نشرة “الإنسان والتطور”
25-10-2009
السنة الثالثة
العدد: 786
تعتعة الوفد
دعوة للمشاركة فى بحث علمى مقارن عن: “المصريين اليوم”
لستُ من الذين يزعمون أننى لو لم أولد مصريا لوددت أن أكون مصريا، ولا حتى أننى لو لم أولد مسلما لفكرت أن أكون غير ذلك، إيش عرفنى؟ الله أعلم، نحن نولد بالصدفة حيثما كان أهلنا، ونتوطن بالوطن الذى ولدنا على أرضه، ونتدين بالدين الذى عليه آباؤنا، ثم نمضى حياتنا ويموت أغلبنا، فيما عدا استثناءات نادرة، على دينه وهو بنفس جنسية وطنه، ويلقى الله يحاسبه على اجتهاده فيما وجد نفسه فيه، وعلى كدحه إليه، لا أكثر ولا اقل.
وبرغم كل ذلك، وربما بسببه، فأنا فرح بوطنى، أحاول أن أبحث فيه وله عن أحلى ما فيه، وأصلح ما له، وراض عن دينى أحاول أن أخرج منه بأفضل ما يقربنى إلى الحق تبارك وتعالى، فأجدنى بذلك أقترب منه، ومن أهل أوطان أخرى، وأتصالح مع أهل أديان أخرى، …إلخ
ليس هذا هو موضوع مقال اليوم، الفكرة التى بدأت بها سلسلة هذه المقالات هى محاولة نقد هذه النغمة السائدة والمتزايدة فى التركيز على ما آل إليه حال المصريين اليوم، وأوجز فيما يلى الخلفية النظرية للبحث، والتى ردت إشارات إليها فى المقالين السابقين (مع تذكر أن “الأهم” لا يلغى “أهمية ” “المُهم”):
- أهم من تسجيل “ما حدث” : هو رصد ما “يحدث” لأن هذا “الذى يحدث” هو القابل للتغيير بدءا من “الآن“.
- أهم من البحث عن أسباب ما حدث لتسجيلها ووضع اللوم على مسببينها، وهو أمر فى الماضى ونحن لا يمكن تغيير الماضى: هو أن نسأل أنفسنا : إذن ماذا؟
- أهم من تسجيل المقارنة بين أيام زمان (مدعين أنها أيام الزمن الجميل):النظر فى الفرص المتزايدة بالتكنولوجيا وغيرها، لتحريك وعى البشر لتصنيع عالم اليوم وتشكيل وعى بشر اليوم: أروع وأقدر وأكثر عطاء : كنا ننتظر عدة أعوام حتى يأتى دورنا للحصول على خط هاتف أرضى، ونسترق السمع من بعيد إلى راديو الإمام أفندى أبو عمارة على الزراعية، والآن 23 مليون مصرى يحملون موبايل إحدى الشركات، وجميع جوارى العالم ترقص للبواب على شاشة تلفازه فى حجرته بما لم يحلم به هارون الرشيد، أوافقك وأشاركك أن نتحدّث عما فى ذلك من سلبيات، ولكن إنتظر – واعمل- حتى يذهب الزبد جفاء، ثم نرى ماذا يمكث فى الأرض
- من حق من ينبرى للحديث عن السلبيات التى حدثت أن يعزوها لتقصير السلطة أو قصورها نتيجة اكمئنانها (السلطة) إلى أنه من القيم السلبية الجديدة التى نرزخ تحت وطأتها هى أن نعتبر أن الحديث عن “تداول السلطة”، أصبح “كلاما عيبا” فى الذات الحاكمة، وأيضا “فعلا مستحيلا”، هذا نفسه هو الذى يلزمنا أن نسعى لنقل هذه القيمة من خانة الاستحالة إلى حقيقة تهديد القائمين على أمرنا : بأنهم إن لم يسارعوا بوقف سلبيات ما يحدث، فسوف نغيرهم إن آجلا أو عاجلا، إما بانتخابات حقيقية، أو بإطلاق ثورة كامنة تتجمع فى كل منا كل ثانية .
- ما يبدو من استحالة تداول السلطة المسئولة الاولى عما يحدث للمصريين فى الوقت الحاضر، ليس مبررا لأن نتوقف افرادا وجماعات حتى نجعل المستحيل ممكنا فى يوم ما، لكن أثناء ذلك على كل واحد منا – سوف يلقى الحق تعالىفردا- ، أن يبدأ بما يقدر الآن، وليس بعد، فردا فردا، فمجموعة، فجماعة، ..إلخ، إن كان يهمه أن يبقى نوعه (البشر) ويستمر: مثلما فعل النمل والصراصير والضفادع بلا حكومة ولا انتخابات، فلم ينقرضوا، مثلنا (هيه !!)، فأصبحنا معهم نمثل واحد فى الألف من سائر الأحياء عبر التاريخ، والباقى انقرض بالسلامة !!! حقيقة علمية!!!)
- علينا أن نحسن قراءة الأرقام ونعيد قراءتها المرة تلو المرة، ونحن ننظر حولنا لنتحقق من صدقها وموضوعيتها لا أن نستسلم لها(للأرقام) لتحل محل الواقع الجارى حولنا، مهما كان مصدر هذه الأرقام: بحث علمى، أو مسح اجتماعى، أو مصدر عالمى، أو رسالة دكتوراه
- علينا أن نتعلم كيف نحسن قراءة أرقام الأبحاث ونحن نتلقى المعلومات مهما كان مصدرها العلمى، وذلك بالمشاركة فى إعادة تقييم ما جاء فى الخبر الذى وصلنا.
وبعد
هيا معا نمارس البحث العلمى من واقع دراسة مقارنة أجراها بنك UBS السويسرى حول الأسعار والأجور فى 73 مدينة عالمية :
(جريدة الشروق: الاثنين 24-8-2009 ): كشفت الدراسة أن العامل فى القاهرة يعمل 2373 ساعة فى المتوسط سنويا، فى حين أن المتوسط المتعارف عليه عالميا لساعات العمل اليومية لسكان المدن هو 1902 ساعة سنويا، وتأتى بعد القاهرة فى هذا التصنيف مدينة سيول عاصمة كوريا الجنوبية، بمتوسط قدرة 2312 ساعة. ووفقا للدراسة فإن متوسط ساعات العمل اليومية فى المدينتين يزيد على المعدل العالمى بما لا يقل عن 600 ساعة. واحتلت أوسلو، عاصمة النرويج، المركز الأول بصفتها أغلى مدينة فى العالم، وتلتها العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، فمدينة زيوريخ السويسرية ثالثة.
الدعوة هى : أن تقوم بمشاركتى فى قراءة هذا الخبر موضوعيا كالتالى:
- تقارنه بما يقوم به عم عبد العاطى البنا ّ أو “محمود” عامل الخرسانة يرمى سقف شقة شاب عائد من الخليج، فوق شقة والده فى حارة السكر والليمون
- تقارنه بما وصلك (من إشاعة أو حقيقة) أن متوسط عمل العامل أو الموظف المصرى هو 37 دقيقة فى اليوم
- تقارنه بحالة شاب ممدد على “لابلاج” فى مارينا، وهو ينتظر نتيجة امتحان لم يدخله، فى إحدى الجامعات الخاصة.
- تقارنه بما تشاهده فى أحد المصالح الحكومية أثناء شرب الموظفين شاى الصباح مع أو بدون ساندوتش الفول المتين،
- تقارنه برأيك السابق فى هذا الشأن، ومثله!! وتتساءل لماذا كل هذا الفرق!!
(مع وعد بالعودة)