الدستور
21-4-2010
تعتعة الدستور
“ثقافة” السلام للاسترخاء، و”ثقافة” الحرب للبقاء
لا يوجد شىء اسمه السلام بالمعنى السطحى الشائع، قد توجد معاهدة سلام، موقع عليها من حَسَنِى النية، ومنافقين، وجبناء، وخبثاء، وسذج، ودهاة، ومنتفعين: على الجانبين، كما توجد جوائز للسلام، نوبل وغير نوبل، وأيضا يوجد مبعوث للسلام، ومفاوضات عن السلام، لكن الحديث عن “ثقافة السلام ، هو أمر آخر تماما. (أذكركم أننى من مؤيدى معاهدة السلام بشروطى كما جاء فى التعتعة السابقة).
ما يهمنى فى تعريف كلمة “ثقافة” (من بين مئات التعريفات) هو علاقتها بما يسمى الوعى، وما يسمى التطور. الثقافة التى أتكلم عنها ليس لها علاقة بوزارة الثقافة، ولا بالمجلس الأعلى للثقافة، … إلخ، الثقافة التى أتحدث عنها هى جُـماع وعى مجموعة من الناس (وأيضا هى منظومة جماعية لأى كائن حى) فى فترة زمانية معينة، يعيشون معا على مساحة أرض محددة. بهذا التوصيف يمكن بكل ثقة أن ننكر أن من تبقى حيا حتى الآن لم يقع فى مصيدة “ثقافة السلام” وإلا لانقرض لو تشكل وعيه (بكل معانى الوعى) بمثل ما نسميه جهلا أو خبثا: “ثقافة السلام”، التطور كله سلسلة من الحروب ليس بالمعنى القديم “البقاء للأقوى”، ولكن بما توصل إليه العلم مؤخرا، من أن البقاء للأكثر قدرة على التكافل والتلاؤم والإبداع (لكنها حروب أيضا)
قلت فى التعتعة السابقة إن إسرائيل أكثر حرصا على التطبيع من حرصها على التطبيق الإجرائى لبنود معاهدة السلام، التطبيع هو أملها فى إشاعة ما يسمى “ثقافة السلام” بالمعنى السلبى لصالحها. كيف يمكن أن تكون هناك ثقافة للسلام بين مجموعات من البشر، أو من الدول، يسعون لتشكيل وعى مشترك فى مواجهة تحديات الحياة، وصراع البقاء معا، فى حين أن بعض مكونات هذا الوعى تمتلك هذا العدد من القنابل الذرية، والأسلحة الغبية، بينما البعض الآخر يمنع عن مجرد محاولة الاقتراب من أخذ نصيبه من الطاقة أو مقومات القوة الحامية لبقائه حيا (ولو ليشارك فى الثقافة الجديدة؟؟
ثقافة السلام التى يحاولون إعادة رسم خريطة وجودنا بها، هى إعادة تشكيل وعينا –دونهم- بما يجعله وعيا ساكنا مبتسما مسترخيا، ضاربا ” تعظيم سلام” لمن عنده مفاتيح الحرب والسلام. لا جدوى لمنتصر من توقيع معاهدة سلام إلا إذا نجح فى استعمالها أداة تساعده على ترسيخ ما يسميه “ثقافة للسلام” ليضمن من خلالها أنه “لا حرب بعد اليوم”، ليس فقط بتجنب إعلان الحرب، وإنما بالاستسلام غير المتكافئ، ومن ثم الامحاء فى ثقافة عامة تنفى وجود بعض أجزائها لحساب سيطرة أجزاء أخرى ، دون صراع حالى أو محتمل.
الوعى المطلوب تدعيمه حاليا يتشكل من مستويين: الأول، يمارس ثقافة السلام الهادئ الناعم المتطبع المبتسم فى بله، وهو مستوى الدعة، والقبلات المتبادلة، والأحضان الحارة، ومؤتمرات القمة، والانتظار بجوار الهاتف للتأكد من موعد إعداد موائد المواد الأولية ومشروبات الطاقة الجاهزة. أما المستوى الآخر فهو مستوى التفوق القاهر الآمِر، وهو يملك القنبلة الذرية، وكل أدوات الدمار الشامل ومخاطر الانقراض، مدعوما بكل ما تستطيع المؤسسات المتآمرة معه والمؤيدة له أن توفره له من مال، وسلاح، وإعلام، وحتى إبداع.، على ألا يسمح بحرب بين الجانبين، إلا دوريات التأديب والإصلاح والإذلال المعلن والخفى من الأخير للأول لمحو وجوده، وسحق مقامته.
لا يوجد شىء اسمه ثقافة السلام، بل يمكن التمادى للقول أنه لا يوجد شىء اسمه السلام، اللهم إلا مجرد “سكتة” بين حربين. الحياة هى سلسلة من الحروب المتصلة، والسلام ليس إلا فترة محدودة من الحرب الكامنة تمهيدا للحرب التالية، وهكذا.
حين تنقلب هذه السكتة المؤقتة إلى نهاية ساكنة، تسوَّق على أنها غاية المراد ونهاية المطاف، فتكلم عن “ثقافة السلام ” كما تشاء، ولا عزاء للمخدرين فى ابتسام ذاهل.
وبعد
إذا أرادوا المستحيل لتحقيق ثقافة حقيقية جديدة نتيجة لإفاقة تطورية، من واقع آلام متجددة من حروب ظالمة وغبية، فلا بد من محاولة تحقيق ما يلى:
أولا: التسليم بالقبول بحروب من نوع آخر لا تستعمل فيها الأسلحة المعروفة حتى الآن.
ثانيا: يترتب على ذلك أن تسلم إسرائيل كل أسلحتها الذرية، وتهدى علماءها فى هذا المجال إلى البلاد المتخلفة مثل أمريكا (يقاس تخلف أى بلد بمقدار ما تملك من أسحة دمار أولها الأسلحة الذرية)
ثالثا: التسليم بمبدأ:أنه لن تنتهى حرب إلا إلى حرب، مع احتمال فترة سلام بينهما للإعداد للحرب القادمة
رابعا: التسليم بأن ثقافة الحرب هى ثقافة البقاء، ومن ثم : البحث عن أنواع أخرى من الحروب،
……
وكل هذا يحتاج لتوضيح لاحق بإذن الله.