الدستور
28-7-2010
تعتعة الدستور
ثأر”عم محمود” من قتلة “محمود” بالإهانة!!
لا يصح اختزال هذا الحادث المؤلم إلى مجرد التساؤل حول ما إذا كان مرتكبه مجنونا أم لا، ومن ثمَّ مسئولا أم لا. مع كل الألم الذى يصيبنا ونحن نترحم على الضحايا الأبرياء، ونشارك أهلهم المصدومين أحزانهم وآلامهم، ومع كل الدهشة التى تصيب من يقرأ تفاصيل الحادث جنبا إلى جنب مع قراءة تاريخ حياة وشخصية المتهم (القاتل)، هذا الصعيدى الجميل الطيب المسالم “عم محمود”، يجدر بنا أن ننظر بعمق كاف لعلنا نتعرف على بعض حقيقة أعماق أخرى للنفس البشرية، وللكرامة الإنسانية، ولإحباطات الواقع، وللحلم المُجهض، وللكنز المجهول بداخلنا، وللحلم المأمول خارجنا، وعلى القتل بالسخرية، والإهانة بالنكت…إلخ، آملين أن يعيننا كل ذلك على تجنب مثل ذلك، احتراما لما خلقنا الله به من كرامة، وإباء، وطفولة وغباء، وغضب، وعدوان، وطيبة، وحب، وعمى، وحساسية، وتسامح وقتل، ولا بأس من أن نضيف بعدا أو رأيا إجرائيا قانونيا أو طبيا شرعيا، أو علميا نفسيا، حول قضية الجنون، والمسئولية الجنائية.
كلما ارتـُكبت جريمة غامضة، خاصة إذا أزهقت فيها أرواح بريئة، قفز إلى السطح تفسيرها بما يسمى “الجنون”، مع أن الجنون أوضح وأطيب وأكثر غائية ورحمة من حياتنا المعاصرة المليئة بكل هذا السوء القاتل استباقا وجماعيا وتطهيرا عرقيا واستغلالا واستعمالا. ويا ليت الأمر يقتصر على تفسير العامة لهذا الغموض بالجنون، بل إن المسألة تتعدى العامة إلى فتاوى المختصين، فورا، ولاحقا، ذلك أنه بمجرد أن يظهر نبأ مثل هذا الحدث فى وسائل الإعلام، حتى يطلق رؤساء التحرير شباب الإعلام على المختصين، يمطرونهم بأسئلتهم، كل بطريقته، يسألونهم عن الأسباب، والتشخيص، والتفسير، والتحليل النفسى، وما آل إليه حال البلد، وما انحدرت إليه القيم، و”ماذا حدث للمصريين” وكلام من هذا…، وللأسف فإن بعض الزملاء يبادرون بالفتوى، والتفسير، والتأويل، لتنتهى الفتوى العلمية التخصصية، بالنصح بالرجوع إلى الأخلاق والتمسك بالدين، وسمعان الكلام، ولا مانع من التأكيد على ضرورة المواطنة، وثقافة السلام …إلخ
نرجع مرجوعنا لهذا الذى حدث: المتهم (القاتل) “عم محمود” صعيدى طيب بكل معنى الكلمة، أنت لا تعرف معنى صعيدى يا سيدى، ولا أنا طبعا. ربما عبد الرحمن الأبنودى أو جمال الغيطانى أو أمل دنقل أو طه حسين أو رفاعة الطهطاوى يعلمون ويعلـّمونا بعض معنى ما هو “صعيدى”، أى معنى من هو الإنسان المصرى الأصيل، أى معنى ما هى “خلقة ربنا، لست صعيديا، فوددت أن أكون صعيديا، عرفت الصعيدى من مرضاى وأهلهم، كنت وما زلت أتساءل لماذا أكثر مرضاى من الصعيد، وليس عندى ما أضيفه إلى ما يقوم به زملائى العلماء المهرة، وتلاميذى هناك، وكنت وما زلت أنبه مريضى الصعيدى أن كل ما عندى قد قلته لتلاميذى هناك، وهم قادرون على وصفه وتطبيقه، وأضيف أن “الأقرب أفضل”، لكن العلاقة بينى وبينهم تتوطد دون أسباب ظاهرة، حتى يقطعون مئات الأميال لاستشارة لا تستغرق دقائق محدودة، حتى رجحت أن هذه الرحلة والعلاقة هى جزء هام فى عملية الشفاء.
منذ ظهور نكت الصعايدة، وأنا أرفضها مغيظا، وحين تصنع قائلوها بديلا “واحد بلدياتنا”، كرهت هذا الكذب المستظرف الجبان، ما وصلنى من دلالة هذه النكت هو من أسوأ ما وصلنى من تغيرات سلبية فى علاقاتنا ببعضنا البعض.
نرجع إلى الحادث الأليم، رحم الله الضحايا الأبرياء وصبّر أهاليهم، ورحم “عم محمود” (قبل أوبدون أو بعد الإعدام)، وأعان أسرته على ما هم فيه (بدون تعويض من الشركة).
رحت أقرأ الحادث من زوايا أخرى أكتفى بأن أعدد بعض عناوينها كالتالى:
1- معنى البيت، وأرض البيت
2- علاقة الأرض بالعِــــرض
3- معنى اقتحام الأرض من تحت، بالقهر من فوق
4- معنى الحلم بالكنز،
5- حقيقة القتل بالسخرية
ثم حضرتنى ابداعات متنوعة تربط كل ذلك ببعضه، بمنهج أعمق من منهج الأطباء النفسيين والشرعيين، رأيت أمامى:
جان باتيست غرينوى (قصة قاتل) (العطر، زوسكيند)،
ثم “الشاب” (الباحث عن الكنز) السيميائى لكويلهو،
ثم صنعان الجمالى (قاتل الحاكم فالطفلة) ليالى ألف ليلة: لنجيب محفوظ.
وقد أعود لتفصيل ذلك،
دعونى مبدئيا أقدم “الفرض” مكتملا كالتالى:
إنها جريمة أخذ بالثأر، لقد قتل “عم محمود” المرحوم عبد الفتاح سالم (وآخرين بالصدفة) أخذا بثأر “محمود” الذى قتله كل من زملائة، وجيرانه، بالقهر فالإهانات،
تماما كما قتل الأطفالُ الضفادعَ -فى المثل الصينى- وهم يلعبون:
“يقذف الأطفال الضفادع بالحجارة وهم يلعبون، لكن الضفادع تموت جـدًّا لا هزلا”
فكان لزاما على “عم محمود” أن يأخذ بثأره، فراح معه أبرياء كـُثـْر؟
رحم الله الجميع،
وسعت رحمته كل الناس
كل الناس.