الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الوفد “رّوبوت المال”: وأسلحة “الدمار الجديد (الشامل)”

تعتعة الوفد “رّوبوت المال”: وأسلحة “الدمار الجديد (الشامل)”

نشرة “الإنسان والتطور”

16-5-2010

السنة الثالثة

العدد: 989

 

تعتعة الوفد

“رّوبوت المال”: وأسلحة “الدمار الجديد (الشامل)”

.. حول أذان الفجر، قادما من بيتى إلى مكتبى، أسرق هذه الساعات الباكرة قبل انقضاض الواجبات، والروتين، لعلى أنجح أن أقرأ أو اكتب فى محاولة اللحاق بما يمكننى أن أواصل من خلاله ما يميزنى بشرا، ثم مواطنا صالحا مشاركا بما تيسر..،

– صباح الخير يا رمضان

– صباح الفل عليك

– الفجر ادّن؟

– ماسمعتوش، بس هو على أدان حالا

– الله يقوّى الهمه

– كله على الله

ويواصل “رمضان” سعيه فى سقى الأشجار على الرصيف. كانت موجة الحر قد بدأت تنكسر، وفرحت أنه لن يصلَى بلظاها اليوم فى عز الظهيرة، وأعتقد أننا تبادلنا الدعوات دون اعلانها.

صلاة الإنسان المعاصر:

 وجدت على مكتبى التسع أو العشر صحف التى تصلنى قبل الفجر، ها هو مقرر الصباح الثقيل، أواصل به انتمائى، وأنا أضبط أنفاسى، وأكظم غيظى، واكتشف جهلى وعجزى عن متابعة ما لا يُتابع، ويغلبنى الغثيان من مقالات تحصيل الحاصل، والنفاق، والتسطيح والكذب، لكننى أواصل محترما مقولة هيجل “أن قراءة الصحف اليومية هى صلاة الإنسان المعاصر”، ربما – بالنسبة لى –:  لما تتطلبه من صبر وتفويت!!

 الجهل نور:

يتصدر صحف اليوم (الاثنين 10 مايو) موضوعان رئيسيان: “أزمة اليونان”، “وفوز الأهلى بثلاثة أهداف نظيفة على الاتحاد الليبى”، أقرأ فى هذا الخبر الكروى كيف دخل “شهاب الدين احمد” التاريخ!!: بهدفه الصاروخى فى الوقت بدل الضائع من الشوط الثانى (أى والله!) دخل التاريخ”، هكذا خبط لصق، قلت “خيرا”!! فأنا جاهل فى الكرة تماماً، كما أن لى خصومتى مع ما يسمى “علم التاريخ” وهى خصومة ممتدة.

أنتقل إلى الموضوع الرئيسى الثانى: “الأزمة الاقتصادية فى اليونان”، ينكشف جهلى أكثر فأنا أجهل فى الاقتصاد من جهلى فى الكرة عشرات المرات، وإذا كان حفيدى يوسف يحاول أن يثقفنى فى الكرة، فإننى أتلقى معلوماتى الأساسية فى الاقتصاد من مرضاى غالبا، إلا أن أيا من هؤلاء لم ينجح أن يمحو أمّيتى لا فى هذا ولا فى ذاك، مالى أنا بأزمة اليونان الاقتصادية؟ ما يهمنى منها هو تأثير هذه الأزمة علىّ، وعلى “رمضان”: هذا ما أيدتنى فيه صحيفة الشروق وهى تقول: …هبطت البورصة المصرية أمس إلى أدنى مستوى لها منذ شهر نوفمبر الماضى على خلفية القلق الذى لدى المستثمرين بسبب أزمة ديون اليونان…، ….، ثم تردف: فقد المؤشر الرئيسى للبورصة EG x 305.05% إلى 6756 نقطة” ثم ها هو العضو المنتدب لشركة هرمس للسمسرة فى الأوراق الماليه، ينبهنى إلى: “.. أن الذى زاد الأزمة حدّة هكذا هو الخطأ الفنى الذى سلب مؤشر “داو جونز” الأمريكى ألف نقطة فى نصف ساعة”….!!، وفى صحيفة المصرى اليوم كان العنوان الرئيسى هو “غبار أزمة اليونان يصيب البورصة المصرية”…الخ، ما كل هذا التعقيد، كيف أترجمه؟ أنا لا أفهم شيئا بشكل يطمئنى أنا، أو رمضان على علاقتنا أو استمرارنا أحياء شرفاء، هممت أن أنزل إليه وأعتذر، عن ماذا؟ لست أدرى.

اعتذار:

بعد أن صليت الفجر لم أستطع أن أقاوم رغبتى فى النزول إليه فوجدته عائدا من صلاة الفجر فى المسجد المجاور.

– حرماً يا رمضان

– جمعا إن شاء الله

هممت أن أحييه مصافحا باليد بدلا من الاعتذار، تراجعت حتى لا يظن بى الظنون، لم ينتبه وأسرع إلى خرطوم المياه بنقله إلى الشجرة التاليه، فواصلت تراجعى وصعدت إلى مكتبى.

النقود تتعملق وتقود:

علاقتى بالنقود شديدة السوء، برغم أننى ميسور الحال جدا، ربما يرجع ذلك إلى أصلى الريفى، أنا لا أعرف شيئا عن ما يسمى “النقود” إلا ما أمسكه بيدى، لا أعتبر الشيكات نقودا مهما بلغ عدد الأصفار فيها، ولا أطمئن لقيمتها أو صحتها إلا بعد صرفها والإمساك بما يقابلها نقداً وعدًّا، وحين سخطوا الجنيه الأخضر العزيز وحوّلوه إلى ذلك القرش التعريفة القبيح برغم تزييف حافته بما يشبه الذهب، حزنت حزنا شديدا برغم أن سائس السيارات كان قد حاول أن يفهمنى – بزغراته- ما آلت إليه قيمة الجنيه قبل أن تتخذ الحكومة هذه الإجراءات الواقعيه، أما خدعة البطاقات الائتمانية (الفيزا كارد والماستر وما أشبه) فهى لم تستدرجنى إلا نادرا، أفضل دائما أن أدفع حسابى نقدا (كاش) لأعرف كم انفقت ولو على دعوة عشاء لأصدقاء أحبهم، فأفرح بكرمى، أو أفزع من تبذيرى..الخ هذه المشاعر توثق علاقتى بنعمة ربنا المسماه “النقود”، إلا أن ما بلغنى مؤخرا وأنا أتابع الأزمة تلو الأزمة، من عقارات أمريكا، إلى بنوك دبى، إلى الأزمة اليونانية مع أغلب الهوامش والملحقات المتعلقة “بحروب العملات” (انظر بعد) اكتشف أن هذه النعمة (النقود) قد استقلت عن تاريخ نشأتها وأصل وظائفها، لتصبح مثل الروبوت الآلى الذى صنعه الانسان بذكائه، وإذا به ينفصل عنه ويستقل ويهدد وجود صانعه ويلاحقه ليستعمله أو يدمره.

أساتذتى المرضى:

 كان مرضاى قد علمونى بعض أبجدية التعامل بالعملات فى البورصة وما يشبه البورصة. يتصادف أن يستشيرنى أحد الشباب العاملين فى البورصه استشارة طبيه، فأحاول أن أفهم طبيعة عمله، لأربط بين ذلك وبين ما يعانى منه، فأعجز تماما، لكن يصلنى أن المسألة أكبر من فهم واحد مثلى، فأتساءل وأسأل الشاب: إذن كيف يغامر هؤلاء الكادحون العائدون بعد سنين الغربة بالتعامل فى هذا الشئ المعقد جدا، الذى اسمه البورصة فى حين أقف أنا هكذا عاجزا تماما عن معرفة الف باء قواعد اللعبة؟ أطرح هذا التساؤل على صديقى الشاب (المريض) فيجيبنى بأمانة “ربنا يستر”، ويشرح من جديد ما لا أفهمه، وأكاد أشعر به يحمد الله أننى لست من زبائنه.

اسأل صديقا (مريضا آخر) عن دخله فى غربته، فيقول لى إن راتبه كذا مائة ريال فى الشهر، فى بلد خليجى، لكنه “يلعب” فى العملات بطريقة ذكية، فيستطيع أن يزيد دخله بضع مئات من الريالات فوق راتبه، طبعا لا أفهم تعبيره “يلعب فى العملات”، فأسأله، فيشرح كيف يشترى العملة الفلانية حين يشعر بحدسه وبحساباته (المصرية الفهلوية) أنها سترتفع بعد كذا يوم، ثم يبيعها، بعد أن يكون قد تخلص من عملة أخرى توقع هبوطها، وهكذا، أروح أتأمله، وأعجب بذكائه، وأخاف عليه، وأدعو له، ولا أفهم شيئا أكثر.

أرجع إلى مقالى القديم فى الوفد (14-5-2001) بعنوان “من يحكم مصر ومن يحكم العالم” فيخفف عنى نسبيا بعض هذا الشعور بالجهل حيث عريت فيه دور شركات الدواء التى تقوم بتسخير العلماء لأغراضها، ثم تمارس غسيل أمخاخ الأطباء لخدمة النقود قبل المرضى، أو على حساب المرضى، وأقيس على ذلك شركات السلاح وإعلام الإرعاب، بل وإثارة الحروب، وقتل الأبرياء خدمة للنقود أولا وأخيرا، حتى أننى شككت فى أنهم يفعلون ذلك بوعى كامل.

عودة التاريخ:

أرجع إلى كتاب فوكوياما نهاية التاريخ، وأتابع تراجعه النسبى إلى “عودة التاريخ”، ويبدو أن “نجادى” و”شافيز”  والصين قد اضطروه للعودة، لكنه عاد دون تعلّم من دلالة ذلك، ثم أنظر فى موجز كتاب “حروب العملات”Currency Wars  تأليف الأمريكى من أصل صينى سنوغ هونغينج (2006)، فأفهم ما يفزعنى، وأفزع مما لا أفهمه أكثر، ويزداد جهلى تضخما، ولا تخففه المحاضرة التى ألقاها مهاتير محمد فى “مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية” فى أبو ظبى تحت عنوان “الأزمة المالية العالمية.. الدروس المستفادة والفرص المتاحة”، فأتصور أن مقال أ.د. سلطان أبو على المنشور فى صحيفة الوفد نفس اليوم (الاثنين 10/5)، هو المذكرة التفسيرية لكننى أجد أنه يناقش المسألة اليونانية مع لمحة محدودة لأمرنا فى نهاية المقال، وأتعجب من غبائى برغم وضوح المقال فى شكل س & ج!!

الصحف القومية فى عز الاستقرار!

اضطر للعودة إلى الصحف القومية فلا أجد فيها فى نفس اليوم الأثنين (10/5) اهتماما موازيا بنفس الموضوع، فأتصور أنه بعيد عنا، أو أنها بعيدة عنه وعنا، لكننى أتذكر مقالا فى أهرام السبت الماضى “إما الانهيار أو العبودية”، بقلم رئيس مجلس الإدارة!! فتحضرنى فقرات من خطاب السيد الرئيس فى عيد العمال، فأحمد الله على سلامته،

ولا أطمئن.

فأزداد جهلا

وأزداد خوفا،

خاتمة:

أنزل عدوا إلى “رمضان”، وأكاد أجذب منه خرطوم المياه قبل أن ينتبه، وأصافحه عنوة وهو يتعجب ويتملص من قبضتى وأنا أتصنع أنى أمازحه، فيقول مرحبا أو مشفقا

– إيه؟ فيه إيه؟ خير؟

فأرد:

– خير اللهم اجعله خير، مش عايز حاجة يا رمضان؟

فيقول:

– أبدا، الحمد لله

ونتبادل دعوات أخرى فى صمت أيضا لكنها أكثر حرارة، و..و أكثر ألما، وأملا

 (طبعا: لنا عودة وعودة، المفروض يعنى!)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *