“نشرة” الإنسان والتطور
4-10-2009
السنة الثالثة
العدد: 765
تعتعة الوفد
ماذا لو كان قد فاز؟؟ كيف نغيظهم بأن نكون قدوة.. ؟!
ماذا لو كان السيد الوزير الفنان فاروق حسنى قد فاز بتولى أمانة اليونسكو؟ هل كان يستطيع أن يفعل أكثر مما فعله سلف سلف سلفه السنغالى الأفريقى المثقف المبدع المسلم احمد مختار امبو وقد فاز مرتين متتاليتين: 1974-1987؟ بنفس المنصب؟ ماذا كانت مصر بالذات سوف تجنى من وراء فوز مرشحنا الكريم، غير الشعور بالرضا، أو تجديد الأمل، أو قدر من الاحترام الذى نستحقه، وكل ذلك ليس قليلا، لكن المسألة ليست مشاعرا ورموا، وإنما هى حسابات مكسب وخسارة، وثقافة وحضارة.
ثم دعنا نمد السؤال أبعد من ذلك قائلين: ماذا كانت سائر الدول العربية والإسلامية والأفريقية التى أيدته سوف تجنيه من هذا الفوز؟ ثم نمد السؤال أبعد وأبعد إلى: ماذا كان العالم كله (من أيـّده، ومن عارضه طبعا، فهذه قواعد الديمقراطية) سوف يجنيه “ثقافيا” و”تعليميا” و”علميا” من فوزه؟.
مع كل أسفى للخسارة – عادى مثل أى مصرى، ومثل شعورى فى أية مباراة كرة قدم للفريق القومى مع أننى لست كرويا، تأملت كل هذه الأسئلة ولم أجد إجابة تفسر لى كل هذا الأسى والأسف الذى ساد الجميع، مع أنه أمر إنسانى وطنى طبيعى…(طبعا رفضت الشماتة كلها)
ثم قلت لنفسى: ما دامت الخسارة قد أعفتنا من الإجابة على هذه الأسئلة المحرجة، كما أعفت وزيرنا الفنان القدير أن يُختبر أصلا، كما أعفته من حرب كانت تنتظره حتما كما فعلت أمريكا مع أحمد مختار أمبو، ثم بطرس غالى، وكما حاولتْ مع محمد البرادعى، فهل يمكن أن نتصور إمكانية أن ننجح فى اختبار أبسط، إذا استطعنا أن نستوعب الدروس التى مفروض أن تصلنا من كل ما حدث؟ وفيما يلى بعض ما خطر لى من دروس (وليس كلها):
- إن هذه هى الديمقراطية، على أعلى مستوى، وعلينا أن نتجرع نتائجها بشجاعة، ما دامت استوفت شروطقواعد اللعبة، فإذا كانت الديمقراطية بهذه الهشاشة كما اتهمناها وصفناها تبريرا للفشل، وإذا كانت لا تحقق العدل، ولا تعطى للأوْلى بالحق حقه، فهى كذلك فى كل المستويات، وعلينا أن نتجرعها بشجاعة واختيار صادق، حتى نجد لها بديلا غير الحكم الشمولى.
- إن دور المنظمات العالمية، الرسمية، والمدعومة رسميا، يتراجع باستمرار لصالح تلقائية كل الناس، وذلك بفضل ثورة التواصل البشرى الخلاق، وعلينا أن نساهم ناسا وحكومات أن تنضج اللامركزية الجماهيرية لتخليق ما أسميه “الوعى العالمى الجديد” أملا فى مواجهة الجارى ضد بقاء النوع البشرى كله بواسطة السلطات التى تتحكم فيه سواء المعلنة والخفية.
- إن دور مدير، أو أمين، أو سكرتير أية منظمة عالمية، هو دور محدود، سواء بصفته الشخصية، أم ممثلا لبلده، أو للعنصر الذى ينتمى إليه، وهذا يلزمنا أن نهتم أكثر بتغيير البنية الأساسية للناس، أكثر من التركيز على تغيير من يجلس على رأس أى مؤسسة.
- إن ادعاء تسييس هذه المعركة، هو تحصيل حاصل، فكل مثل هذه المؤسسات مهما كان اسمها، هى مسيسة بنص لوائحها لو أمعنا الظر، بل إن معظم النشاط المؤسسى عبر العالم (بما فى ذلك البحث العلمى) اصبح مسيسا سرا وعلانية، لصالح قوى المال التى تحكم العالم من خلال الحكام العرائس.
- إن ما يسمى الحروب الثقافية (بل والحضارية) التى يستعد وزيرنا لخوضها انتقاما للهزيمة، تجرى تصفيتها لصالح التكامل الثقافى الحقيقى بين الناس، وعلينا – نحن الناس – ألا نستدرج من جديد لخوض معارك وهمية على الناحيتين، لأنه لم يعد من الممكن أن يكتب النصر الثقافى لمجموعات منفصلة من البشر،”إما الجميع معا أو الانقراض”.
- إن الشعاراتالأصنام التاريخية، أصبحت دينا خبيثا مبتدعا، (مثلا: معاداة السامية، أو محزنة الهلوكوست المزعوم) وقد آن أوان تحطيمها عبر العالم، عن طريق إيمان كل الناس بقدرهم الجديد نحو الحق سبحانه.
- إن الحلول الوسط، والتلفيق، وادعاء قبول الآخر، والرقص على السلم (أفرادا وجماعات وأديانا وثقافات) هى كلها مسكنات– على أحسن الفروض- وعمرها الافتراضى قصير، ونتائجها قد تكون عكسية.
- إن دلالة فشل مرشحنا لا تقتصر على فشله شخصا أو ممثلا لمجموعة معينة، بل هى قد تنبه ضمنا أن حكام الإنسان المعاصر وساسته ومن وراءهم، قد أصبحوا أعجز من أن يستوعبوا الاختلاف الإنسانى االحقيقى عبر العالم.
- إنه من الخطأ الزعم بأن دخول مصر الانتخابات قد طلع بالمنظمة إلى السماء السابعة،(كما نشرفى بعض تصريحات الوزير) ولعل ذلك كان إشارة إلى الاحتفالية الاجتماعية الإعلامية، فإن تجاوز ذلك فهو تشويه لنا لا لهم.
- إن الفائدة التى يمكن أن نجنيها من هذه الخسارة قد تكون أبقى وأنفع، ونبدأ مثلا بالأمل فى أربعة مسئولين (يشغلون التخصصات المناطة باليونسكو) وهم: الوزير الفنان، لو احتفظ بمنصبه فى وزارة الثقافة (إن شاء الله)، ووزيرى التعليم العالى وغير العالى، فضلا عن وزيرالبحث العلمى ثم رئيس الوزراء، كل ذلك تحت توجيهات السيد الرئيس طبعا، أقول : إننا لو أعدنا النظر فيما وصلت إليه الحال فى هذه المجالات فى بلدنا (80 مليونا وليس سبعة مليارات) فسارعنا (بإذن الله) بأن نقدم لهؤلاء أولا ما كان مرشحنا سوف يقدمه للعالم، ونجحنا فعلا جدا، إذن لرددنا عليهم ردا مفحما، وربما ملكهم الندم، أو ربما انفجروا غيظا وراحوا يقلدوننا، حين يدركون أنه لولا المناورات والمؤامرات (الديمقراطية 100%) لأتيحت لكل العالم الفرصة أن ينال الخير الذى حققناه لناسنا فعلا وواقعا جدا.
وبعـد
صدقونى: إن ما وصل إليه حال التعليم، والعلم، والثقافة، (وهذا هو اختصاص اليونسكو) فى بلدنا يحتاج إلى استيعاب كل هذه الدروس معا، وفورا، من كل الناس، وليس فقط من المسئولين.