الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الوفد لماذا نقرأ؟ ما دمنا لا نشارك فى اتخاذ أى قرار؟

تعتعة الوفد لماذا نقرأ؟ ما دمنا لا نشارك فى اتخاذ أى قرار؟

نشرة “الإنسان والتطور”

20-3-2010

السنة الثالثة

العدد: 932

 

    تعتعة الوفد

لماذا نقرأ؟ ما دمنا لا نشارك فى اتخاذ أى قرار؟

تفضل الإبن الكريم أ.د. ماجد عثمان، رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، بإرسال العدد 37 من التقرير الشهرى الذى يصدره المركز، وهو بعنوان “ماذا يقرأ المصريون؟”، وهو عنوان يهمنى لأسباب كثيرة، عامة وخاصة. الذى يتولى رئاسة هذا المجلس هو عالم مصرى وطنى جاد جدا، وهو الذى علمنى ألف باء الإحصاء، وكيف أقف موقفا نقديا أمام أى رقم من الأرقام (حتى العلمية!!!)، وكان ذلك  منذ أكثر من عشرين عاما، ومع ذلك – أو لذلك- فأنا لا أكف عن نقد ما يصلنى من هذا المركز مهما كانت ثقتى فى رئيسه والقائمين عليه، آملا أن أنهل مزيدا من التعلم، لأحمل مزيدا من المسئولية .

فى مقالى السابق هنا فى الوفد بتاريخ 21 فبراير 2010 ناقشت بعض جهود هذا المركز فى محاولة مقارنة بين اتجاهات المصريين ودول أخرى عبر العالم، وخاصة فيما يتعلق بالانتماء إلى وطنهم (تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مسح القيم العالمية فى مصر، أكتوبر 2008) فى ذلك المقال منذ أربعة أسابيع  نبهت إلى تحفظى إزاء منهج الاكتفاء بالإجابة بـ “نعم” – “لا”، وأيضا منهج “اختيار إجابة من بين إجابات متعددة”، لأن بعض ما ترتب على ذلك هو أن هذا التقرير، مثلا، انتهى إلى أن المواطن المصرى”فخور” و”فخور جدا بمصريته” بنسبة 98 % (73% فخور & 25% فخور جدا) وحين قارنت هذه النسبة بما ورد فى نفس التقرير بالنسبة للمواطن اليابانى (أقل من ثلث هذه النسبة!!!) قلت لا وألف لا، إلى آخر ما ورد فى المقال. كان نقدى موجها لمنهج الاستجابة، لكننى لم أركز على مناقشة مدى تمثيل “عينة البحث”  للشعب المصرى، …إلخ

إن نتائج أى بحث، أو حتى رأى، تتوقف على العينة التى تم فحصها، أو على شخصية وتاريخ صاحب الرأى، وأنا لم أستطع أن أتبين فى  هذا التقرير الجديد عن موقف المصريين من القراءة أية تفاصيل كافية عن العينة التى أجرى عليها، بحيث أطمئن إلى لهجة التعميم التى قدم بها نتائجه، فسمحت لنفسى أن أعتذر عن عدم مناقشتها الآن مكتفيا بتنبييه مبدئى، ثم تساؤلات لحوح هكذا :

التنبيه المبدئى: يتعلق بتلك الصيغة التى أصبحت تستفزنى، سواء فى الكتابات الحكائية، او فى الخطب (والمقالات والتحقيقات) السياسية، حتى التقارير الرسمية (مثل هذا التقرير)، تلك الصيغة التقريرية التى تستعمل تعبير/ “المصريون هم كذا وكيت..”، “كذا % من المصريين يعتقدون أنه لست أدرى ماذا” “ماذا حدث للمصريين فى الفترة الفلانية؟؟”، وهات يا فتاوى، وهات يا تعميم، هذه الصيغة تفزعنى خاصة وأن مهنتى قد أتاحت لى خلال أكثر من نصف قرن أن اواجه مئات الآلاف من المصريين، من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية والثقافات الفرعية، صحيح أن أغلب العينة التى قابلتها هى من المرضى، أو أهل المرضى، أو الطلبة والطالبات، لكن بلغنى منها ما يكفى دون تعميم.

أحيانا أكاد ألوم الأستاذ الدكتور جلال أمين بحب يلفه الغيظ على أنه استن هذه السنة تحديدا، خيل إلى أن هذه البدعة بدأت بشيوع كتابه الرائع بعنوان “ماذا حدث للمصريين فى نصف قرن”، وبرغم تحفظه المنهجى، وأمانته الحكائية، وتركيزه على خبراته الخاصة، لم ينتبه أغلب المتلقين إلى أن هذه السلسلة من كتاباته كانت – باعترافه – أقرب إلى السيرة الذاتية طول الوقت، بما ذلك كتابه “عصر الجماهير الخفيرة”، حتى حتابه “رحيق العمر”، هذه السنة التى استنها هذا الراوى الذكى الأمين، أصبحت تقليدا سهلا يفتى من خلاله كل من يتصدى للإجابة عن هذا السؤال “ماذا حدث؟” مع أن فعل “حدث” هذا يحتاج بحثا مقارنا أصعب من البحث المقارن مع منظومات القيم مع دول أخرى (الذى أجراه مركز المعلومات برئاسة الوزراء!!)، الأبحاث المقارنة كلها تقريبا معرضة لنقد يكاد يلغى نتائجها حين التيقن من استحالة  المقارنة (حتى فى تجربة عقار!!)، فما بالك بالبحث المقارن بين الثقافات حالا (أى بالعرض فى الوقت الحالى) ثم إن  الأصعب فالأصعب هو البحث المقارن طولا (تاريخيا: ماذا حدث ؟؟؟!!!)،

لا أريد أن يخلص القارئ من كل هذا أننى ارفض كل الأرقام المهمة التى جاءت فى هذا التقرير أو التى ستأتى من مثله، أو أننى أتحفظ على كل الانطباعات التى تضىء لنا جوانب من طبقات وعينا الآن، وسابقا مع تخريجات وتفسيرات وفروض شديدة الأهمية من كل المجتهدين، كل ما فى الأمر أننى أنبه مشددا إلى مسئوليتنا ونحن نتلقى هذه الآراء، أو هذه الأرقام، حتى أتصور أنها مسئولية أكبر من مسئولية كتابتها، (هذا لو كانوا علمونا كيف نتلقى!!) خصوصا إذا تصورنا أن الواحد منا، حالة كونه متلقٍ سوف يستفيد من هذه الأرقام بالذات فى اتخاذ أى قرار (شخصى أو عام، ..أليس هدف المركز من واقع اسمه هو : دعم اتخاذ القرار؟!!!؟).

بعد هذا التنبيه المبدئى، انتقل  إلى طرح ما خطر لى من تساؤلات، يمكن لو أخذها المركز المسئول مأخذ الجد، فإننا نصبح أكثر فأكثر أمام أرقام لها ما لها من فوائد وإلهامات ونحن نتأمل معنى أن كذا من المصريين يقرأون، وأن من بين هؤلاء الكذا، كذا يقرأون كتبا دينية، وكذا صحفا “أى كلام”….إلخ، ومن هذه الأسئلة:

  • ما هو الدافع الذى يجعل المصرى يقرأ أكثر؟ (إذا كان هذا هو هدف البحث فى النهاية!)
  • ماذا يمكن أن تفيد القراءة (من أى نوع) للمصرى المعاصر فى المشاركة فى اتخاذ قرار عام يتعلق بمصيره، أو نوع حكمه، أو اختيار حاكمه، إن كانت كل هذه الأمور محسومة مسبقا، سواء قرأنا أو لم نقرأ، يستوى ذلك لو قرأنا كتبا دينية أو جنسية أو تاريخية ..إلخ؟
  • هل توجد نوعية من القراءة يمكن أن ندرب عليها أبناءنا وبناتنا، بحيث يكون فعل القراءة عاملا مساعدا على تغيير القارئ فردا، ما دمنا قد يأسنا من إسهامه فى أى قرار يتعلق بجماعته، أو وطنه، أو حتى قوميته؟
  • هل يهتم المركز – فى الوقت المناسب بالإذن المناسب!!- أن يفحص موقف الجالسين على أعلى كراسى السطلة من القراءة بنفس الطريقة التى فحص بها الشباب والعائلات وعامة الناس، خاصة وأن هذه الصفوة الحاكمة المتميزة هى التى احتكرت (دون حاجة إلى القراءة غالبا)، احتكرت – فعلا وحصريا – سلطة اتخاذ القرار بالأصالة عن أنفسهم والنيابة عنا جميعا دون استثناء.

وغير ذلك أسئلة كثيرة، لكن المساحة انتهت، وأنا متأكد أن أرقام التقرير سوف تلاحقنى فى عدة مقالات تالية، فعذرا، وإلى لقاء أكثر إيلاما؟

(هذا إذا كنت من القلة التى أثبت التقرير أنك تقرأ مثل هذا الكلام، ولا مؤاخذة، أما الذين لا يقرأون فقد أعفوا أنفسهم من هذه الآلام التى تشاركنى فيها عزيزى القارئ، أملا أن تكون ممن يقرأون وليس ممن يمرون بالكلمات، أو تعبرهم الكلمات، دون قراءة!!).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *