“نشرة” الإنسان والتطور
1-8-2009
السنة الثانية
العدد: 701
قبل التعتعة
لم يبق على إتمام السنة الثانية لظهور هذه النشرة اليومية إلا شهر واحد، ومع كثرة النقلات، والتراجعات، وإعادة التنظيم زادت صعوبة المتابعة، ومراجعة التعقيبات إلا من اضطر (غير باغ ولا عاد) المهم هذا تعديل جديد لست مضطرا إليه لكنه بدا كأنه إنذار بقرب انتهاء العمر الافتراضى للنشرة مع نهاية العام الثانى، هل يا ترى سوف استسلم أم أدخل فى الريح الثانية “Second wired” كما علمتنا الفسيولوجيا.
الحكاية أن المسئولين فى صحيفة الوفد طلبوا منى أن أعود للإسهام بالكتابة الأسبوعية بما يتيسر لى من رأى ونقد، وحين قبلت وكتبت لهم أول محاولة نشرت الأربعاء الماضى، وجدتها أقرب إلى التعتعة، وأنها تليق بهذه النشرة فى هذا الباب، وبما أننى أشرت عدة مرات فى بريد الجمعة أن التعتعة هى الأكثر جذبا لتعليقات الأصدقاء، فقد خطر لى أن أخصص السبت (اليوم) لما اسميته “تعتعة الوفد”، على أن يكون الأحد للتعتعة التقليدية التى تصدر فى الدستور.
يا خبر!! معنى ذلك أن للإسهام النفسى الاكلينيكى إلا يومى الثلاثاء والأربعاء، حسب قانون البقاء يبدو أن المواضيع تتصارع فيما بينها للحفاظ على مساحتها المخصصة لكلّ، ولكن بأى قانون؟ لست أدرى، المهم ألا يكون البقاء للأسهل.
يا ترى هل يخفف ذلك العبء عنى أو يزيده،
الأرجح أنه سيخفف العبء على المتلقى على الأقل
دعونا نجرب – كالعادة – ونرى.
****
تعتعة الوفد
من ينقذ الشاب: “جمال محمد حسنى” من ورطته؟
استجابة لهذه الدعوة الكريمة: انتبهت أننى كتبت فى الوفد أول ما كتبت منذ أكثر من ربع قرن، بحثت متأنيا فلم أعثر على كتاباتى الباكرة، لأننى لم أكن ساعتها أستعمل هذا الحاسوب الطيب الأمين، (الذى أصبح له الفضل فى الحفاظ على ما لا أتذكر)،
كان أكرم من شجعنى على الانتظام فى الكتابة فى الوفد خاصة، هو تعليق المرحوم أحمد أبو الفتح على إحدى – أو بعض – مقالاتى لصهره، الأخ الصديق أ.د. أحمد عكاشة، بأننى أكتب فى السياسة والهموم العامة أفضل مما أفعل حين أكتب فى مجال تخصصى، جاءت إجابة أخى أ.د, أحمد شديدة الذكاء والطرافه حين قال للراحل العظيم واصفا إياى: أننى إنما أمارس الطب النفسى فى وقت فراغى، ربما صدقتَ يا أبو حميد، رحم الله فقيدنا العزيز، وجعلنى عند حسن ظنكما.
الآن أنا أتحرك فى النصف الثانى من العقد الثامن من عمرى، هل اختلف الوضع؟ هل تستمر نفس المحاولة ؟ محاولة ماذا؟ أن أوصل ما وصلنى من مرضاى وخبرتى إلى أصحاب المصلحة؟ من هم أصحاب المصلحة؟ وهل وصلت رسالتى المزعومة عبر نصف قرن بما يبرر أن تستمر المحاولة؟ وهل هذا هو الطريق أم أن ثم طريقا آخرا؟
تلاحقنى نفس الأسئلة بلا إجابة حاسمة : لماذا أكتب؟ من أى موقع ؟ إلى أى هدف ؟ بأية صفة؟
أول مقال عثرت عليه مما نشر لى فى الوفد كان بعنوان “يوميات ناخب حزين” بتاريخ 7/6/1984 وهو المقال الذى استثار رئيس تحرير المساء آنذاك، فرد عليه فى صحيفته بسبًّ مباشر لكاتبه واصفا إياى أننى لا أفهم لا فى السياسة ولا فى الطب النفسى، وحين وصلنى ذلك وهممت بالرد عليه هنأنى بعض من يعرفونه أننى قد نلت الشرف بهذا السباب، لأن هذا الكاتب لا يسب إلا من يستحق هذا الشرف.
وحين دعانى المرحوم مجدى مهنا إلى الكتابة بانتظام فى الوفد واتصل بى الإبن النشط الرشيق “المطقطق” سليمان جودة، سألتهما: بصفة ماذا؟ فأصرا، فكان أول مقال فى سلسلة كتاباتى المنتظمة آنذاك (بدءًا من: 26-2-2001) بعنوان “صورة للرئيس”، ولكنه كان يتعلق بصورة الرئيسين عبد الناصر والسادات دون الرئيس مبارك، وهذا تقليد غريب يتبعه معظمنا، وهو ألا نكتب عن رؤسائنا إلا بعد رحيلهم، لكننى اكتشفت أننى خاطبت الرئيس مبارك بثلاثة خطابات مفتوحةمن على منبر الوفد هنا، خاطبته فى ثلاث مناسبات متتالية، بالعناوين والتواريخ التالية: “سيادة الرئيس كيف نحمد الله على سلامتك”؟ (11-7-1995)،”سيادة الرئيس كيف نقف اليوم بجوارك؟” (19-11-1997)، وأخيرا: “سيادة الرئيس كيف نهنئك بالولاية الرابعة، (16-9-1999)، وكان ذلك بمناسبة حادث محاولة الاغتيال فى أديس أبابا، والحادث الإرهابى لسائحى الأقصر، ثم انتخابات الولاية الرابعة على التوالى، وحين راجعت المقالات الثلاثة الآن حمدت للوفد ضيافته، وتحسست جسدى لأطمئن أننى ما زلت أجلس فى منزلى حرا طليقا.
وحين كتب الفنان أسامة أنور عكاشة مقاله بعنوان “قطعت جهيزة قول كل خطيب” فرحا بتصريح الرئيس ونصه “جمال لن يكون الرئيس القادم“، كتبت مقالى رافضا هذا التصريح بقدر رفضى فرحة أ. أسامة به، لأننا بذلك نقر للرئيس بحق “المنع” ناسين أن من يملك حق المنع (حتى لو كان منع ابنه) يملك حق المنح، وقد عرجت فى هذا المقال إلى أننى شخصيا من حقى أن أنتخب الشاب المصرى جمال محمد حسنى (دون مبارك)، باعتباره شابا مصريا يبدو لى أنه يفهم فى الاقتصاد، ونحن أحوج ما نكون إلى شباب نشط، واقتصاد سليم، هذا فى حالة ما إذا كان هذا الشاب مرشحا ضمن المرشحين الطبيعيين الحقيقيين، وفى نفس الوقت لم أجد من هو أفضل منه بينهم، وقد هوجمت لهذا الرأى، واتهمونى بأننى منافق أدعو للتوريث.
ثم إننى اكتشفت بعد هذه السنين أننى لو عاودت الكتابة الآن فى نفس المسألة لوجدت نفسى أكتب شيئا آخر، فقد تغير رأيى فى هذا الشاب المصرى بعد هذه السنين، ليس لأننى اكتشفت أنه لا يفهم فى الاقتصاد، أو لأن العمر تقدم به فلم يعد شابا، ولكن لأننى تأكدت أن الاقتصاد الذى يفهم فيه ليس هو الاقتصاد الذى قد ننصلح به، أو ينصلح به العالم، ثم إننى رجحت أن هذا الشاب الكريم ربما يكون قد تورط ورطة لم يقصدها، وأنه – مثلى – لا يفهم بدرجة كافية فيما يسمى “سياسة”، وبالذات تلك التى يمارسها ما يسمى “الحزب الوطنى”، فعزمت على ألا أنتخبه مهما كان البديل، متمنيا له حياة أبسط وأرحب، تمتلىء فرحة وعطاء وإسهاما متواضعا، بقدرات المصرى العادى الرائعة.
وبعد
حتى لو لم تكن هذه الدعوة للعودة للكتابة إلا فرصة لإعادة النظر،
حتى لو تأكدت مما اكتشفته الآن من أن كل ما كتبته فى هذه الصحيفة الغراء – وغيرها- لم يكن له أى أثر عملى عند من بيده الأمر، فإننى لن أفقد الأمل أنه ربما ترك أثرا ما عند “من يهمه الامر”، وشتان بين من بيده الأمر، ومن يهمه الأمر.
عدت أنظر فى عناوين مقالاتى فى الوفد ووجدت أن كلا منها يبدو لى جديدا، يصلح أن يعاد نشره بعد النقد أو التحديث؟ خذ مثلا مقال “من يحكم العالم؟ ومن يحكم مصر؟” 14-5-2001 أو مقال “دليل الحاكم الذكى لحُكم شعبٍ صبور” 9-4-2001 …. إلخ.
الأمور الآن أصعب، وأعقد، وأكثر تحديا، والفرص المتاحة أندر وأبعد.
هل يكفى أن نُشهد التاريخ أننا قلناها – الكلمة – فى الوقت المناسب؟
هل يمكن أن تحافظ الكلمة على الأمل فى أن نتحمل مسئولية تفعيلها فى الواقع فى الوقت المناسب بما تستحق؟.
نعم يمكن،
ولهذا نكتب!.