تعتعة الوفد: دمَقـْرَطْْ بالديمقراطية، حتى يأتيك العدلُ بالحرية!!

“نشرة” الإنسان والتطور

8-8-2009

السنة الثانية

العدد: 708

    تعتعة الوفد

دمَقـْرَطْْ بالديمقراطية، حتى يأتيك العدلُ بالحرية!!

بعد صدور مقال الأسبوع الماضى، وصلتنى من بعض الأصدقاء احتجاجات متنوعة، وتساؤلات محقة، مثل أنه: “ما دمتَ قد اعترفت أنك لا تفهم فى السياسة، مثله، فبأى معيار تحكم على هذا الشاب المصرى، الذى بدا أنك تحبه وتريد له السعادة بأن يعيش بقدراته العادية الرائعة مواطنا مصريا ناخباً لا منتَخَباً، فرحا معطاء، اعترافك بعدم فهمك للسياسة ملزم لك بما وصفتَ به نفسك، ولكنه يفسد حكمك على غيرك”!!

 بصراحة اعتراض وجيه دفعنى إلى المراجعة فوجدت أن  السياسة هى: “فن الاقتدار على التعامل فى  الممكن”، أو هى “قدرة إدارة الاختلافات”، لم أرتو، تصورت أن على من يعمل بالسياسة أن يعرف على الأقل ما يلى:

السياسة هى أن تخرج من الناس إلى الناس لا أن تهبط عليهم من علٍ، وأنت لا تعرفهم قبلا

السياسة هى أن تستمع إلى الناس وسط الناس، لا أن تقرأ كتب السياسة والاقتصاد جدا جدا

السياسة هى أن تحتوى وعى الناس، لتتمثله، فتقوم عنهم، ومعهم،  بتنظيم أمور حياتهم

السياسة هى أن تتحمل مسئولية الناس، وأنت تخطو بينهم وأنت واحد منهم

السياسة هى أن تحمل هم الناس من واقع نبض الناس، لا مما تسمعه عن آلام الناس

ثم تساءلت هل “هو”، أو ما يسمى حزبه، أو شخصىَ الضعيف، نمارس أيًّا من ذلك؟

أنا لا أوصى أن نبدأ بكل ذلك، وإلا فلن نجد من يصلح أن يشتغل بالسياسة أصلا. من هنا وجب علينا أن نقبل البدايات أيا كانت، ثم نتابع قياسها بما تقدم، خذ مثلا ثورة يوليو، لم تبدأ كحركة سياسية تحتوى أيا من هذه المعانى، بل بدأت حركة عسكرية محدودة، فى محاولة تصحيح عنيف، لوضع طارىء فى نادى الضباط، فكانت حرّكة “أو تحريك”، لكن الناس قلبوها ثورة، ثم إنها استجابت لهم فاصبحت الحركة ثورة، لكنها لم تنجح أن تستمر سياسة من الناس إلى الناس، وحتى وقتنا هذا.

السياسة “هى فن إدارة الحياة معا”.

الإنسان سياسى بطبعه، سواء كان فاعلا، أم مفعولا به، طالما أنه يعيش وسط جيران، فى مجتمع، بين محلات، وأفران، ومدارس، ومصانع، ومزارع، و شوارع، فيها مواصلات، وناس، لهم حكومة  تقوم بتنظيم  العلاقات، وإدارة الاختلافات. السياسة إذن هى: “إدارة الحياة معا“، فكيف تحدد دورك؟

  خذ مثلا: اذا كان لصوتك الانتخابى  قيمة فى اختيار من يديرأمورك وأموره “معا”، فأنت سياسى ممارس أيا كان موقعك، أما إذا حُرمت هذا الحق، فأنت ممارس للسياسة أيضا، ولكن على الجبهة الأخرى، ولو بالعصيان المدنى، أوالغضب، أو الانسحاب أو اللامبالاة،  أو حتى الجريمة.

حين تنفصل السلطة عن الناس  تختفى كلمة “معا” ولا يتبقى إلا “الإدارة” التى تصيب حينا، وتخطئ أحيانا  بلا فرص  حقيقية للتصحيح، ومن هنا تبدأ اجتهادات الحلول الذاتية أفرادا وفئات، لمجرد الحفاظ على نوع من البقاء والسلام، وكلما زادت المسافات، زادت المضاعفات، حتى لا يتبقى بين المدير والمُـدار  سوى رعب الأضعف من سحق الأقوى، وصياح الأضعف – أحيانا – فى وجه الأقوى.

حين لا نتقّن آلية “كيف نديرها معا“، قد نجد أنفسنا فى يد من يديرنا ممن لا نعرفه، ولا يعرفنا، وليس بيننا وبينه إلا الاستعمال الحذر المتبادل: نشاط من الرشاوى والتخبط على جانب، وخليط من الرعب والتوجس على الجانب الآخر.

“الديمقراطية هى الحل”!!

مجرد أن تسأل: فكيف نديرها معا؟ حتى يقفز إليك شعار مقدس يقول: “الديمقراطية هى الحل”، وحين تفحص قدسية هذا الشعار سوف تفاجأ أنه ليس إلا صنما عاجزا، أنت حين تستسلم  أن يدير أمورك (دون استثناء رؤساء دول عظمى) مَنْ نجح أن يخدعك حتى انتخبته ليمثلك ويخدم مصالحك ومصالح الناس، فأنت تسلم أمورك إلى ترس صنم يدور  فى آلة، يديرها من لا تعرف، ومن لا يعرف.

إذن ماذا؟

فى بلدنا يقولون “تجمـّزْ بالجميز حتى يأتيك التين” ، وهى ترجمة شعبية لـ “إدارة الممكن”، وبما أن الممكن الآن هو عبادة صنم الديمقراطية، فدعنا نقول قياسا: “دمِـقـْرَطـْ بالديمقراطية، حتى يأتيك العدل الحق العليم“

 قيل: وكيف ذلك؟

ليس عندى حل جاهز، ولكن دعنى أبشرك أن العالم كله من السياسيين المبدعين والبسطاء (أى كل البشر) يجتهدون ليل نهار فى البحث عن سبيل آخر لترسيخ العدل، حتى تتاح لكل الناس أن يمارسوا سياسة حقيقية، لحرية حقيقية.

التكنولوجيا التواصلية عبر العالم تهيئ  الفرصة لتخليق “وعى عالمى جديد” ، قادر على  إبداع حل آخر، قادر بدوره على مواجهة خدعة “النظام العالمى الجديد“، وإلى أن نجد الحل، وسوف نجده، ليس أمامنا إلا أن نمارس “إدارة الممكن”لكن لابد أن نقر ونعترف طول الوقت أنه ممكن مؤلم، ظالم غبى، وقصير العمر. لتكن الديمقراطية المعروضة هى أفضل الحلول السيئة الحالية، لكنها ليست هى الحل الدائم،

 إذن ماذا؟

الحل يجرى تشكيله فعلا، إبداعا عبر العالم، بكل ما يملك الإنسان من عناد وإبداع فى محاولة الحفاظ على نوعه مكرما، لست متعجلا، فتاريخ التطور يقاس بآلاف السنين، لكن علينا أن نتألم ونحن نمارس هذا الحل المؤقت حتى لا يصير حلا دائما، علينا ونحن نستعمله حماية لنا من نقيضه الأكثر ظلما وسحقا وغبا، أن نحافظ على رفضنا له “متألمين”، وذلك حتى ننجح أن نبدع بجهود كل السياسيين –كل الناس-، فى تخليق آليه  أقدر تسمح لنا أن “ندير حياتنا معا”، هنا، وفى كل الدنيا، لنحافظ على نوعنا مثل النمل!!.

هذا، وإلا!!

www.rakhawy.org