الأهرام: 16/12/1981
ثقافة الشباب أم شباب الثقافة
كثر الحديث هذه الأيام عن الشباب، فهل للثقافة دور فى هذه القضية، وهل توجد ثقافة خاصة للشباب تأخذ بيده وتهديه وسط الذى يجرى؟
أحب أن أبدا بمحاذير تشغلنى فى هذا الشأن، فأنى اتتبع كل ما يكتب وأخشى أن تفرغ كثرة الكتابة والنصائح القضية من حدتها وخطورتها، والمحاذير ابتداء هى:
أولاً: أنه يجدر بنا أن نتحدث عن شباب الثقافة لا عن ثقافة الشباب، فالثقافة الحية لها طبقات متصاعدة وكل من ينهل منها يحصل على المستوى الذى يتفق مع مرحلته شابا أو يافعا أو كهلا
ثانيا: انه لا يصح تفصيل ثقافة للطفل وثقافة للشاب وثقافة للكهل، حقيقة أن هناك خطوطا عريضة تفصل بين المراحل، إلا أن مفاهيمنا الحالية التى تحدد هذا الفصل هى مفاهيم تابعة من علم متواضعة لا يصح أن نرتكن إليها على حساب الحدس الفنى الاعمق، فحواديت زمان- مثلا – لم تنسج خصيصا للطفل، وإنما نبعت من حدث شعبى جماعى صادق، فأثرت كياننا اطفالا رغم كل المزاعم.
على سبيل المثال: ألف ليلة وليلة ومستوياتها المتصاعدة.
ثالثا: أن الذين يتحدثون عن ثقافة الشباب أو ثقافة للشباب ليسوا عادة من الشباب، فالشباب موقف ومغامرة وحركة، والتخطيط الفوقى يأخذ عادة شكل الاطار الجامد، فضلا عن عجز الكبار الذين ماتت عندهم قدرة الإبداع عن مواكبة سرعة إيقاع العصر.
رابعا: أن أى حل يطرح كنموذج نافع لاحتياجات عقل الشباب لايمكن تقييمه تقييما حقيقيا إلا بعد سنوات تصل أحيانا الى عشرات السنين، فلو أننا تصورنا خطة معينة لثقافة الشباب فلن نعرف جدواها فى إثراء عقولهم – أو تسطيحها – إلا بعد عدد من السنين وبمقياس الابداع وعمق الوعي، لا مجرد محو الامية الظاهرية، فعلينا أن نستهدى التاريخ ونحترم الحدس الصادق لتنتشر موجة من الوعى العام بالمسئولية الفردية والجماعية، والفرصة حاليا متاحة بعد صدمة الفقد وتماسك المسيرة معا، والثقافة الواعية هى من اكثر المعايير حساسية للتغيرات الجوهرية فى حياة الشعوب، وقد تكون فترة حياتنا الان هى من هذه الفترات الخطيرة الواعدة حقيقة وفعلا.
خامسا: أن اعتبار الثقافة الشابة هى ما يثير الوجدان ويقدس المثاليات هو تصنيف خاطىء، وإنما يقاس شباب الثقافة بما تحوى من حركة وبعث، وما تثير من وعى وتجديد.
فاذا كانت هذه هى المحاذير التى تشغلني، فان الواقع القائم فعلا يحتاج إلى وقفة متانية متالمة معا، فالجامعة لا تعطى الشاب ثقافة بمعنى فتح افاق التفكير، لا على مستوى مجاميع الطلبة ولا حتى على مستوى البحث العلمى الحقيقى إلا فيما ندر، فاذا حل الاملاء محل الإطلاع، وحل القياس الجامد محل الفرض المغامر، فلا ثقافة ولا شباب.
وأندفاع الشباب إلى الفكر الدينى يبدأ من موقع طيب ليعلن رفضه لهذا اللصق الظاهرى فوق عقله لمعلومات مشكوك فى جدواها، وهو يسعى فى خطواته الاولى إلى إحياء جانب وجوده الأخر الذى يتناسق مع الكون والذى يعلن الدين أنه ممكن، إلا أن الشاب سرعان ما يجد نفسه محاطا بتفاصيل التفاصيل من دعاة مقلدين ناسين وظيفة الدين وجوهره جميعا، وينساق رويدا رويدا هربا من قشور العلم إلى صخور الجمود، ودور الفن الحقيقى هو أن يغذى هذه الحاجة الدينية للتواصل مع الكون والحديث بلغة أخرى غير حسابات العلم وجزئياته والعلاقة بين الفن والدين علاقة تاريخية وقديمة إلا أنها لا تستثمر ابدا بأدوات العصر بدرجة كافية والشاب ما بين قصور التلقين وجمود الطقوس والاغتراب لا يستطيع أن يحتمل آى مغامرة معرفية منفردة، فيعرف عن القراءة بل يخافها على اساس سد الباب الذى يأتى منه الريح ليستريح وإذ تغلق العقول يستحيل التواصل وتتحسس الأيدى البنادق وتظلم الدنيا ..
والحل طويل المدى – بعد ما نحن فيه من عجالة تنظيمية – هو أن تقوم الثقافة بدور جوهرى فى تكوين العقول وتدريبها على التفكير والمغامرة وبعض خطوط هذا الموقف هى كما أتصورها :
1 – أن تكون هناك ثقافة شابة، حية وعميقة ومواكبة. وأن تتاح لها الفرص للنمو والفاعلية من كل المؤسسات.
2 – أن تكون هذه الثقافة فى متناول الشباب (ثمنا وتنوعا وتداولا).
3 – ان توجد ثمة فرص للحوار حولها.
4 – أن نستعيد شجاعتنا ونلقى كل المحظورات بلا استثناء، فلا ندمغ ابتداء من تجرا فهاجم الاشتراكية أو انتقد العلم، ولا نكفر تعجلا من يجروء أن يراجع القيم الدينية الثابتة، مع اشتراط الجدية والمسئولية أبدا، وبهذا وحده تهب نسائم الحرية الحقيقية، وإذ تضئ العقول يختفى القهر والارهاب.