نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 10-4-2025
السنة الثامنة عشر
العدد: 6431
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) [1]
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى”
الفصل الخامس
الطفولة: نبضٌ متجدد دائم (1)
(الفصل الأول من الدراسة الجامعة)
استهلال:
هذا الفصل الأول فى الدراسة الجامعة (الخامس هنا) هو عن الطفولة المتجددة الدائمة. هل هى طفولة نجيب محفوظ (أصداء السيرة الذاتية) ام نجيب محفوظ الطفل المازال ينبض بكل طزاجته وشطحه وخياله وإبداعه حالا؟ أعتقد أن كلا الاحتمالين وارد.
علاقة هذا العمل بوجه خاص بسيرة صاحبه الذاتية علاقة ملتبسة، تحتاج أن أوجز موقفى الخاص من علاقة الإبداع بالمبدع شخصا بيننا يمشى فى الأسواق:
أولا: تصورت فى فترة سابقة أن من الأمانة أن تكون الكلمة تعبيرا حقيقيا، ومعادلا موضوعيا لصاحبها، فإن لم تكن كذلك، فهى خدعة، ونفاق وكذا وكيت.
ثانيا: راعتنى كلمات رائعة مضيئة هادية نبية فتخيلت أصحابها كذلك، أو رسم خيالى أنهم لا بد أن يكونوا كذلك، ولم أجد ذلك صحيحا عند التحقق، ذلك أنه تصادف أننى عرفت بعض هؤلاء شخصيا، فإذا بهم ليسوا كذلك (تماما، أو أصلا).
ثالثا: تصورت بعد ذلك أن المبدع، لا يمكن أن يكون هو ما أبدعه، بل إن الأكثر معقولية هو أن يكون ما لم يستطع أن يبدعه واقعا فخطه رمزا عوضا عما عجز عنه، وذلك باعتبار أن الأدب، والفن هما بديلان عن الحياة، فهما من ناحية إكمال لنقص فيها، ومن ناحية أخرى رسما لصورة لـها لم يمكن تحقيقها حالا، ومن ناحية ثالثة فإن ما يبدعه المبدع هو أبقى للناس من شخصه.
رابعا: تماديت بعد ذلك إلى أقصى هذه الناحية (اختلاف المبدع شخصا عن إبداعه) فسمحت وتوقعت أنه قد يكون عكس ما يكتب وليس فقط خلافا لما يكتب، وأنه بذلك يكفـّـر بما يكتبه عما يعيشه، عـما “هو”، وبألفاظ أخرى: إن المبدع- تبعا لهذا الفرض الأخير- إنما يحقق فى إبداعه ما كان يرجو أن يكونه وعجز عن تحقيقه، حتى لو وصل الأمر أن يكون إبداعه “عكس ما هو عليه شخصيا”.
خامسا: تراجعت عن كل ذلك، ووصلت إلى أن سيرة المبدع الذاتية تسير على عدة محاور “معا” على الوجه التالى:
الأول: مايظهر فى ظاهر سلوكه اليومى العادى
والثانى: ما يعرفه هو، ويتذكره عن نفسه
والثالث: ما يظهر فى بعض إبداعه قصدا غير مباشر
والرابع: مايظهر فى بعض إبداعه بالرغم منه
والخامس: ما يظهر فى إبداعه عكس ما هو (تعويضا أو تعبيرا عن نقيضه الذى هو هو، أو هو ما يكمله)
والسادس: ما يظهر فى إبداعه باعتباره صورة ذاته، وليست هو (صورة الذات غير الذات).
ولنا أن نتسائل بعد كل ذلك:
أولا: أين تقع أحاديث رجاء النقاش (التى اعتبرت سيرة ذاتية، وأثارت ما أثارت) من كل هذا؟
ثانيا: وأين يقع “نص” أصداء السيرة الذاتية من كل هذا ؟
ثالثا: أين تقع القراءة التشريحية (الفصول الأربع السابقة) ثم الجامعة “لأصداء السيرة ” من كل هذا ؟
قبل أن أجيب، لا بد أن أنبه إلى أن أى محور من هذه المحاور ليس جامعا مانعا لما هو دونه، وأن أى تداخل أو تعدد أو تراوح بين واحد وآخر هو وارد حسب وجهة نظر قارئ السيرة، وعمق رؤيته، وموضوعية تحيزه!!! (المشروعة)
أحاول الإجابة عن هذه التساؤلات الثلاث كما يلى:
(1) قد يقع عمل النقاش على المحورين الأول والثانى -مايظهر من ظاهر السلوك، وما يعرفه ويتذكره المبدع عن نفسه، (هذا إذا تجاوزنا عن التقريب والتعميم والتشويه، بدون قصد، بل وبحسن نيه غالبا!!)
(2) فى حين يقع “نص” أصداء السيرة الذاتية متداخلا مكثفا ليشمل بعض المحور الثانى (ما يعرفه محفوظ وما يتذكره عن نفسه)، وكثير من المحور الثالث (ما يظهر فى إبداعه قصدا غير مباشر)، وقليل من المحور الرابع (ما يظهر بالرغم منه)، وأيضا قدرا من المحورين الخامس والسادس (عكس “ماهو”، ثم “صورة ذاته”، وليس ذاته.
(3) وأخيرا: أين تقع قراءتى للأصداء هذه، وخاصة ما أقدمه فى هذا الفصل، من كل هذا؟ قبل أن أصل إلى هذا التنظير، كنت قد وجدت نفسى فى حرج شديد وأنا أواصل هذه القراءة النقدية، وخاصة حين وصلت إلى ما أسميته” القراءة الجامعة” والتى أحاول من خلالها أن أتعرف على الجانب الأعمق من وجود هذا المبدع كما ظهر فى إبداعه هذا.
وقد بلغنى من خلال المعاشرة الشخصية المباشرة والحميمة ما كان جديرا أن يـعتـم رؤيتى وأنا أواصل قراءة هذا العمل ناقدا، وخاصة حين أتناوله باعتباره سيرة ذاتية، ناسيا أنه أصداؤها ليس إلا..، ذلك أنه قد بدا لى أن حضور الكاتب قريبا منى لحما حيا متحركا يملأ وعيى كثيرا، ويبهرنى أحيانا غير قليلة، ويدهشنى أقل، وأرفضه أحيانا، كل ذلك، إنما يبعدنى قليلا أو كثيرا عن النص الذى بين يدى، إذ يحل محله صاحبه دون إذن منى.
فإذا أضفنا إلى ذلك ما لاح لى من ضرورة ربط هذه القراءة، إن عاجلا أو آجلا، بأعماله الأخرى تبين حجم المعاناة، ومقدار التحدى.
ملحوظة: بعد كتابة مسودة هذا الجزء، وجدت تعارضا ما بين بعض أجزاء الدراسة التشريحية، وبين هذه الدراسة الجامعة، ولم أجد حرجا فى التراجع عن بعض ما ذهبت إليه مجزءا، فالسياق العام غير الأبجدية المتناثرة (أنظر نهاية الفصل الأول مثلا).
“….. فالطفل الذى بقى نابضا ولم يغب أبدا رغم اختفاء أوصافه هو طفل نجيب محفوظ وليس طفل الشيخ عبد ربه الذى تاه منه، ذلك أننى وأنا أبحث عن معالم الطفل فى الأصداء اكتشفت أنه بقدر ما حضرت الطفولة بشكل مباشر وغير مباشر فى النصف الأول من الأصداء([2]) توارت بشكل واضح منذ ظهور الشيخ عبد ربه([3])، إذن فقد تاه الطفل فعلا، لا لأنه تكامل فى “الشيخ عبد ربه” حتى أصبح لقبه (عبد ربه التائه)، – وهذا ماخطر لى سالفا فى القراءة التشريحية بل لأن الشيخ عبد ربه قرر أن يتنازل عن خدمات هذا الطفل الجميل، وراح يلقى علينا الحكمة مباشرة……”
………………
………………
ونواصل الأسبوع القادم استكمال الفصل الخامس: ” هل نحن نعرف ما هى الطفولة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net.
[2] – (119 من 224)
[3] – (بدءا من الفقرة 120)