نشرة الإنسان والتطور
الخميس: 4-3-2021
السنة الرابعة عشر
العدد: 4933
تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ)
وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”
بقلم: “يحيى الرخاوى” الواحدة تلو الأخرى
الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت
الأصداء
8 – المطرب
قلبى مع الشاب الجميل، وقف وسط الحارة وراح يغنى بصوت عذب: “الحلوة جايــه”، وسرعان ما لاحت أشباح النساء وراء خصاص النوافذ وقدحت أعين الرجال شررا، ومضى الشاب هانئا تتبعه نداءات الحب والموت.
أصداء الأصداء
تعود حركة “البندول” هذه المرة إلى الناحية الأخرى، لكنها لا تصل إلى طفل تغمره موجات الفرح على شاطيء السعادة (فقرة 1) أو تندلع فى جنباته ثورة العنف المتعطشة إلى الجنون المتلفعة بالحزن والخوف (فقرة 2) أو وهو يمتلك مفتاح السعادة فى قرار الاجتهاد المدرسى والنجاح الحافظ للكرامة (فقرة 3) أو وهو يفرح بالتخلص من صاحب العضلات التى عكرت عليه طفولته(فقرة 6)، بل يتوقف البندول عند الشاب الذى راح يغازل الدنيا وهى تقبل عليه “الحلوة جايه”، فيعيش مغامرة الغواية والجسد، الجذب والتحرش، فتتبعه نداءات “الحب والموت”، سوف نلاحظ كيف يواكب الموت الحب عند محفوظ فى هذا العمل كثيرا، وفى أعماله الأخرى أيضا، فالموت عنده كان غالبا حيويا لدرجة لا يبتعد فيها كثيرا عن الحب، ولايبدو الموت نقيض الحب إلا إذا كان سلبا خالصا (وسوف نرى “الموت السلبي” لاحقا فى الفصول القادمة)
الأصداء
9- قبيل الفجر
تتربعان فوق كنبة واحدة، تسمران فى مودة وصفاء، الأرملة فى السبعين وحماتها فى الخامسة والثمانين، نسيتا عهدا طويلا شحن بالغيرة والحقد والكراهية، والراحل استطاع أن يحكم بين الناس بالعدل ولكنه عجز عن إقامة العدل بين أمه وزوجه ولا استطاع أن يتـنحى، وذهب الرجل فاشتركت المرأتان لأول مرة فى شئ واحد وهو الحزن العميق عليه، وهدهدت الشيخوخة من الجموح، وفتحت النوافذ لنسمات الحكمة. الحماة الآن تدعو للأرملة وذريتها من أعماق قلبها بالصحة وطول العمر، والأرملة تسأل الله أن يطيل عمر الأخرى حتى لاتتركها للوحدة والوحشة.
أصداء الأصداء
فجر المرأة ذات السبعين وحماتها ذات الخمس والثمانين، هو أيضا الموت، وهما يتبادلان الدعوات بالصحة وطول العمر، لكن الفجر قادم لامحالة.
تأكيد آخر أن الموت بداية (فجر) ليوم طويل، لا نعلم يقينا تفاصيل مساره، كما أنه يبدو بلا نهاية، ولولا العنوان، لما بدا لى جديد فى حكمة تقول: إن السن يروض الجموح، وإن المحبة كثيرا ما تأتى بعد عداوة، وإن المحن، وفقد عزيز مشترك، قد تنجح فيما فشل فيه الود وحسن النية.
[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية 2018 – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net