نشرة “الإنسان والتطور”
22-8-2010
السنة الثالثة
العدد: 1087
تعتعة الوفد
رمضان، والدين، والإيمان، والثقافة، والإسلام؟؟
علاقة الدين بالثقافة علاقة وثيقة دقيقة، حتى أن ت.س. إليوت، وهو الشاعر الناقد الباحث كاد يرادف بينهما فى كتابه: “ملاحظات حول تعريف الثقافة” وهو يذهب فى ذلك إلى أبعد الحدود، فينتبه المترجم “د.شكرى عياد” إلى مبالغته، ويحذرنا منها، فيقول فى مقدمة الترجمة كيف أن “إليوت” قد تأثر فى قضايا معينة بميوله الشخصية، حين أكد وألح – مثلا – على “..فكرة ارتباط الدين بالثقافة”. يقول د. عياد فى ذلك إنها “فكرة لا أحسب أن أحدا من الباحثين ينكرها، أو يستطيع إنكارها، إلا أن إليوت يؤكد هذا الارتباط تأكيدا يكاد يمحو الفرق بين الثقافة والدين، أو يجعلهما مترادفين فى كثير من الأحيان، فأضيف: الثقافة التى يتناولها إليوت بالفحص والمراجعة ومحاولة التعريف، هى نسيج الوعى الجمعى، وشبكة العلاقات والتقاليد” من أول طهى الملوخية إلى حفلات السبوع مرورا بالعادات والعبادات، (ضرب إليوت مثلا: أنه من أعراض انحدار الثقافة فى بريطانيا عدم المبالاة بفن إعداد الطعام). إن هذا الاتساع فى المفهوم هو الذى يمكنه أن يحتوى الدين والثقافة كمترادفين.
عددت فى الأسبوع الماضى ثمان قضايا نبهت إلى خطورة الانغلاق فى إقرارها كشعارات راسخة بـ “نعم” دون خلخلتها بـ “لكن”، وكان من بينها شعار “الإسلام هو الحل”. جاءتنى احتجاجات كثيرة حتى الرفض فانتبهت إلى ضرورة توضيح علاقة هذا الشعار بالثقافة والدين على حد سواء.
لقد نسى الذين رفعوا هذا الشعار “الإسلام هو الحل” وأفرطوا فى استعماله لأغراض مختلفة أهمها الانتخابات، نسوا أو تجاهلوا أن يبذلوا الجهد الكافى ليشرحوا لنا “أى إسلام” “هو الحل”؟ وما علاقة ذلك بالثقافة؟ إذا رجعنا ننطلق من اجتهادات ت.س.اليوت فى نفس العمل لوجدناه يقرر: “إن ثقافة تحقق دينا يتحقق أيضا فى ثقافات أخرى هى … أرقى من ثقافة تختص دون غيرها لدين من الأديان”، يقول إليوت أيضا: “إن الدين الواحد يمكن أن يمد ثقافات شتى” ثم يردف: “الثقافة فى جوهرها هى تجسيد لدين الشعب” ثم يبين أنه “من الملاحظ أنه فى بعض الأديان يصل التمايز إلى ظهور دينين فى الواقع، دين العامة، ودين للخواص.
فهل فكر رافعوا شعار “الإسلام هو الحل” أن ثّمَّ إسلام للعامة، وإسلام للخاصة؟ وهل هناك إسلام شعبى، وإسلام رسمى؟ وهل هناك احتمالات أخرى؟
من هنا وجب التوقف طويلا عند هذا الشعار ونحن نبحث مدى احتمال تطابق الدين مع الثقافة، ثم لنا أن نتساءل: كيف يكون الدين الرسمى الواحد “هو الحل” مع وجود ثقافات كثيرة؟
يا ترى على أى إسلام ينطبق هذا الشعار: “الإسلام هو الحل”؟ أى إسلام هو الحل؟ الإسلام الرسمى أم الإسلام الشعبى؟ وهل هناك تناقض بين هذا وذاك؟ حين يتبدى الدين فى السلوك كثقافة فإنه يصبح متعدد التجليات متنوع الدلالات؟ فكيف يتم التوفيق بين الدين الشعبى، والدين الرسمى؟ أو بين دين العامة ودين الخاصة من العلماء؟ وهل هناك خوف من أن يكفر الخاصة العامة ويرفضون ممارساتهم، أو أن يُطَنِبلُ (بالعامية: يطنِّش) العامة الخاصة ويمارسون الدين بتلقائيتهم وفطرتهم؟
لمحاولة الرد على هذه الأسئلة خشية الخلط فى التطبيق لابد من التوقف، لنعيد تعريف الثقافة بالمعنى الأشمل، ومن ثم بعلاقتها بالدين، وهنا يجدر بنا أن نرجع إلى إليوت وهو يقول: “إن ثمة وجها يمكننا أن نرى منه الدين على “أنه كل طريقة الحياة لشعب من الشعوب، من المهد إلى اللحد، من الصبح إلى الليل، وحتى أثناء النوم، وطريقة الحياة وهذه هى الثقافة أيضا”.
ثم يحل رمضان، فأجدها فرصة لتوضيح الأمر:
إنه بمجرد حلول شهر رمضان الذى أُنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، يتجسد أمام أعيننا تعدد الثقافات، وبالتالى تعدد السلوكيات المتصلة بالدين بشكل مباشر أو غير مباشر. رمضان هو شهر تكتمل بصومه أحد أركان الإسلام الخمسة، صوم رمضان هو ببساطة عبادة وفريضة إبداعية جميلة دورية، تعود كل عام تذكرنا بما ينبغى أن نتذكره، فنتذكره، أو نتنكر له ونحن نتصور أننا نتذكره، أما حقيقة ما نعيشه من تنوع علاقتنا برمضان فهو خير دليل على تنوع ثقافاتنا الفرعية، وبالتالى هو إشارة ضمنية إلى صواب رأى ت. س. إليوت ولو جزئيا، عن علاقة الدين بالثقافة من ناحية، وعن تنوع الثقافات وتضفرها إن أمكن ، بما فى ذلك الثقافات الفرعية من جهة أخرى،
وفيما يلى مجرد عناوين لمثل هذه الثقافات الفرعية التى تتجلى فى رمضان، وسوف أكتفى بعرض أسمائها على محاور أربعة:
المحور الأول: محور العبادة والتقرب إلى الله (وهو الأصل)، فثَمَّ رمضان الصوم = الامتناع عن الأكل والشرب والمعاصى حتى اللمم، وثّمَّ رمضان صلاة القيام، وثّمَّ رمضان تلاوة القرآن، وثّمَّ رمضان صلة الرحم، وثّمَّ رمضان التوبة والإنابة
المحور الثانى: رمضان الثقافة الشعبية: فثّمَّ رمضان الفانوس، وثّمَّ رمضان المسحراتى، وثّمَّ رمضان سهرات الدواوير والمقاعد حول تلاوة القرآن والتزاور، وثّمَّ رمضان الحضرات والذكر الجماعى البهيج، وثّمَّ رمضان أهازيج وداعه قرب نهايته.
المحور الثالث: تنوع الثفافات الفرعية حسب البعد الجغرافى: فثّمَّ رمضان القاهرة، وفى القاهرة نفسها: ثّمَّ رمضان الحسين ، وثّمَّ رمضان الهلتون، وثّمَّ رمضان الزمالك، وثّمَّ رمضان باب الفتوح، وثّمَّ رمضان سوق السلاح، وثّمَّ رمضان الرحاب، ثم نخرج إلى خارج الحدود فنجد الاختلافات الثقافية بين رمضان القاهرة، ورمضان مكة المكرمة، ورمضان صفاقس بتونس، ورمضان باريس، ورمضان لوس انجلوس، ورمضان بنجلاديش
المحور الرابع: مستوى الترفيه وتزجية الوقت فعندك: رمضان المسلسلات، ورمضان الفوازير، ورمضان الولائم بتباهى أو بغير تباهى، ورمضان السهر والهرْج، ورمضان الكسل واللاعمل ، ورمضان قلب الليل نهارا والنهار ليلا.
وبعد
إذا كان التطبيق العملى بالنظر فى تنوع الثقافات بالنسبة لتجليات تتعلق بعبادة واحدة هى “صوم رمضان” يقربنا من رأى ت.س. إليوت عن علاقة الدين بالثقافة، وبالثقافات الفرعية، فهل يساعدنا ذلك فى إعادة النظر فى الشعار المطروح “الإسلام هو الحل” إذْ نتبين أن الإسلام ككل هو أيضا ثقافة كلية تتجلى بأشكال وانماط مختلفة فى كل جماعة حسب ظروفها التاريخية والجغرافية وحسب أعرافها وتقاليدها وثقافتها الفرعية؟
وإلى أن أرجع إلى تناول تجليات الإسلام الثقافية وبالتالى تنويعات الإسلام المحتملة (دون المساس بالجوهر) أكتفى بالتذكرة بأن الإسلام بداية ونهاية، ليس إلا وسيلة تسهّل السعى إلى الإيمان من كل صوب وحدب، بكل ثقافة وابتهال وعبادات وكدح إلى وجه الحق تعالى.
“قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم” صدق الله العظيم.
يصلنى من هذه الآية الكريمة أن الإسلام هو طريق إلى الإيمان حتى يدخل فى قلوبنا
يقول إليوت أيضا: “كلما كان الدين أرقى كان الإيمان به أصعب بكثير”،
نحن كمسلمين – مثل معظم أصحاب الديانات التى لم تتشوه – نتصور أو نوقن أن الإسلام هو الدين الأرقى، فهل معنى ذلك أن الإيمان هو أصعب بكثير؟ وهل نحن فعلا نمارس فى رمضان أو غير رمضان ما هو أصعب كدحا إليه ليدخل الإيمان فى قلوبنا؟
أرجو أن أغطى فى مقال قادم بعض تجليات الإسلام – جغرافيا وعرفيا – دون المساس بجوهره ومن ذلك البحث فى الفروق بين كل من: الإسلام النجدى، الإسلام المصرى، الإسلام التونسى، الإسلام الروسى، الإسلام الثورى، الإسلام الاسماعيلى، الإسلام الملكى السلطوى، الإسلام الخومينى، الإسلام الخليجى، الإسلام الأمريكى الأسود، الإسلام الحماسى، الإسلام الجارودى (نسبة إلى روجيه جارودى) الإسلام الأُباَمىِ!!… (نسبة إلى أوباما، وغير ذلك!!).
فأى إسلام بين كل هذا “هو الحل”؟