نشرة “الإنسان والتطور”
الأحد: 2-9 -2012
السنة السادسة
العدد: 1829
تعتعة الوفد
دبّرنى يا وزير، “التدابير لله يا ملكِ”
منذ 31 عاما نشرت هذه “القصة السياسية” فى مجلة فصلية مجهولة تكاد تكون نشرة خاصة لرئيس تحريرها (شخصى) ولم تكن تصل إلا لبضع مئات على أحسن الفروض، (مجلة الإنسان والتطور يناير 1981)، ثم بعد ما يقرب من عشرين عاماً، حدث التغيير الوزارى الشهير (أكتوبر 1999: إقالة د. كمال الجنزورى وتكليف د. عاطف عبيد)، فقفزت هذه القصة إلىّ من جديد تلح للنشر على مجال أوسع، لأنها كانت مطابقة لما حدث برغم غموضها، ولم تنشر. إما نتيجة لخوف المسئول أو غموض النص.
وتمر عشر سنوات أخرى، ثم نعيش هذا الاحتقان، فالغضب فالانفجار، فالفرحة، فمشروع ثورة، فمحاولة بناء دولة ديمقراطية أقل تشوها وبرئيس جديد، وجنزورى معدّل، ثم وزارة جديدة، وإذا بى أفأجا بالقصة تعاودنى هى هى، وكأن شيئا لم يكن،
فزعت وأنا أعيد قراءة نفس “النص” لأجده أكثر تطابقا وهو يتكرر فى ظروف أصعب، وينذر بنتائج أخطر.
حمدت الله أن الوفد مازال قادرا على تحمل قلمى منذ 1984 حين نشر لى مقالا بعنوان: “يوميات ناخب حزين” بمناسبة ما لاح من أمل فى انتخابات 1984، وحتى اليوم وهو يسمح بنشر ما منع، برغم صعوبة رموزه إذ يحتاج إلى قدر من العلم بقواعد لعبة الشطرنج، وأن تكون لدى القارىء قدر من التلقى المبدع يسمح له بالتنقل بين قطع الشطرنج واللاعبين والواقع الحى، حتى ولو اضطُّر إلى اللجوء إلى التفكير التأمرى ليفهمه. عذراً !
****
المتن: (1981 – 2012)
ـ 1 ـ
دخلت الطفلة حديثة العهد بالمشى إلى حيث كانوا، فراقها منظر الصفوف المتراصة، فأخذت تتأمل الجميع، إلاأنها سرعان ما ضجرت من أن أحداً لا يتحرك من مكانه، وتذكرت أيام أن كانت مُقعدة بلا حول، فمدت يدها تحاول تحريك الجمود فإذا بالجميع ينطرحون أرضاً، فزعتْ فى البداية ولكنها عادت تتأمل آثار ما كان، واحتارت: أى منهم استلقى على قفاه، وأى منهم انكفأ على وجهه، لم تطل حيرتها إذ أنها سمعت صوت أقدام ثقيلة تقترب، فانزوت فى الركن الأبعد.
ـ 2 ـ
حدث ذلك بعد فترة قصيرة من تلك الأحداث التى يذكرها أهل الاختصاص فى ترتيب رتيب، وينساها سائر الناس وكأنهم يفعلون ذلك بقصد عنيد، والأمر لا يحتاج إلى تكرار الرواية، لكن للتاريخ مطالب غير مفهومة، فتم تحديد المواقع ومراجعة الأدوار السابقة، والتأكيد على ضرورة سلامة البدايات حتى لو كانت محفوظة، وكان فى مقدمة الصفوف جنديان اثنان، وعلى الرغم من أنهما كانا من لونين مختلفين إلا أن الاتفاق كان أن يكونا معاً حتى تلحق بهما ـ أو بأى منهما ـ سائر القوات كما تقضى الأصول.
قال الملك للوزير:
ـ دبرنى يا وزير.
قال الوزير:
ـ التدابير لله يا ملك.
سأل الملك فى استطلاع:
ـ ألا نبدأ الآن؟.
قال الوزير فى أدب ظاهر:
ـ عفواً يا مولاي.. الأسود يؤخَّر فى العادة.. هكذا الأصول.
بدت على الملك بعض علامات الاستياء وعلق قائلاً:
ـ ولكن لِمَ لَمْ تقل لى ذلك من الأول لأغير لوني؟. ألا تعلم أنى أحب المبادأة لأمسك بزمام المواقف؟.
مال الوزير عليه وكأنه يسر إليه:
ـ ليطمئن جلالتكم، فلقد تلقينا وعداً أن الذى يلعب أخيراً يكسب أكيدا.
هز الملك رأسه، ولكن يبدو أنه لم يقتنع تماما، تأكد ذلك لأن شفتيه كانتا قد مُطَّتا بدرجة طفيفة لا يلحظها إلا متخصص، غير أنه قال:
ـ الأمر لله، قل له يبدأ من فوره.
التفت الوزير إلى الناحية الأخرى ونادى صائحاً: