نشرة “الإنسان والتطور”
5-2-2012
السنة الخامسة
العدد: 1619
تعتعة الوفد
وما زال نجيب محفوظ يعلمنا؟؟ (7)
…إياكم واللعب منفردين
مقدمة:
يعلمنا محفوظ قبل الهنا بسنة، بل بعشر سنوات، أن اللعب منفردا هو خسارة على من يلعب ومن يتفرج على حد سواء، إذْ من ذا الذى يمكنه أن يجلس فى مقاعد المتفرجين بعد أن يرفض اللاعب الوحيد مشاركته اللعب، حتى لو كان ذلك من حقه، ثم يمضى اللاعب الأوحد يلاعب نفسه حتى لو تعدد وتصور أنه أكثر من واحد، النتيجة إما انسحاب المتفرجين يغطون فى نوم لثلاثين عاما أو ستين ثم.. ربنا يستر..!!،
علمنا أيضا محفوظ منذ نهاية زقاق المدق على لسان الشيخ رضوان: أن لكل شىء نهاية، بلى لكل شىء نهاية، ونهاية يعنى end وتهجيتها “e – n – d”
كل نوم مهما طال فبعده يقظة، فإياكم ومخاطر اليقظة التالية.
ثم المتن من: أصداء السيرة:
الفقرة (70) “البلياردو” (من الأصداء: 1994)
”جلست فى ركن المقهى الذى تقوم فيه مائدة البلياردو وجاء رجل نشط وراح يلاعب نفسه فيرمى الكره مرة ويرد فى الأخرى. وقلت له بأدب: “هل تسمح لى أن الاعبك فهو أجلب للمتعة” ؟ فقال دون أن ينظر إلى:” بل المتعة أن ألعب وحدى وأن يتفرج الآخرون. ونظرت حولى فرأيت جميع الزبائن يغطون فى النوم”
من النقد الباكر ( أصداء الأصداء :1996)
….. يمكن أن يلاعب الواحد نفسه، ولكن بشرط ألا ينفصل عن الآخرين، ولكن ما إن يروى حاجته إلى الشوفان إذ يتفرج الآخرون عليه، حتى تتأكد وحدته، لكن الآخرين ليسوا رهن إشارته، وهو يرفض أن يلعب معهم، وفى نفس الوقت يطلب أن يروه، يشوفوه، يعترفوا به، فجاء رفضهم بأنهم ناموا، انسحبوا، رفضوا التوقيع على عقد تعيينهم تنابلة السلطان مهمتهم أن يؤكدوا وجود لاعب ذاتوى منغلق، فى الملعب الذاتى المنغلق، والنتيجة هى أن يخسر اللاعب فى النهاية
****
التحديث (يناير 2012)
هل كان محفوظ ينبه من أكثر من عشر سنين إلى مخاطر ألعاب السياسة المحتمل تماديها حاليا إلى مزالق الخطر حين يفوز فريق بأغلبية مريحة يتبادل بها مع نفسه، أو مع شريك معلن أو خفى حوارا داخليا، يلغى به فى الواقع أى اختلاف حقيقى أو صراع خلاّق؟.
نشرت هنا فى الوفد بتاريخ 5/12/2010 منذ أكثر من عام بعد الانتخابات “المسخرة” التى كانت نتائجها الفضحية التى اشعلت هذه الانتفاضة المستمرة إلى الثورة، استشهدت بهذه الحكاية من بلدنا وقلت فيها بالحرف الواحد:
…. توضيح آخر حضرنى حالا رحت أستلهمه مما وصلنى طفلا من قريتى، وهى حكاية من حدس فلاح مصر الفصيح، أرجو من القارئ الأفندى (بما فى ذلك نصف المجلس من العمال والفلاحين) أن يتحملنى قليلا وأنا أحكيها، إذ قد لا يفهمها إلا فلاح “أرارى” مثلى.
تحكى هذه الحكاية التى صارت مثلا ينبه إلى ضرورة فقس “كُـهن” الفلاح المصرى الجميل، وهى حكاية تحاول أن تنبه الجيران ألا يأخذوا أى شجار ينشأ بين جار وزوجته مأخذ الجد، لأنه قد يكون شجارا “مصنوعا” ، تتم من خلاله سرقة ما تيسر من أشياء الجيران.
تقول الحكاية إن زوجا (اسمه حامد) وزوجته (أمها اسمها حركات) اعتادا تصنع الشجار فيما بينهما، وبعد أن تبدأ المشاحنات، تتعالى أصواتهما، ويهجم الزوج على زوجته وكأنه سيضربها، فتخرج من دارها إلى الشارع مولولة وهى تجرى لاجئة إلى إحدى الدور المجاورة، وتدخل “القاعة” أو “المقعد” التى تخزن فيه هذه الجارة جِرَار “زلع” سمنتها، وتغلقها من الداخل، ويجرى وراءها زوجها متباطئا وهو ممسك بيده عصا يلوح بها، والناس بما فيهم صاحبا الدار اللاجئة إليها الزوجة، يهدئونه ويطيبون خاطره، أما الزوجة فتُخرج “الحُـق” من صدرها أو من جيب سيالتها، وتملؤه بما تيسر من سمن، ثم تخرج بعد أن يطمئنوها أن الزوج قد هدأ، وأن الصلح خير …إلخ .
أثناء هذه المسرحية القصيرة يتبادل الزوجان السباب من وراء الجدران ليؤكدا أنه شجار بجد. ذات ليلة تجرى إحدى هذه التمثيليات فى عز الشتاء، فتجد الزوجة أن السمن قد تجمّد من فرط البرد، فلا تستطيع أن تغرف منه لتملأ الحُق، فتروح تصيح من وراء الجدار وكأنها تسب زوجها بأبيه “يابن كذا، صائحة: يابن حامد جامد”، فيرد عليها سبابا بسباب وكأنه يعايرها بأمها قائلا “يابنت كذا وكيت، يا بنت حرّكِيهْ بالعود”، والناس تصدق ما يجرى من مسرحية السرقة الذكية، وحقيقة الأمر أن الزوجة كانت تصيح بزوجها أن السمن “جامد“، وكأنها تسب أهله، فيرد عليها أن “حرّكيه بالعود” لتفك صلابته، وكأنه يسب أمها، وتتم السرقة المتفق عليها.
(انتهى المقتطف)
كنت قد ضربت المثل لأنبه على الحذر من المعارضة المروضة، أو المعارضة الشكلية التى شكلها احمد عز بذكاء التاجر، وغباء الجشَع، فكان ما كان.
وبـعد
وأنا أتابع الفرق الفائزة فى مجلس الشعب حاليا داخلنى شك حول الخلاف بين الأخوان والسلفيين وأن ما يشبه الصراع على المقاعد الذى دار أثناء الحملة الانتخابية قد يثبت– لا قدر الله – أنه يشبه الشجار بين عم حامد وزوجته، وتكون المسألة كلها غطاء لما اتفقوا عليه مما قد ينفع أو لا ينفع، فى هذه الحال سوف لا يتبقى فى المجلس إلا لاعب واحد ويكون المنظر مثل لاعب البلياردو الذى يلاعب نفسه فى أصداء محفوظ، وهو يتصور أن الآخرين سوف يكتفون بالفرجة، لكنهم ينصرفون عنه ويغطون فى نومهم حتى يكتشف هو كم خدع نفسه قبل أن يخدعهم.
برغم فرحتى بأن شعبنا الطيب أخيرا استطاع أن يبدى رأيه وينتختب من يأمل فيه ويمثله – مهما قيل غير ذلك – فمهما لم يعجب المتخلفون أن يكون مقعدهم خارج المجلس خلف إرادة الشعب، فإن ثمة فرصة فى استقرار ما (بأمارة البورصة والاحتفال الحضارى بمرور سنة على هذه النعمة…الخ)، لكن أخشى ما أخشاه أن يكون الخلاف بين الإخوان والسلفيين هو اختلاف مرحلى، والألعن أن يكون اختلافا تكتيكيا مظهريا، وأن يكون الحكم فى النهاية لجمود قادم من التاريخ وليس الحكم لديننا الحضارة الجميل، أى لفطرة الله التى فطر الناس عليها.
أنا لا أريد للخلاف أن يكون خلافا حقيقيا ولا أدعو لما يسمى الإسلام الوسطى، ولا أسمى دينى الحنيف دين العقل، ذلك أن أملى فى الإسلام أوسع من ذلك وأعمق من ذلك بكثير، الإسلام ليس دينا توفيقيا بين ما قبله، الإسلام قفزة حضارية تكمل المسيرة وليس وسطا توفيقيا مائعا بين أطراف متنازعة، الله اكرمنا به لنكون شهداء على الناس، نحمل مسئولية كل خلقه من ديننا وغير ديننا، هذا ما وصلنى من هذه الشهادة العامة، “…وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ”.
وكما ذكرت مرارا، أملى أن يتسع الإسلام ليتحيز إلى الحق والحضارة الخليقة بالإنسان الذى كرمه الله عن سائر الأحياء وبالإبداع الممتد الذى يتميز به البشر عبر العالم، ليستطيع أن يقف فى وجه العولمة المتحيزية والإغارة المالية الشرسة المتوحشة الغبية،
كما أن أملى فى الإسلام أن يكون دين العقول كلها وليس العقل الظاهر ولا العقل الخاص، العقول على كل المستويات منذ خلق الله الحياة على هذه الأرض وليس دين العقل الذى تعّرفه المعاجم ويحتكره المفسرون.
إذا كان الأمر كذلك فالشعب المصرى المؤمن سوف يقف وراء نتائجه دون أى شك فى تمثيلات من نوع “ياابن حامد جامد” ويابنت حركيه بالعود.
حين ينبهنا نجيب محفوظ من عشر سنوات أن من يلعب وحده أو يلاعب نفسه هو الخاسر وأن المتفرجين لن يعيروه اهتماما، وأنهم سوف يغطون فى النوم حتى يستجمعوا قواهم، ويرعون أحلامهم، وحين يستيقظون:
خُذْ عندك!!