نشرت فى جريدة الوطن
31/5/2001
تنويعات مختلفة عن أنواع الإعاقة المحتملة
1- الإعاقة الذهنية، وهى الإعاقة التى تظهر أكثر فى مجالات القدرات المعرفية، وتشمل كل درجات ضعف العقل، والإعاقات الخاصة فى مجالات القدرات الخاصة مثل القدرة الحسابية واللغوية وغيرها.
2- الإعاقة الإبداعية، وهى التى تحرم العقل البشرى من تنمية واستعمال قدراته الإبداعية والموجودة عند كل الناس بلا استثناء.
3- والإعاقة الوجدانية، وهى التى تشير إلى عجز الوجدان عن القيام بوظيفته التواصلية وتبادل الدعم الكلى بين البشر، “ليؤكد وجود كل منا حق الآخر فى الوجود معه”، فبغير هذا لا يوج دمعنى للوجدان فرحا أو كمدا، قلقا أو زهوا، وهذا النوع من الإعاقة هو من أخفى الأنواع جميعا.
4- الإعاقة الاجتماعية على أرض الواقع وهى التى تشير إلى فشل توظيف كل القدرات السابقة فى تحقيق الوظائف الاجتماعية من أخذ وعطاء وتبادل اعتماد ودفع تعاون بالقدر الذى يميز الإنسان إنسانا.
وهذا التعميم والتركيز على مختلف معانى الإعاقة إنما يذكرنا بالمفهوم العملى لتعريف المرض النفسي، وكيفية تناول علاجه بشكل واقعى ونفعى، وخاصة فى مجتمع مثل مجتمعنا محدود القدرات.
فلم يعذ المرض النفسى يعرف بوجود أعراض بذاتها، ولا تقيم خطورته بحدة هذه الأعراض وكثرتها، وإنما يعرف المرض النفسى بنوع ومدى الرعاقة فى المجالات السالفة الذكر، حتى تصل الدرجة ببعض المدراس بتحمل وجود الأعراض بعض أو كل الوقت، فى سبيل التخلص من الإعاقة ابتداء، وأساسا.
وألفاظ أخرى، فليس المهم أن يوجد هذا العرض أو يزول بقدر ما أن المهم أن يعود المريض منتجا متكيفا نافعا نفسه وغيره، مع أو بدون وجود أعراض.
تحديد:
ثم أتوجه ببعض الملاحظات، والتوصيات السريعة، فى الموضوع المحدد لما هو طفل، ولما هو إعاقة حركية.
مالا ينبغى، وما يلزم:
اعتدنا أن نركز فى وصايانا على ما يلزم، علما بأنى أتصور أننا حين نكف عن كثير من السلوكيات التى نندفع إليها متحمسين أو منفعلين أو غافلين، نكون قد أدينا أكبر الخدمات التى يمكن أن نقدمها حتى دون أن نلتزم بجهد خاص، تجاه هؤلاء البشر الكرام:
ولا أستطيع فى هذه العجالة أن أعدد كل المحاذير فأكتفى بالتنبيه على ما يلى:
1) لا ينبغى أن نسمى المعوق معوقا ابتداء، وأنا لا أقترح له اسما بديلا، ولكنى فقط أنبه على ذلك، حتى أن اسم المعوق نفسه يؤرقني، كما لا ينبغى أن نسمح بأن تطلق عاهته عليه لتميزه، وقد فكرت – حسب عادات أهل بلدى – أن عائلة الأعرج فى بلدنا قد سميت كذلك لأن جد جدها كان معوقا حركيا، بل إنى مازلت أذكر إبن عم لى أطلقوا عليه اسم المفشلك، فظللت وأنا طفل أبحث عن فشلكته أو فشكلته هذه دون جدوي، حتى فاتحتـه فى ذلك، فحكى لى قصة معاناته من هذا الإسم طفلا، رغم أنه ليس معوقا أصلا، لكنه أخطأ فى تحميل جمل مرتين ووقع على الأرض أثناء ذلك بشكل أثار السخرية مما يقال له تفشلك، فكان ما كان.
فما بالك بالمعوق؟
2) كما لا ينبغى أن نبالغ فى إبداء الشفقة والتركيز عليها، مما يبدو فى شكل مصمصة، وتفويت،..إلخ.
بل ينبغى أن نفهم معنى الاحترام، وهو نقيض الشفقة حتما، فحين نحترم ألم المعوق، ونحترم فى نفس الوقت قوته، ونحترم شجاعة تعويضه وجسارة إقدامه، نزيد من إيجابياته حتيلا نتوقف عند نقاط ضعفه أصلا.
3) كذلك لا ينبغى أن نفرط فى الحديث عنه، بل معه.
4) ثم إنه لا ينبغى أن نعلمه طول الوقت (فقط) بل نتعلم منه ( أيضا).
5) وأخيرا فلا ينبغى أن نخصص له أماكن بذاتها، ومستوى بذاته، اللهم إلا فى الظروف التى تحتاج إلى تنافس لا يجدر أن نعرضه له مثل الجلوس فى الأتوبيس أو الحصول على نصيبه فى التموين إلخ.
وعلى ذلك فلا ينبغى فصله فى مدارس بذاتها، وفصول بذاتها اللهم إلا إذا كان ذلك ضرورة بالنسبة لنشاط بذاته.
وأول ما تعلمت هذا الدرس لم يكن من الكتب، وإنما حين شاهدت تقسيمة فى الشارع لفريقى كرة شراب، فرحت أتعجب، إذ لاحظت أن الفريقين يتنافسان لضم يافع معوق إلى فريق كل منهما، ولم يكن هذا الشاب إلا النصف الأعلى لإنسان مبتور تماما، فظللت واقفا حتى تبينت كيف أنهم يسمحون له أن يشارك بيديه بدل قدمية حيث لا قدمين، وكيف أنه يقفز على مقعدته فى سرعة هائلة، وكيف أنهم لا “يحاسبون” عليه أصلا، ولا يخافون أن يدوسوا يديه أو جسده بأقدامهم، إلى آخر ما علمنى هذا المنظر.
وقد أفادنى ذلك فى فهم أعمق لهذه المشكلة وأنا ألعب مع مرضاى، ويتصادف أن منهم بعض المصابين بشلل الأطفال قديما، (جنبا إلى جنب مع إصابتهم النفسية)، فإذا بهم يفضلون أن يشاركوا فى الفريق العادي، دون الوقوف حراسا للمرمى، مثلا فتعلمت أكثر فأكثر.
وفى النهاية فعلينا أن نعطى فرص التعويض بأكبر قدر من الوعى، ولا تتم هذه الفرص إلا بطرق باب كل القدرات، بمعنى أننى أنبه أن اكتشاف القدرات لا يتأتى باختبارات بذاتها، بل بإعطاء الفرصة الفعلية للمارسة، إعطاء الفرصة تلو الفرصة تلو الفرصة، ثم النظر فى عائدها، بل إنه كلما زادت مساحة الإعاقة وجب طرق مساحة أكبر فأكبر من القدرات، ولفترة كافية، حتى إذا لم نجد تميزا فى قدرة تعويضية بذاتها، علينا أن نحاول وندرب وننتظر ونعيد النظر، فمن المعروف أن ثمة قدرات تظل كامنة حتى سن متأخرة، والفرص الأحدث بالتكنولوجيا الأحدث سواء فى مجال الحا سبات، أم التشكيل أم الأنغام، هى فرص بلا حدود.
وأخيرا فإننا لا بد أن نتذكر أن رعاية المعوق لا ينبغى أن تتناسب مباشرة مع درجة إعاقته، فنهمل بذلك الدرجات الطفيفة والخفية، ذلك أن المضاعفات النفسية خاصة تزداد فى الإعاقة النسبية عنها فى الإعاقة المطلقة، فمثلا إن شلل الأطفال النسبى الذى لا يلحظه أحد يكون مصاحبا لحالات التفاعل التوجسى والشاك والاكتئاب وغير ذلك، أكثر من الشلل الكامل الظاهر للعيان، وهذا مجرد مثال يدعونا إلى التنبه إلى ضرورة الاهتمام الحقيقى بكل درجات الإعاقة على كل المستويات.
أما عن أسرة الطفل المعوق فإن من أهم ما ينبغى أن نحيطها به هو محاولة رعايتها وفهم أزمتها من حيث خيبة أملها، ودوام مقارنتها لطفلها مع سائر الأطفال المنطلقين عدوا حولها، وأستطيع أن أوجز بعض الخطوط العريضة لمثل ذلك فى عدة إشارات تقول:
1- لا ينبغى أن تفرط الأسرة فى ندب حظها (على العمال على البطال) لما أصاب طفلها، بل لتكن مواجهة هذه المحنة من منطلق أنها قدر، ثم إنها امتحان لا بد أن نتعاون فيه جميعا حتى ننجح.
2- كما لا ينبغى أن تفرط فى الشفقة والمعاملة الخاصة لطفلها هذا.
3- كذلك لا ينبغى أن تستدر الشفقة من الآخرين بسبب طفلها هذا.
4- هذا فضلا عن ضرورة احترام عامل الوقت ومواكبة العوامل الطبيعية التلقائية ودفعها بأقل قدر من الافتعال أو المبالغة.