نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 4-1-2024
السنة السابعة عشر
العدد: 5969
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ)[1]
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (159)
الفصل الرابع
حتى رأى وجهه سبحانه، وسمع برهانه
الأصداء عودة إلى النص:
159– المطارد:[2]
قال الشيخ عبد ربه التائه
هو يطاردنى من المهد إلى اللحد، ذلك هو الحب.
…………
قال الشيخ عبد ربه التائه
ذاع فى الحارة أن المرأة الجميلة ستهب نفسها للفائز. وانهمك الشباب فى السباق بلا هوادة، ومضى الفائز إلى المرأة ثملا بالسعادة مترنحا بالإرهاق. وعند قدميها تهاوى قرينا للوجد فريسة للتعب. وظل يرنو إليها فى طمأنينة حتى لعب النعاس بأجفانه.
………
قال الشيخ عبد ربه التائه.
حتى أنا شهدتنى حجرة الاستقبال وأنا أنتظر راجيا التوفيق.
ويدخل الأب وقورا ودودا ولكنه ينذر بالقيود والعواقب ودعانى صوت باطنى إلى الهرب.
تم تجيء هى متعثرة فى الحياء فأسقط فى الهاوية.
………..
أصداء الأصداء
هذه فقرة شديدة التكثيف
فالشيخ عبد ربه “يقول” ثلاث مرات، والفقرة واحدة، فلا بد أن محفوظ يتناول “تيمة واحدة”، فلنحاول قراءتها كما أراد :
تبدأ الفقرة الصدى بإعلان أن الحياة كلها مرهونة بدافع لا يهدأ، هو” الحب”، وهو دافع لا يكتفى بأن يحفز أو يطلق الطاقة إلى موضوعه، لكنه يلح ويطغى حتى يطارِد طول الوقت، طول العمر، هذا أول ما قال شيخنا عبد ربه.
ثم إنه قال: إن هذه المطاردة ليست دفعا للحب، وإنما هى تلويح بالفوز لمن يستحقه، فلا سبيل إلا للتنافس سعيا إليها، إلى الحياة الدنيا، اللذة الرائعة الواعدة، لكن ما باليد حيلة، تستغرقـنا الوسيلة، حتى إذا وصلنا لم يبق فينا ما ينفع، فلا نحصل على ما بدا لنا مطلبا هو كل شيء،
فننام دون مطلبنا الذى أصبح - فعلا- فى متناولنا.
لكن الحكاية لا تنتهى،،،
فالشيخ الذى يعرف كل ذلك، والذى رسم الخطة وقبـِـل النتيجة، لم ينج هو نفسه من الأمل فيها، والتوق إليها إلا أنه لم يستغرق فى لعبة التنافس حتى الإرهاق فالنوم، بل فضل الانتظار أملا فى نيل الرضا والوصال بإشارة رضا، أو ضربة حظ.
ثم نجد أنفسنا فى حضرة وفاق جميل بين “الوالد” العاقل المتسامح الودود، والوقور فى نفس الوقت، وبين الطفل اللاهث المتعجل اللذة، الفائز بغير جائزة، وفاق يوحى بالتصالح، وإن كان يخفى احتمال أن الوالد لم يصبح ودودا إلا بعد أن اطمأن إلى خيبة الطفل وسقوطه نائما (مغشيا عليه) بعد الفوز فى السباق دون أن يتسلم الجائزة، ويبدو أن الطفل المنهك لم يخدعه الود الوقور، بل إن ما وصل إليه-رغم ظاهر السماح-هو الإنذار بالـقيود والعواقب، فيرجح الهرب.
ولكنه حتى لو نجح فى الهرب من الوالد، الودود الوقور، المهدد المتوعد فى آن، فإنه يهرب منه إليه، وأقوى الإغراء، وألح الغواية هو ما تلفع بالتلويح دون التصريح، وما تعثر فى الحياء دون السفور
فهى الهاوية، وليفعل “الأب” (الداخلى، كلهم فى الداخل) ما بدا له
أكرر: إن كل هذه الشخوص – ما عدا الجميلة الواعدة- بدت لى شخوصا داخلية، هى “ذوات” الداخل المتعددة التى بدأت تطل فى الأصداء، بمجرد إعلان حضور الشيخ عبد ربه التائه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net
[2]- هذه الفقرة محيـرة من حيث شكلها لا أكثر، ففيها يتكلم الشيخ عبد ربه ثلاث مرات مع ذكر ‘قال الشيخ عبد ربه، وبالرجوع للأصل (بخط المؤلف) وجدت أنه فصل بين كل فقرة وأخرى بوضع شرطة صغيرة وسط السطر دون عنوان، فتبرع الناشر وأضاف عنوانين للفقرتين الثانية والثالثة، لكننى فضلت أن أقرأ الثلاثة مجتمعة كما جاء فى النص بخط يد المؤلف.