نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 3-8-2024
السنة السابعة عشر
العدد: 6181
(ثلاثية المشى على الصراط)
رواية “الواقعة” [1]
الفصل السابع:
“وبالناس المسرة” (3)
……………………
……………………
ذهبت إلى المكتب فى اليوم التالى بعد انتهاء الإجازة العارضة وما زالت الراحة تملؤ وجدانى رغم أن فكرى لم يكف عن المناورة، استقبلنى الأستاذ نصحى بالترحاب حتى بدا الشوق فى عينيه، جزعت من هذا الاستقبال الحار إذ لم يعد عندى أى رغبة أو قدرة على مواصلة الحديث معه بأى صورة ولا لأى هدف.
اعتذرت له عن استدراجى للكلام بانشغالى بمرض أمى فلم يرتدع، ادعيت أن صاحبه نصحنى بأن أكف عن الكلام والتحليل والتفسير بعيداعن العيادة، نزل عليه هذا التحذير كالصاعقة إذ يبدو أنى كنت بالنسبة له “لقطة” يمارس فىّ هواياته الخاصة، بدا الشك فى عينيه وكاد يرفض، إلا أنه رضخ أخيرا بحماس كاذب.
- هذا هو الصواب بعينه وهو يدل على أنك وصلت إلى مرحلة متقدمة من العلاج،
- الحمد لله، كله من فضله.
- من فضل من؟.
خطر لى خاطر أن أتمادى معه هذه المرة بطريقة أخرى وكأنى ألعب، وكأنها تحية أهديها لعم محفوظ، قلت:
- من فضل الله.
حاول أن يخفى انزعاجه أو خيبة أمله فىّ، ولكنه لم يستطع الصمت فرد قائلا:
- هذه ألفاظ تعودنا عليها ومن الصعب التخلص منها، معك عذرك.
أعجبتنى اللعبة حتى رحت أبحث عن ذلك الجزء الذى زعم عم محفوظ أنه رآه فىّ بالرغم منى لعله يساعدنى فى إكمال الدور، قلت فى خبث:
- عذرى؟ عن آية ألفاظ تتحدث، .. يا نصحى افندى .
- فضل الله، .. الحمد لله…!!! كله من فضل العلم والمعرفة .
نسيت نفسى وقررت ألا أكف عن إغاظته جزاءا وفاقا لما مارس فىّ من “تحليل” تحملته طوال هذه المدة، قلت متحديا بلا اقتناع:
- طبعا، .. ولكن العلم والمعرفة من فضل الله.
قال فى انزعاج أكبر:
- أنت تمزح، ما هكذا يقول التحليل، ألم تناقش هذا الموضوع مع الاستاذ المحلل.
خشيت أن يستدرجنى إلى لغة التحليل مرة ثانية، فكرت فى الانسحاب، ولكنى كنت قد استغرقت فى اللعبة فاستدرجته أنا:
- لماذا تنزعج من ذكر الله هكذا يا أستاذ نصحى.
- هذه أوهام نضحك بها على أنفسنا حين لا نعرف أنفسنا.
- وماذا يمنع أن نعرف أنفسنا ونعرف الله معا؟
قال وكأنه يخطب:
- هذه خدعة التسليم للخرافة، هذا جهل لا يتناسب مع العصر.
زادت رغبتى فى إشعال حماسه الخائف فقلت بلا تفكير وكأنى أكمل كلامه فى سخرية لا تخفى:
- والعصر، إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا، …
كاد يفقد وعيه، أحسست فى عينيه بالقاتل يطل فى إصرار حتى اختفت رقته الدمثة، وعجبت من حاله لأنى أراه لأول مرة بهذا الرعب والتشنج رغم تظاهره بالمعرفة العلمية التى تفسر له كل الأشياء، قال يحاول أن يلغى كل ما سمعه وأن يدارى خيبة أمله فى فى نفس الوقت.
- أنت تمزح.
انسحبت فى اللحظة المناسبة وإن لم تخل لهجتى من سخرية لم يلحظها.
- طبعا.
انصرف عنى فى أسف علىّ، وربما اختلط أسفه بشىء من الاحتقار لم يخففه زعمى أو اعترافى بأنى أمزح، تبدو أن خسارته فىّ كمجال لممارسة هوايته كادت تخل بتوازنه.
عدت إلى عملى وأنا أتساءل هل كان ردى عليه مجرد لعبة ورغبة فى إغاظته أم أنه خرج من ذلك الجزء الخفى الذى يزعم عم محفوظ أنه أنا، هل أنا مؤمن رغم أنفى..
أقبلت على عملى فى هدوء وثقة لم أعهدهما فى نفسى منذ زمن طويل.
ترى إلى متى يستمر هذا الحال؟.
***
اقترب منى أسعد افندى كميل دون مناسبة فقطع على استغراقى فى العمل وسكونى الداخلى معا، .. ومع ذلك أحسست برغبة فى، أو قدرة على الحديث معه.
- أستاذ عبد السلام: سعيدة،
- صباح الفل.
- أنا ألاحظ علاقتك بالأستاذ نصحى منذ فترة وأحب أن أحدثك على انفراد.
- فى ماذا يا كميل افندى؟.
- أنا أعرف نصحى أكثر منك، .. وقد مر بظروف لا تعرفها.
ترددت فى السماح ولم أعلن الرفض صراحة لكنه التقطه ومع ذلك لم يردعه ذلك، استمر فى إصراره وهو يتلفت ليتأكد أن أحدا لا يسمعنا أكمل هامسا:
- هو رجل ملحد أفسدته عقده النفسية وقد سمعت طرفا من حديثكما منذ قليل، وأعجبت بقوة إيمانك.
- قوة إيمانى .! أنا.
- لابد أن نحارب الملحدين فى كل مكان.
- نحارب مـَـنْ يا أسعد افندى، .. ماذا تقول؟
- الملحدين، ..
- وكيف نعرفهم حتى نحاربهم؟ كيف نميزهم يا أسعد افندى؟
قلتها وكأنى خائف على نفسى، تعجب أسعد افندى من سؤالى وظهرت فى عينيه رغبة وعظية أكيدة أثارت فى نفسى الظنون والحذر، قال فى لهجة لا تخلو من استغراب:
- الملحد هو الملحد، .. يا أخى عجايب عليك.
الوقاية واجبة ضد الوعظ والإرشاد بالرغم من كل شى ء فأنا لم أحدد موقفى النهائى، كنت دائما أخاف من التسليم للإلحاد خوفى من الإيمان، قررت أن أنهى الموقف بسرعة خشية أن ينتهى بتصنيفى قبل الأوان، قلت فى بله فاتر:
- الملحد هو الذى لا يؤمن بالله أليس كذلك.
قال فى سعادة وكأنى أفتيت فى معضلة جديدة يبدو أنه استعاد ثقته بى.
- طبعا كل شرور هذه الأرض هى نتيجة لغضب الله علينا.
من أين ظهر لى فجأة هذا الواعظ فى هذا الوقت بالذات لقد رأى عم محفوظ شيئا فى داخلى لا أعرفه وقبل أن أتحسس طريقى إليه قفز لى هذا الخطيب المتحمس، لماذا لا يدعنى لفرصتى الجديدة؟ هل كتب على أن يعالجنى أو يهدينى كل هواة العالم؟ هذا التفكير يأبى أن يتركنى وكأنه يخاف أن أستسلم لسكينتى المتسحبة.
- وما العمل يا أسعد أفندى؟.
- الرجوع إلى الله، ..
ما أسهل الكلام وما أخفى الطريق سألته السؤال الخالد باهتمام بارد رغم مخاوف الجدل:
- كيف؟.
قال كأنه وجد ضالته:
- أنا أدعوك لزيادة دير فى الصحراء أتردد عليه عند الشدائد، وسوف تجد فيه الهدوء والمعرفة معا.
قلت وأنا أتذكر حارة عم محفوظ المظلمة ورائحة بيته الرطبة:
- فى الصحراء.
- نعم فى الصحراء.
- ولماذا فى الصحراء.
- هناك حيث الطبيعة صامتة قوية تظهر الحقائق، ويتوارى الشك هناك حين يختلط الأزرق بالأصفر تهبط رحمة الرب على الأرض، فتغمرك بلا حساب.
ابتسمت دون شفقة، حاولت أن أفهمه وجهة نظرى ومخاوفى من أننى سوف أرجع إلى الطين والتراب والأتوبيسات والمكتب حيث يختلط الأسود والأبيض ليخرج منه هذا البخار المغبــر الرمادى الثقيل الأملس فيجثم فوق صدرى بلا حل، أحسست أننى أبتعد عنه، أو أنه لا يسمعنى، ندمت على أنى تماديت معه فى الحديث، ومع ذلك حفزنى حب الاستطلاع ورغبتى فى تأكدى من مزاعم عم محفوظ أو نفيها بأسرع ما يمكن أن أغريه بالمضى فى وعظه وإرشاده، مع أن خوفا انتحاريا كان يدفعنى للهرب من الراحة واليقين، من أى مصدر كان، استمر أسعد أفندى وكأنه لم يسمع حرفا.
- أنت تعقـد الأمورعلى نفسك يبدو أن طول عشرتك للأستاذ نصحى قد علمتك التفلسف، أنا أخشى عليك.
واصلت اللعبة برغبة أكيدة فى الهرب بعيدا عما لوح لى به عم محفوظ، كنت أحس أن عم محفوظ ربما يكون قد سرقنى إلى منطقة منى دون أن يستأذننى.
- وهل يوجد هناك، فى الصحراء ناس من أمثالى.
- الناس يزورون الدير يوميا، والصلوات تقام باستمرار والقداس لا ينقطع.
- ولكنى مسلم.
- المسلمون الذين يزورونه أكثر من المسيحيين، رحمة الرب تعم الجميع .
بدأت شكوكى القديمة تعوق فكرى وتحول دون التمادى فى المحاورة، هل هى دعوة تبشيرية؟ هل هو استدراج نحو مصلحة شخصية؟ أسعد أفندى مرؤوسى ونصحى أفندى رئيسى يتنافسان فى علاجى بنفس التعصب والحماس. حين تستقر العقائد يتشنج اليقين وتدمغ الفتاوى، استغرقت فى تفكيرى حتى قطع أسعد الصمت بسؤاله:
- هيه ماذا تقول.
تذكرت رغبتى فى التخلص من آثار زيارة عم محفوظ فتحمست وقررت أن أمضى فى هذه اللعبة الجديدة، ماذا يضيرنى لو مضيت معه متفرجا، لعل ذلك ينقذنى من أثار إغارة نصحى أفندى، وحدْس عم محفوظ معاً.
قلت له فى غموض متعمد:
- لقد بحثت عنه فى الخلاء بين المقابر ولم أجده، ثم تخايل لى بعد ذلك واحدا من الناس البسطاء ولولا إصراره على أنى أنا شخصيا بركة، لحسبته حل اللغز،
نظر إلى مذهولا وكأنى لا أتكلم العربية ففرحت فى نفسى ، سأل بانزعاج مترقب.
- هه؟ ماذا تقول يا أستاذ عبد السلام؟
تراجعت بسرعة هذه المرة، كانت الرياح المتربة الثقيلة تعاود الهبوب على عقلى كالعاصفة:
-… الخلاء يرعبنى وأنا لا أجد راحتى إلا بين الناس، زدنى إيضاحا.
- أرواحنا تحتاج إلى الغسيل بين الحين والحين،
لم أتمالك نفسى وعدت إلى طعنه حتى يدعني:
- بلا أدنى شك، .. ولكنى أفضل الحمام التركى حيث البخار والناس والدفء والصابون أبو ريحة.
بدا واضحا أنى خيبت أمله بتطاولى فى السخرية فحاولت أن أرشوه وأسكته فى نفس الوقت، أكملت:
- وبالناس المسرة يا أخى ..
أشرق وجهه فى غباء حتى انفرجت أساريره وكأنه قد هدانى أخيرا بآية من كتابه، وفرحت بالخلاص.
***
أخذت أصعد الدرج وأنا أتراوح بين راحة أول أمس الغامضة وثقل رياح خماسين الأفكار والجدل، ثم فجأة تصفو سمائى دون مبرر.
أنا أسير فى طريق لم أسع إليه عن قصد، منذ قالها أبى فى المقابر: “ترجع إليه دون تردد” والمصادفات تقودنى إلى بدائل لم تكن فى حسبانى يوما، هل هى مصادفات فعلا؟ أطرق بابا فلا يفتح وينفتح على باب آخر لم أطرقه، لكننى حين أدخل منه لا أجد شيئا وراءه إلا الفراغ يلوح لى فى عينى عم محفوظ فأنظر فى نفسى أبحث عما حركه داخلى بيقين لم أستطع إنكاره فأجد أسعد أفندى قابعا ينتظرنى ليصحبنى إلى الطريق الصحراوى، ثم تهب رياح خماسينية فتكاد تعصف بكل شئ.
سمعت وقع أقدام خلفى وعرفت صاحبها فتباطأت حتى لحقت بى تبادلنا التحية بشوق فاتر تختلف أسبابه عند كل منا، اقتربنا معا من بابى فدعوت نفسى لا صطحابه دون استئذان لأشرب كوبا من الحلبة الحصا، أضمرت أن أقتحمه دون تردد لأعرف موقعه منه، بدا أنه التقط نيتى لكن نظرتى المتصنعة الود لم تسمح له بالتراجع فاتجهنا إلى شقته مباشرة وهو يتمتم بما لم أتبينه وإن كنت تصورته يقول إنه لا يخشى شيئا أو أن هناك من ينتظره، لست متأكدا.
طرق الباب فتعجبت لأنه لم يستعمل مفتاحه مثل كل مرة، من يا ترى بالداخل؟ أنا لم أعهد عنده أحدا قط، فتحتْ لنا وبدت كأنها لم تستيقظ بعد، ومع ذلك استقبلتـنا فى ترحاب ناعم رغم آثار النعاس خـُـيـِّـلَ إلى كأنها تعرفنى من قديم أخذت تسوى شعرها الأشعث وتدعك عينيها وتكاد تتمطى، قطعت كل ذلك بضحكة قوية وكأنها قررت أن تصحو أخيرا لتكتشف الدنيا فى شخصى لم تبد على غريب أية مشاعر وكأننا لسنا على باب بيته، قدمنا الأستاذ غريب لبعضنا البعض بإيجاز شديد، مجرد ذكر أسماء، ثم ذهب إلى المطبخ مباشرة وكأن الأمر لا يعنيه، ضحكت المرأة مرة ثانية وخيل إلى أنها غمزت لى بعين واحدة غمزة لم أفهمها، دخلت إلى حجرة النوم دون استئذان ثم عادت بعد قليل وقد جمعت شعرها تحت منديل رحب، جلست بجوارى مباشرة فى هدوء حاسم، سألتنى دون تردد:
-……. صاحبه؟.
- لا.
دهشت للإجابة لحظة.
- حضرتك يعنى لا مؤاخذة من، أقصد يعنى ….
كدت أتذكر لحظة بداية الزلزال – نفس السؤال – يلقى بشكل آخر- ضحكتُ وأجبت وكأنى أجيب الأخرى كاتبة تحصيل إيصالات الكهرباء.
- أنا عبد السلام المشد .
ضحكت حتى خيل إلى أنها لن تكف عن الضحك وكأن مجرد ذكر اسمى يدعو إلى ذلك:
- تشرفنا، …
اضطررت أن أكمل دون دعوة:
- جار الأستاذ غريب، أنا أسكن هذه الشقة المقابلة.
- أنت زوج هذه السيدة التى كانت بالشرفة.
- تقريبا ..
- تقريبا أو أحيانا، .. انتبه فالفرق مهم.
- أنا زوجها والسلام، وإن كنت الآن لا أعرف لهذه الكلمة معنى …
- يبدو أنك تتفلسف مثل صاحبك، أنا أحاول أن أتـَـوِّبـَـه عن هذا، .. والعقبى لك
لم أفهم ماذا تعنى تحديدا أحسست بانقباض حين تذكرت الهدف الأصلى من الزيارة أردت ألا أفوت الفرصة.
- ليس تماما نادرا ما نلتقى، وقلما نتبادل الآراء إذا التقينا.
قالت وقد أشارت بيدها محذرة .
- يبدو أن تبادل الآراء تمنع تبادل أشياء أخرى أهم.
منعت نفسى من أن أتمادى فى الشك إلا أنى جزعت من لهجتها على أى حال.
حضر غريب وكان الصمت قد ساد إلا من طرقعة لبانة تلوكها فى فمها تحاول أن تخفى بها مشاعرها الأخرى التى أحسست فيها بطيبة حقيقية، لم تنجح فى التنكر لها.
جلس غريب يفرغ الحلبة فى الأكواب ولم أتردد فى فتح الحديث الذى جئت من أجله كنت قد قررت من البداية ألا أؤجله بعد أن فوجئت أنه ليس وحده، قلت وكأننا وحدنا، وكأننى أكمل حديثا سابقا مع أننى لم أفتحه أبدا، قلت فجأة.
- هل شغلتك مشكلة “الله” يا غريب.
نظر إلى فى ريبة وربما فى استهانة ولكن ” صفية” انبرت وكأن السؤال موجه لها قائلة:
- سوف أحج إلى بيته بعد أن أتوب على شرط أن أكون قد انتهيت من بناء الدور الثانى حتى آكل من إيجاره، … كل طوبه فيه بحبة من عرق هذا الجسد،
لم يرد الأستاذ غريب كما لم يعترض ولا بتعبير وجهه، يبدو أنه أراد أن يترك النقاش يستمر بينى وبينها حتى يلتقط هو أنفاسه ويستعد بالرد، أو أنه كان قد قررالعزوف عن الرد تماما.
قلت لها:
- خيل إلى فى أحد مراحل مرضى أنى دخلت الجنة فلا حاجة للانتظار.
لم أنتبه إلى أننى أعلن سرا دون داع إلا حين قالت المرأة فى دهشة.
- مرضك كفى الله الشر، أنت مثل الحصان، تستطيع أن تجر عربة كارو محملة بالنساء الذاهبات إلى القرافة، ولا تعتق واحدة منهن.
حاولت أن أرضيها ببسمة شكر حاسمة، واستدرت إلى غريب ألح فى السؤال،
- ماذا تقول فى وجود الله يا غريب .
قال بعد أن أدرك إصرارى العنيد:
- هذه مسألة انتهيت منها من زمان، وهى لا تستأهل أن أضيع فيها دقيقة بعد ذلك،
- ماذا تعني؟
- لا تضيع وقتك، وابحث عن الحقيقة.
- خيل إلى فى الأيام الأخيرة أن البحث عن الحقيقة أصعب من البحث عن الله،
- الحياة لا تقاس بالأسهل والأصعب، ولكن بالأنفع والأهم.
- الأنفع، … الأنفع لمن، ..؟ ومن الذى يحدد المهم من الأهم؟.
- الأنفع للناس،
ما أخبث الألفاظ! كل الكلام متشابه و لا أحد يعرف ماذا يعنى.
- كيف؟.
أطرق طويلا ثم قال:
- هذا ما أحاول البحث عنه.
- أين.
- هنا، ..
وأشار إلى مكتبته المكتظة بالكتب كيفما اتفق.
- الحقيقة…؟ والله…؟ وما ينفع الناس؟ نجد كل ذلك بين صفحات الكتب!!! هل تصدق نفسك يا غريب؟
انتظر مدة أطول وكأنه يراجع نفسه بلا يقين:
- لابد أن نبدأ من هنا.
قالت صفية التى كانت تتابع المناقشة باهتمام وشغف لا تفسير لهما وقد علت وجهها نفس البسمة التى تصاعدت إلى ضحكتها القوية:
-… يا جماعة لابد أن نبدأ من هنا.
وأشارت إلى موضع ما.
*****
ونبدأ الأسبوع القادم فى تقديم الفصل الثامن “رق الحبيب”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى: رواية “الواقعة” الجزء الأول من “ثلاثية المشى على الصراط” الرواية الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1980 (الطبعة الأولى 1977، الطبعة الثانية 2005، الطبعة الثالثة 2019) والرواية متاحة فى مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى للصحة النفسية وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية – المقطم – القاهرة.