم “معنا” إلى البيت؟
- لا أعنى هؤلاء الناس بالذات، ولكن كل الناس، أى ناس.
= هذا صعب يا عبد السلام، أنا أنهكت وعجزت حيلتى.
- هذا هو الطريق.
= الإنهاك والضياع؟
-… مازال العمر طويلا.
= هذا تخريف، نحن نقضيها أياما.
- فلتكن أياما مليئة بالحياة، أنا أنتظرك يا فردوس.
= كنت أحبك طول الوقت، حتى وأنت فى الأزمة.
- أعرف ذلك، لا أشكرك، عيب، كان حبا عمره الافتراضى قصير، مع أنه حقيقى.
= ربما تـَـوَلـَّـدَ فىّ ما أخاف منه، تريدنى أن أجن مثلك حتى تصدق أنى أحبك.
- مازلت ألمح الحياة فيك بكل نبضها.
= كلام غير مفهوم، ولكنه يكاد يطرحنى أرضا.
- أرى فى داخلك بسمة ما زالت حية ترزق، فردوس، أنا، ابراهيم، الله، كل الناس.
= هذا كلام كبير، أكبر من احتمالى.
- هو الصدق نفسه.
= أعماقى تهتز، أشعر بالدوار.
………………
………………
****
فى تلك الليلة، حين حاولت الاستسلام كالعادة، اشتعل بى شئ آخر، ليست شعلة، شعور يقظ يتحفز، نشوة تغمر كل كيانى، بعثت فىّ الحياة حتى أحسست بها فى أظافر قدمى، لا يمكن أن أصف ما أنا به ولا أعتقد أنه وُصِـفَ عبر التاريخ، عقلى، عقلى نام يقظا، لم يتخاصم مع جسمى هذه المرة، كالمأخوذة فى وعى كامل، أصعد قمة مجهولة، فى سهولة ويسر، أعضاء جديدة تنبت فى أحشائى، تتمطى مثل المارد الخارج من قمقم، تتجول فى خباياى جميعا، كائنات منقرضة تصحو وتقفز من المحيط إلى الأرض إلى عنان السماء، رقصت كل جوانحى رغم أن الخوف لم يتركنى، كان عبد السلام، طيبا مختلفا، أنا امرأة، رجل، الكون كله، أنا لا شئ، أو كل شئ هذه المرة، أول مرة، لم أعد أحتمل، لم أعد أحتمل، “إلحقنى يا عبد السلام، هذه المرة…. المشاعر أكبر منى، ماذا فعلتم بى، شكرا….. عليكم اللعنة، دخلتها بالرغم منى، دخلتها بالرغم منى… داخلى…. داخلك..”.
لم يعد المجهول مجهولا، ولا هو فى حاجة الآن لأن يكون معلوما، حسرة على الأيام الأخرى، أنا ملك يمينك يا عبد السلام منذ اليوم..أنت داخلى…. وأنا فيك…. الحمد لله…. الله حلو، وأنا حلوة، وأنت…. فليعش الكل، تحيا الحرية…. الله أكبر.
- 8 -
بالرغم من كل شئ فأنا ما زلت أعيش نشوتى معظم الوقت، أرقص وأنا أمشى، أغنى وأنا أتكلم، أريد أن أذهب إلى كل الناس أحكى لهم عن معنى الحياة وفضل الأطباء الذين هم ليسوا أطباء، فضلهم على البشر والجنس، لا يكدرنى إلا التغيـر الذى طرأ على عبد السلام، لماذا لا يتقبل فرحتى هذه، أليس هذا ما كان يسعى إليه؟ حين كنت عجوزا يائسة كان هو فى إصراره لا يـُـجـَـارى، يقاوم عنادى ولا ييأس أبدا، وحين أصبحت طفلة سعيدة تغمرنى النشوة بلا حدود تراجع عن ثباته واهتز وتشكك، أنا لا أفهم شيئا من كل هذا، سيدى ومولاى وحبى، ماذا أفعل لك ردا لجميك، أريد أن أسعدك كما أعطيتنى فرصة هذه السعادة، أنا المريدة وأنت شيخى، أنت أخذت العهد على شيخك الطيب، عهدى أن أسعدك بلا تفكير أو هم، فما هو عهدك بالله عليك، لماذا هذا الشك والخوف والتردد.
= أليس هذا هو نهاية المطاف يا عبد السلام؟
- بل ربما بدايته، إن استطعنا،
= لست أفهم ما تعنى.
- قلبى غير مطمئن.
= أما أنا، فأسبح فى بحر الطمأنينة دون حركة ذراع.
- لا بد أن نكمل.
= شاطئ الأمان لا تلطمه الأمواج، هل هناك بعد هذه النشوة شئ نكمله؟
- أخاف أن نكتشف أنها بركة آسنة، لا أشعر فيها بحركة موج أو هزة شراع.
= فأل الله ولا فألك، متى تستغنى عن قلقك الأزلى.
- هناك خطأ ما،
= هل بضاعتى مغشوشة؟ هل أنا ما زلت أعيش النشوة الدائمة.
- قلبى ليس مطمئنا، وأحلامى تؤكد خوفى.
= عارف بالله أنت؟ هذا الوسواس لا يتركك.
- عارف بنفسى، وبالدنيا المؤلمة.
= تعالى نسعد بلا حسابات.
- يخيل إلى أنى عاجز عن ذلك، لا أتقن هذه اللعبة.
= ماذا هناك بعد ذلك، يكفينا هذا ولنبدأ معا فى بيتنا دون تدخل الآخرين.
- هذا هو الخطر بعينه.
= لا أميل إلى الذهاب ثانية.
- لا أحب أن أخدع نفسى.
= إذهب أنت وسأنتظرك دائما لأجعل من بيتنا الجنة بعينها.
- فى الأمر خطأ ما، لا بد من الاستمرار حتى نراه، وربما أمكن أن نصلحه.
= أنا لا أرى هذا الخطأ، ولا أجد مبررا للذهاب بعد ما حدث، ثم إنى خجلة من مشاعرى، أخشى حين أهم بالكلام أن آخذ الجميع بالأحضان، بل أكثر من الأحضان.
-لا عليك، لابد أن نعيش الخبرة حتى أعمق أعماقها.
= لا تعقد علينا الحياة الله يستر عرضك، ليس هناك أعماق أعمق مما كان.
- ما أسهل حلولك.
= ما أصعب وساوسك.
هذا هو عيبه، يخاف السعادة ولا يتمتع بالنعمة، لا يزال مصرا على الذهاب إلى العلاج، علاج من ماذا بعد كل هذا؟ ومع ذلك فسوف أذهب معه، وليغمر الجميع طوفان النشوة.
- 9 -
لماذا الرفض بعد ما تغيرت هكذا، أخشى أن ينطفئ ما بى نتيجة لإصرارهم على الشك فىّ، عبد السلام يكاد ينكر ما بى الآن، وشيخه وبعض رفقته، ينظرون إلى أحيانا كأنى سارقة مع أنى أعلن سعادتى فى وضح النهار، هل علىّ أن أدعى الشقاء حتى يصدقونى، حين كنت ست البيت العاقلة جرجرونى إلى هناك بأمر الطبيب، وحين شفيت، لم يهنئونى بالسلامة، لكن مم شفيت؟ هل كنت مريضة؟ أنا لم أكن مريضة ولكنى شفيت على كل حال، الوحيدة التى شاركتنى فرحتى هى بسمة الحلوة ابنتى الجميلة الغالية، حسرة عليها، ومع ذلك شاركتنى ما بى، أيضا: وإبراهيم الطيب، هو فرحان بى أيضا، مختار لطفى ينظر إلىّ بنهم لكنى لا أهتم، موقف الطبيب يشبه موقف عبد السلام، دعينا منهم يا بسمة يا ابنتى يا حبيبتى وتعالى نرقص رقصة الفرخ الطائر، أريد أن آخذك معى نتعرى على شاطئ بحيرة، نصفق بأجنحتنا مع الأوز، نطير فى سمائها كالنوارس، ثم نعود إلى شاطئها، أقف أنا على كتف عبد السلام، ثم أطويه تحت جناحى، وسوف تجدين أنت أيضا من تفعلين معه ذلك، وأجمل منه، مهما رفضتم ما بى فسوف أظل أسبح فى هذه البحيرة الآمنة، هذا حقى مقابل ألمى طوال السنين، ليس من الضرورى أن أصارع الأمواج حتى أتعلم العوم، أنا أرفض رفضكم، ليس من حق أحد أن يعكر علىّ حياتى بعد ما استسلمت لفرحتى، لجسدى، وخلاص.
****
-.. من يضمن الاستمرار يا فردوس ونحن ما زلنا على الأرض؟
= لا حاجة للضمان، ألا تقولون أن الآن هو “الأبد”.
-..أنت تستعملين ذلك للراحة والتوقف.
= تفسيراتك تشوِّه كل شئ.
- والناس؟ الناس يا فردوس؟
= إياك أن تستعمل حكاية الناس هذه لتبرر هربك الأزلى من السعادة، ما للناس؟ الطريق معروف ومن أراد أن يسعد، فليسعد.
- نسيت يا فردوس.
= أنا لم أنس شيئا، أنا لم أتذكر حتى أنسى، وحتى لو، فلابد للإنسان أن ينسى، ما فائدة التذكرة بالألم مادمت قد دفعت نصيبى منه، ثم استلمت المقابل.
-لا أنكر عليك ما بك، ولكن لابد لـِـلـَّـحـْـم من عظام حتى يصبح كائنا، له معالم.
= نعم، ولكن هناك من الكائنات الحية ما لا عظام لها.
- عمرها قصير.
= أحسن، ماذا تريد منى؟
- أين أنتِ؟ أكاد لا أرى داخلك، كأنه انقلب إلى الخارج جميعه فلم يعد هناك جوهر داخلى، ليس للإنسان كيان إلا بالحفاظ على أعماقه.
= أكاد لا أفهم كلامك مثل زمان.
- هكذا؟ ، على أى حال: عدم فهمك أقرب إلى من حلـك السهل.
= ماذا تريد أن تقول؟
- أحاول أن أكون صادقا.
= إبراهيم الطيب صادق أيضا ولكنى أحس أنه يقبلنى هكذا، ومختار لطفى يريدنى ويشتهينى، هكذا تقول نظراته طول الوقت، وبسمة سعيدة بى.
- ليس تماما.
= ما هذا الذى هو ليس تماما؟ هذه شكوكك، تريدنى كما تحب، وفى الحدود التى ترسمها أنت.
- أعيد النظر فى أشياء كثيرة.
= لا تقلق، فما زلت أنت حبى وسيدى.
- بهذا تتحقق مخاوفى أكثر.
= كيف أثبت لك أنى حية؟ وسعيدة؟
- لو كنت كذلك، لا طمأننت بصحبتك إلى ما لا نهاية….. ولكن..
= جـَـرِّب، هأنذا.
- لا يمكن الاطمئنان إلى إنسان بلا أعماق.
= أمرك عجيب يا أخى، من أين أشترى لى أعماقا حتى أعجبك؟
- إبحثى عن السؤال الذى ليس له جواب، وستجدينه فى أعماقك، ولن تنسين الناس.
= سعادتى أجابت على كل الأسئلة فى لحظة.
- هذه مصيبة المصائب، “فى لحظة”!!! حكاية “فى لحظة” هذه ترعبنى
= إذا كان الأمر هكذا مصيبة كما تقول، فالبركة فيك وفى صاحبك.
- لم تتحملى الحمل والولادة، لا توجد ولادة سليمة دون شهور حمل.
= عندى ثلاثة، وأنا رابعتهم.
- ياليتك عرفت كيف يولد الإنسان من جديد، كيف يلد نفسه مرة ومرات فى هذا العالم الطاحن المطحون، كيف تطول سنين الحمل لسنوات وليس لشهور.
= ماذا تريد الآن؟
- نبدأ كل يوم من جديد.
=…. سورة هى لن تنتهى!!؟
-…. ينبغى ألا ننساهم أبدا.
= من؟
- الناس.
= هذا هو النكد بعينه.
- لاضمان للاستمرار إلا بهم.
= نعتمد عليهم؟ نهرب من أنفسنا فيهم؟ ألم تحذرنى من ذلك طول الوقت.
- بل يختبروننا ونختبرهم، لا مفر من المشاركة طول الوقت.
= لماذا لا تشاركنى إذن؟ ألستُ ناسا؟ لماذا أعتبرك أنا ناسى وأحاول أن أشاركك.
- أنا أحد الناس، لست بديلا عن الناس.
= إبحث فى خوفك من الحياة ولا تستعمل ألفاظا كبيرة، أليس هذا بعض ما علــمتونى إياه؟
- لا أنكر خوفى، ولكنى أعرف ما وراء اختزال الألم.
= كفانى ألما.
- لا تنزعجى منه فداخل أعمق نبضة فيه، ستجدين الحياة.
= سأحاول بطريقتى.
- ياليت.
-10 -
أخرجتُ شهادة الليسانس من بين أكوام الخزين، عدت إلى العمل مدرسة إعدادى، لم يعد أمامى اختيار، التراجع صعب، والتوقف مستحيل، الحلقة تضيق أواصل طريقى بنفسى، لا أتنكـَّر لفضله فى ذلك، لكنه طريقى أنا، أقرأ التاريخ بطعم آخر، أبحث عن تجربة مماثلة، تتراءى أمامى ملامحها فى فجر كل ثورة، ولكنها تختفى سريعا حتى أيأس مما نحن فيه، انزعج عبد السلام فى أول الأمر من استقلالى ولكننا نتقارب بشكل أهدأ، وإن كان أبطأ.
أتساءل: هل كتب علينا أن نكرر نفس الخطوات: اليأس: الأمل: المحاولة: النجاح: اليأس: الأمل: المحاولة:…. وإلى متى؟ لا أحتمل طول التساؤل فى أغلب الأحيان، ولا أستطيع النسيان.
لا يخفف الصعب إلا استحالة البديل.
****
ونبدا الأسبوع القادم تقديم الفصل الثانى “غريب الأناضولى”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى: رواية “مدرسة العراة” الجزء الثانى من “ثلاثية المشى على الصراط” الرواية الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1980 (الطبعة الأولى 1977، الطبعة الثانية 2005، الطبعة الثالثة 2019) والرواية متاحة فى مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى للصحة النفسية وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية – المقطم – القاهرة.