“نشرة” الإنسان والتطور
13-6-2009
السنة الثانية
العدد: 652
تعتعة
لو اشوف عمايلكْ‘ أصدّقكْ..! أسمعْ كلامَـكْ: أسْتَنّى!!
كلااااام جميل، وكلااااام معقول، ما اقدرشى اقول حاجة عنّه (ليلى مراد)، يا هلترى اللى جىْ بالطولْ، حانلاقى فيه حاجة منّه؟، لم نر عمايله بعد حتى أستشهد بالمثل القديم: “أسمع كلامك أصدقك، أشوف عمايلك أستعجب”، السيد دبليو غير المأسوف على رحيله كان وغدا صادقا صريحا، قال إنها حرب صليبية، وقد كان، قال إن ثمة محاور للشر، حسب تعليمات أسياده، وقام جنابه باللازم وقتل من قتل، وجبـُنَ أمام من خاف منه. رجل متسق مع نفسه، قاتل غبى ذاهل مبتسم ببلاهة ملعونة منفرة، هل تريدون مصداقية أكثر من ذلك؟!!
أما هذا الشاب الأسمر الرشيق الراقص الخفيف الذكى المتحمس، فلا يمكن لمثلى أن يكرهه لله فى الله، لم يصدر منه حتى الآن ما يجعلنى أتنازل عن حقى فى استقباله شابا نوبيا من بلدنا، أنا حر، “كل واحد وعلامُه”.
شاهدت بعض خطابه، وقرأت وجهه، واحترمت تلقائيته، ورفضت توقيت التصفيق له، لم أحرم نفسى من التمتع بالأمل، وساورتنى شكوكى، فلم أمنع نفسى من التمادى فى التفكير التآمرى المشروع، سألت نفسى: “ماذا يفيدنى لو أننى صدقت كل حرف قاله، ثم أردفت: وماذا يفيدنى لو شككت فى قدرته على تنفيذ أى حرف مما قاله؟ هذا الرجل شديد الذكاء، مخترق الحضور، يمثل لى وجهه ورقصته، وقفزاته، وعوده السمهرى، وضحكته، وطلاقته، ويقظته، يمثل لى كل ذلك أن الإنسان يمكن “أن يكون إنسانا إذا أراد”، فأجرّب أن أصدق أنه “يريد أن يكون بشرا بحق”، لكن!! هل يستطيع ؟ وهل سيتركونه؟ هل سيسمحون أن يجلس على كرسى عرش مملكة العالم اليوم إنسان حقيقى كما خلقه الله، الجواب عندى أن ذلك هو عاشر المستحيلات،
“تفكير تآمرى؟!”، ليكن، هذا حقى!!!.
ولكن مَنْ هؤلاء الذين لن يتركوه؟
هم هم الذين لا يتركون رئيسا عبر العالم إلا ويحاولون تسخيره لحسابهم، بوعى أو بغير وعى، هم هم الذين يموّلون المؤتمرات، ويشعلون الحروب الظاهرة والخفية، ويتلاعبون بالبورصات، ويتاجرون فى البشر، هم هم الذين أشعلوا حرب العراق، ومولوا بن لادن شخصيا ليحارب السوفييت، ثم ليعترف مثل الأبله بما لا يقدر عليه ولو بعد قرن من الزمان. (عذرا يا سيدى أوباما، لقد فوّتُ لك فقرة 11/9، وفقرة الهولوكوست وتركتك لذكائك وللتاريخ، بعد أن اتهمتـَنى وجارودى وآخرين بالكراهية)
فى نفس الصباح (الخميس) فى فندق سميراميس إنتركونتتنتال، (لاحظ فخامة الفندق) كان المؤتمر السنوى للجميعية المصرية للطب النفسى منعقدا، قرأت ورقتى عن “الأيديولوجيا والممارسة الطبية النفسية”، بينت فيها كيف أن الممارسة فى الطب النفسى تعتمد بشكل أو بآخرعلى “أيديولوجية” الطبيب، بوعى أو بغير وعى، أنا أعلم تلك الدعاوى التى تزعم حياد الطبيب النفسى جدا ، وأنه يمارس مهمته بكل برود، أو بتعبير أرق: بالشفقة اللازمة، حتى أن المريض قد يدع الحياة ويتفرغ للعلاج، (الترجمة: يدع القلق ويبدأ الحياة)، حاولت أن أبين للحضور القلائل (الباقون كانوا ينتظرون خطاب أوباما، أو يخشون غلق الشوارع)، أن ممارستنا لا تتم إلا بالطبيب نفسه علما وفكرا وموقفا وأيديولجية، أشفقت على موقف زملائنا فى الخارج حين يمنع القانون أو التقاليد أن يعرف الطبيب دين مريضه وبالعكس، ناهيك عن أن يحدثه فيه، وقلت لهم إننى أذيب تعصب أى طبيب أدرِّبُهُ، أو مريض أشرف على علاجه، بأن يتصارحا كل بدينه، فيتقاربا على كل المستويات بصدق يساعد على الشفاء الحقيقى، إذ كيف تقوم علاقة شديدة العمق لدرجة إعادة تشكيلهما، (يخرج منها الطبيب أعمق خبرة ومسؤولية، والمريض أصح عقلا وإبداعا) فى حين يخفى كل منهما عن الآخر أيديولوجيته (التى يشوه بها دينه) يلقى بالآخر فى جهنم فى نهاية النهاية؟
بعد عودتى مباشرة سمعت أوباما يقول ما معناه “إن علينا أن نبحث عن عمل علاقة مع من يختلف عنا، وليس مع من يشبهنا”، افتقدت هذه الجملة فى نص ترجمة الخطاب كما نشر بالأهرام، مع أنها كانت أقرب الجمل إلى ما قلتُ فى المحاضرة، (وأقرب إلى رأيى فى رفض سياسة النعام بحذف خانة الديانة، أيا كانت، من خانة البطاقة).
شكرا يا أوباما، شكرا أيها النوبى الرشيق، ونحن فى انتظار أفعالك، حفظك الله من نفسك، ومنهم، ومنا.
إن من السهل علينا وعلى أى أحد أن يكره ذاك الدبليو بوش ويحذره، أما أنت، فإذا استعملوك، حتى من وراء ظهرك، فسوف تكون أخبث وأخطر، حين يجعلونك تعمل عكس كل ما قلت، وأنت تدرى، أو لا تدرى.
حاذرْ إن استطعت، أو استقلْ، ودعهم لنا، وللتاريخ.