نشرة “الإنسان والتطور”
6-5-2012
السنة الخامسة
العدد: 1710
تعتعة الوفد
قـُرعَة مقترحة بين المتقدمين للرئاسة
كدت أتراجع إلى عادتى القديمة التى اكتسبتها من الاستهانة والإهانات التى لحقت بتذكرتى الانتخابية المرحومة، قبل أن أشرُف برقمى القومى فيغنينى عنها، كنت أنوى التراجع إذ خطر ببالى أن أعزف عن الإدلاء بصوتى فى هذه الانتخابات بالذات، مع أن صوتى الانتخابى هذا ، هو محل فخرى مصريا، أو ينبغى أن يكون كذلك. ما دفعنى إلى التفكير فى العودة إلى هذه السلبية البغيضة هو حيرتى فى اختيار الأصلح وسط هذا المولد من الغموض، والكلام، والوعود، والتهديد، والوعيد، والرشاوى، والكر والفر، والتوك شو، والتكفير والإشاعات، المسمى بانتخابات الرئاسة، إلا أن لوما محبا وصلنى من شيخى محفوظ الذى لم يتخلف عن انتخابات واحدة طوال حياته إلا لأسباب صحية قاهرة، خجلت من نفسى، واعتذرت له ووعدته أن أنتخب مهما كان، مثلما فعلت فى استفتاء الدستور، ومجلس الشعب مؤخرا، وبرغم ما كان، وأنه : طولة العمر تبلغ الأمل، وخلينا مع الديمقراطية حتى باب دار العدل ووجه الحق.
رحت أفحص المتقدمين: ولم أنجح أن أتقمص ولا واحد منهم، إلا أنه وصلنى احتمال أن كل واحد منهم دون استثناء يتصور فى نفسه قدرات وأفكار، يريد أن يقدمها لبلده من أعلى منصب يمكـّنه من ذلك، ولمَ لاَ ؟ وبدأت المهمة :
رجعت إلى أسئلة كانت تقدمت بها إلىّ إبنه من بوابة الأهرام، ومعها نبذة عن كل مرشح ، وقلت أتناولهم بنفس الترتيب الذى وصلنى منها مصادفة.
بدأت بـ “حمدين صباحى” فوصلنى أن حظه، برغم صدقه وإخلاصه ووضوحه، متواضع ليس بسبب فيه شخصيا، أو فى برنامجه، وإنما بسبب ما يفخر به وهو ناصريته، لأن ما بلغنى أن وعى أغلب الناس فى هذه المرحلة يسقبل سلبيات الناصرية التى أفرزت السادات ومبارك معا أكثر من إيجابياتها، وأن الثأر القديم من ناحية من ملكوا مقاليد السلطة التشريعية مبدئيا، قد يجعله هدفا لتصفية حساباتهم مع الناصرية على حساب إيجابياته شخصيا.
انتقلت – حسب ترتيب إبنتى الإعلامية – إلى “عمرو موسى“، وإذا بى أمام خبرة فى السياسة الخارجية لا جدال حولها، لكننى اكتشفت سر شعبيته الشعبانية وهو يتلبس زهوا شخصيا فى مواجهة ما يسمى إسرائيل دون أن يصلنى إلمامه بالفرق بين معاهدة السلام (ضرورة الاستسلام) وبين ثقافة الحرب التى تبدأ بآلام الاستسلام بلا نهاية للحروب بكل الأنواع: الحروب الثقافية، والاقتصادية، والقتالية، والحضارية، والإبداعية، والعالمية، وتساءلت عن فوائدى وفوائد بلدى من فوزه مادام أمره كذلك.
ثم وجدت نفسى أمام اسم إسلامى مصرى عالى الصوت يحسن المواجهة اسمه “محمد سليم العوا، لكننى تصورت أنه يفتقر إلى الوصلة الأعمق مع سواد الشارع، سواء الشارع السياسى عموما، أو الشارع الإسلامى السطحى المسير بالريموت كونترول خصوصا، ودعوت أن يجزيه الله خيرا مهما كانت النتيجة، لأنتقل إلى “د. محمد مرسى” بموقفه الذى ظلمه حين بدأ كبديل مضطرا، فلم يصلنى من حضوره إلا أنه ممثل جيد لجماعة الإخوان المسلمين (وليس حتى لحزب الحرية والعدالة الذى يرأسه)، وهو يمثلهم بكل ما عليهم، وما عليهم، (وليس “ما لهم” حتى الآن).
ما كدت ألتقط أنفاسى وأنا أمشى على سلك المسئولية حتى وجدتنى على الناحية الأخرى حيث التقى “هشام بسطويسى” مع “أبو العز الحريرى” ، فأفهم موقفهما أكثر من خلال الاختلاف بينهما وليس من خلال الشبه، وأجدنى فى موقف الحكم على حزب التجمع وليس على أى منهما، فأتساءل: لماذا عجز هذا الحزب التاريخى المثابر أن يحتوى اليسار كله أو أغلبه؟ وأيضا عجز أن يستقطب الناصرية، كما عجز عن أن يضم إليه كثيرا من المثقفين والتنويريين برغم أنه اجتهد فى كل هذه الاجتهادات بأمانة، ودعوت للاثنين بالنصر مع الآخرين !!، لست أدرى كيف (ربما تتعدد كراسى الرئاسة!) .
ثم اكتشفت مرشحا جيشيا هو “الفريق حسام خير الله، قلت فرصة يمكن أن أراجع من خلالها رأيى فى ترشيح أحد رجال الجيش، فأنا من حيث المبدأ لست ضد أن يترشح أحد رجال جيشنا العظيم للرئاسة، فالجيش المصرى مازال هو الوجه المشرق المسئول للشعب المصرى مهما حدث، ورحبت به بينى وبين نفسى، حتى أختبر موضوعيتى، مع أننى كنت أتمنى أن أجد اسم اللواء محمد على بلال ممثلا لرأيى هذا، لكن يبدوا أنه تراجع لأسباب تليق بطريقة تفكيره المنظم الهادف، وجدتنى لا أعرف سيادة الفريق خير الله، ثم إننى لا أستطيع أن أتحقق مما أثير حول رتبته كفريق، ولا حول المستندات التى قيل (أو قال) أنه “يدكّن” عليها، دون أن يسلمها للجهات القضائية، وقلت، بناقصه صوتى فهو يعرف طريقه.
وفى هذا السياق حمدت الله أن حالت توكيلات بضع عشرات الأصوات دون ترشيح الفريق عمر سليمان، ليس لأنى ضده، فهو مواطن مصرى بلا شك، إلى أن يُحكم عليه بغير ذلك، ولكن لأن احتمالات حرب الشوارع كانت أقرب إلى الحدوث لو أنه نجح لا قدر الله، أو قدر الله !!
نرجع مرجوعنا لمرشح إسلامى مصرى يبدو أن له حضور مريح، وهو “د.عبد المنعم أبو الفتوح”، وقد حاولت أن أنسى أنه طبيب، وأن أنسى زيارته لنجيب محفوظ التى بلغتنى ولم أحضرها، وأن أنسى الهمس واللمز الذى يدور حول تبعيته السرية لأمريكا أو “مماينته” لإسرائيل، فوجدتنى أمام مصرى بسيط شجاع، عرف كيف يختلف، وكيف يصر، وأن يقبل الطرد من تاريخ عزيز عليه لأنه يتمسك برأيه (وقد عاينتُ ذلك شخصيا من نفس الجماعة وعمرى 17 سنة حوالى سنة 1950، فاستطعت أن أتقمصه بسهولة)، وتساءلت عن تصرفه اللاحق حين يواجه نفس الجماعة وقد امتلكت مقاليد السلطة التشريعية، كما أملت أن ينتقل من فخره بالإسلام الوسطى، إلى تعرّفه على الإسلام التوحيدى، الإبداعى، إسلام الشهادة ، فما وصف الله سبحانه وتعالى المسلمين بأنهم أمة وسطا، إلا “لتكونوا شهداء على الناس”، وليس على المسلمين فقط، والشهادة ليست موقفا وسطيا مائعا، سواء كانت الشهادة على الناس لكل الناس، وليس للمسلمين فقط، أم شهادة ألا إله إلا الله.
أما ما وصلنى عن “د. عبد الله الأشعل” فهو لا يحتاج منى إلى تعليق، فميزاته وقدراته لا شك فيها ولا حولها، لكننى افتقدت حضوره سواء فى عموم الشارع السياسى، أو حتى فى مساجد الإسلام المسيّر بالريموت كما ذكرت.
وقبل ما هو أخيرا، فإننى فوجئت بعودة الفريق “أحمد شفيق” المفاجـِئة إلى ساحة المنافسة، فوجدتنى لم أكن ضده شخصيا فى يوم من الأيام ولا أعتقد أنه شارك، إلا بالقصور الذاتى، فى أى من سلبيات ما جرى أيام حكمه القصير، ولم أفهم أبدا استمرار حرصه على الترشيح حتى بعد وفاة المرحومة زوجته، ثم إنى لا أتصور أنه يمثل النظام السابق اللهم إلا من حيث الموقف العاطفى وربما الأخلاقى، وأعتقد أنه لم يبلغه الفرق بين السياسة التى تقود أو تصنع دولة، وبين الإدارة التى تـُنجح شركة، فأدعو الله له بالصبر والسلوان على فقد زوجته المرحومة، وعلى ما يناله وينتظره من هذه المغامرة الصعبة.
لم يبق أمامى إلى ثلاثة مرشحين ربما هم أكثر تمثيلا للشباب ومنتصف العمر من نزلاء دار المسنين (وأنا واحد منهم، فأنا أكبر منهم جميعا)، وهم “خالد على “، و “محمود حسام الدين” ، “محمد عبد الفتاح فوزى” ويبدو أنهم يشتركون فى علاقتهم الأوثق بشباب الثورة، وبالقيم والشعارات الرشيقة التى ترددت فى الآونة الأخيرة بشكل مفرط، بغض النظر عن محتواها، أو مصدر استيرادها، أو حقيقة جدواها، ولا أشك فى تضحيتهم بهذا التصدى، وشرف حضورهم، وهم يعرفون مسبقا تواضع فرصهم، وأدعو الله أن تتاح لكل منهم فرصة النقد الذاتى، وأن يتمتع بفضيلة التفكير التأمرى الجيد، الذى ربما ساعده فى فحص ما وراء كثير من نشاطات المؤسسات التى ينتمى إليها، والتأمل فى شعاراتها وعلاقتها بالتطبيق التطفيفى (التطفيفى مشتقة من المطففين “الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون….”) فليس كل ما وراء هذه الشعارات على الفيس بوك والتويتر نقيا نقاءهم، ولا نقاء الشباب ولا النشطاء الطيبين.
ثم اثنان خارج المنافسة
اثنان أعفانى القانون من التفكير فى تفضيلهم: عمر سليمان وحازم صلاح، أما عن عمر سليمان فقد قلت رايى ضمنا وأنا أتحدث عن الفريق حسام خير الله، أما عن حازم صلاح ابو إسماعيل فقد دعوت للسيدة المرحومة والدته بالرحمة وفرط الثواب لأنها أخذت الجنسية الأمريكية لترحمه وترحمنا مما شاهدته منه وعنه فى الفيديوهات مضطرا ، ولكن ربنا ستر. غفر الله للجميع وحفظ مصر منهم ولهم ولنا.
وبعد
بعد كل هذا الفحص والاجتهاد لم أستقر على رأى، فتصورت حلا شاطحا توفيرا للوقت والمال، وهو أن يختار المجلس العسكرى، أو حتى مجلس الشعب، أى واحد منهم بالقرعة، على أن نركز نحن على (1) محكات إنجازه ، و(2) طريقة محاسبته، و(3) وآليات خلعه أو تغييره : بعد أربع سنوات أو أربع أسابيع، أو أربعة عقود، أو أربعة قرون، ربنا يستر.