الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الوفد بشرى: تداول السلطة بعد أقل من قرنٍ ونصف!!

تعتعة الوفد بشرى: تداول السلطة بعد أقل من قرنٍ ونصف!!

نشرة “الإنسان والتطور”

13-6-2010

السنة الثالثة

العدد: 1017

تعتعة الوفد

بشرى: تداول السلطة بعد أقل من قرنٍ ونصف!!

فرحتُ تماما بالتجربة الشريفة التى تمت بنبل وشفافية فى حزب الوفد، وبالرغم من ذلك لم أصبح وفديا برغم كل احترامى، كما لم استسلم لتقديس الديمقراطية برغم أنه ليس ثم بديل فى الوقت الحالى.

لكننى لم أكد أفرح بهذا الأمل الذى لاح فى أفق بعيد من خلال هذه الأرقام،  حتى ظهرت أرقام أخرى، أرقام عجيبة تماما برغم أنها مألوفة ومتوقعة ممن صدرت عنهم، إلا أن العجب هنا كان من تناقض طبيعتها المخزية مع فرحة من أعلنها وهو مرتاح تماما دون أدنى خجل. سحبتنى تلك الأرقام جرَّا إلى الناحية الأخرى جدا.

أنا لست أدرى كيف يقرأ الناس الأرقام عموما، أنا حذر جدا (كما يحذرنا النقاد، والعلماء جميعا) من قراءة الرقم فى ذاته، حتى أن قياس الذكاء المسمى معامل الذكاء، I.Q  والذى يقاس بالنسبة المئوية، يكاد يصبح بلا معنى إن لم يكن منسوبا إلى مكان صاحب هذه النسبة بين مجموعة ممثَّلة للجماعة التى ينتمى إليها الشخص المقاس، ولتوضيح ذلك، فإنك إذا قلت لأم أن نسبة ذكاء ابنها مثلا هى  80%  فإنها تفرح جدا ويخيل إليها أنه بذلك يستطيع أن يدخل كلية التجارة مثل ابن اختها (ابن خالته، اسم الله عليه الذى حصل على 80% فى الثانوية العامة)، فى حين أن هذه النسبة للذكاء (80%) تشير إلى أن صاحبها متخلف عقليا بدرجةٍ ما، وأنه لا يستطيع أن يحصل على الشهادة الإعدادية (إلا بالطريقة المصرية الحديثة، أى بالتعاون الجماعى لمنظمة الغش الأسرى المدرسى)

الخلاصة أنه: “لا قيمة لأى رقم فى ذاته، إلا إذا قرئ فى سياقه مُحَدَّداً بما يدل عليه

لكن إليك مثال آخر لخيبة الأرقام فى ذاتها، لعله أوضح وأكثر دلالة، خذ مثلا نسب نجاح الثانوية العامة، فالأصل فى الامتحانات هى أنها، لتحديد الحد الأدنى لاجتياز مرحلة معينة من التعلم (النهاية الصغرى)، بالإضافة إلى تحديد مستويات الممتحنين فيما بينهم: أى أنه تقييم للتنافس العادل بين مجموعة من الدارسين، وبالتالى تصبح النسب العبثية للثانوية العامة التى تعلن عندنا كل عام عن الحاصل على 98 % & 99 %  …الخ، هى خدعة غبية ترشو بها الحكومة الأهل والطلبة، وبالمرّة هى محاولة إسكات صحف المعارضة السطحية التى تساهم فى تسويق هذه الأوهام بالهجوم على ما يمسى “صعوبة الامتحانات”، أنا شخصيا التحقت بكلية الطب جامعة فؤاد الأول (القاهرة لاحقا بمجموع 71 % فى شهادة التوجيهية = (الثانوية العامة حاليا)، وهكذا.

الأرقام التى فرّحتنى الأسبوع الماضى، حتى وضعتها فى العنوان: وهى 58 % & 42%، هى أيضا لا معنى لها بشكل مطلق، لأنها أرقام نتجت عن تصرفات حضارية لحزب يحمل اسماً عريقا، نكاد لا نعرف حقيقة موقعه حاليا فى الشارع السياسى بشكل جازم، إن كان هناك شارع سياسى أصلا، حيث لم تتح له الفرصة الواقعية للاختبار الموضوعى، اللهم إلا من خلال توزيع صحيفته، وبعض كراسى مجلسى الشعب والشورى أحيانا، إذن فهذه الفرحة بانتخابات رئاسة الوفد – منى ومن غيرى–  هى قاصرة على هذه الجماعة فى هذه الظروف لا أكثر ولا أقل، هى فرحة بالتصرف الحضارى للمنافسين، وليس بالأمل فى تداول سلطة ما، وهى أيضا فرحة غامضة باحتمال إحياء الأمل فى انتقال العدوى إلى الحكومة، وبطانتها، (التى تسمى الحزب الوطنى عادة).

الأرقام الجديدة التى حركت فىّ كل هذا التحذير من دلالات الأرقام هى التى أعلنت بعد الجولة الأولى لانتخابات مجلسى الشورى (مجلس شورى من؟ ولماذا؟) نقرأ معا بعض ذلك.

جريدة الاخبار: الجمعة 4-6-2010″النتائج النهائية لانتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى،74 للوطنى و4 للتجمع والناصرى والغد والجيل، والإعادة 8 يونيو على 10 مقاعد بين 11 مرشحا للوطنى و9 مستقلين ، 7.8 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم من بين 25.4 مليون بنسبة 30%، وجاءت بجريدة الأهرام نفس الأرقام، فى نفس الصفحة الأولى مع تفصيل أدق: 30.8% أدلوا بأصواتهم بواقع 7 ملايين و829 ألف ناخب”.

أقول بصراحة إننى خجلت كمواطن مصرى يعرف القراءة والكتابة ويحترم السلطات غصبا عنه،! خجلت وأنا أقرأ هذه الأرقام حتى أنسانى خجلى فرحتى بأرقام انتخابات الوفد، ثم اكتشفت أننى أخجل بالنيابة عن هؤلاء الذين أعلنوا هذه الأرقام بهذه البساطة (ولا أقول بهذه البجاحة)، ثم حلّ محل خجلى هذا شعورى بالإهانة أو بالاستهانة.

رحت أتساءل: لماذا لم يخجل مثلى هذا الذى أعلن هذه الأرقام هكذا؟

 ثم إننى تعجبت فعلا من مظاهر فرحة الصحف القومية وهى تبرز هذه الأرقام على صفحاتها الأولى، بل شعرت أن رقم 4 مقاعد للمعارضة، قد نشر وكأنه هدية ثمينة للمعارضة كلها، وقلت فى نفسى ربما ليخزون بها العين، أو يمنعون الحسد، فمن تقاليد شعبنا الكريم، أن يعطى جزءًا من بعض ما يأكل لمن يظن أنه “نظر فى وجبته”، حتى ينزل الطعام معدته بالهناء والشفاء (وليس بالسم الهارى).

بالله عليكم هؤلاء الناس السذَّج الذين يحكمون هذا البلد، ما هى طريقة تفكيرهم بالضبط؟

هل يريدون بذلك أن نصدق أنه توجد –هكذا– ديمقراطية ولو فى هامش الهامش فهم بذلك يلوحون لنا أن هذا الهامش يتسع كل دورة انتخابية، ملليمترا أو اثنين بالسلامة؟

لكن والحق يقال، لا أريد أن أبخسهم حقهم جميعا، إذ يبدو أن من بينهم بعض المهذبين الأذكياء الذين فضلوا أن يراعوا عقولنا – نحن الشعب– فحاولوا أن يخففوا من وقع هذه النتيجة، فقاموا بالواجب هكذا:

قام هذا النفر الطيب من الحزب إياه – مشكورا– بتفويت بعض الأصوات، أو بعض أوراق الانتخاب سابقة التجهيز، إلى بعض أفراد أحزاب معارضة (قيل عضو فى التجمع فى دمياط، ولست أدرى واحد من الحزب الناصرى، لا أعرف دائرته، وربما ثالث من حزب مجهول)، لا شك أن هذا الفريق الطيب الذى فوّت هذه المنحة الذكية يستحق كل الشكر والتقدير من عامة الشعب أمثالى لأنه حاول أن يحترم ذكاءنا ولو قليلا، وعلينا نحن الشعب أن نعود باللوم على أفراد من هذه الأحزاب الذين احتجوا على هذا التفويت، لأنهم بذلك يعضون اليد التى امتدت لهم بكل هذا الكرم!!

وأخيراً دعونا نقرأ – بكل صبر–  دلالات تلك الأرقام المعلنة حتى لو صحّ أن الناخبين كانوا 30% وليس 3% كما أشار د.عمر الشوبكشى (الوفد6/6/2010) وكذلك دعونا ننسى حكاية قلة الخجل وغرابة الفرحة، لعلهم بهذه الأرقام يريدون أن يطمئنونا إلى مسيرة الديمقراطية على الوجه التالى:

أولاً: على جميع الشعب أن يصدقنا، مادامت المعارضة حصلت على أربعة مقاعد هكذا، برغم طول لسانها وجرأة محرريها، وبالتالى فإنها يمكن أن تحصل على خمسة أو ستة مقاعد حتى فى مجلس الشعب بإذن الله وكرم الحكومة .

ثانياً: إن شاء الله بإذن الله فى الانتخابات القادمة، فالقادمة، كل أربع أو خمس سنوات سوف تحصل المعارضة على مقعدين أكثر فأكثر، أى على سبعة مقاعد أو ثمانية، ولو بمناسبة زيادة عدد السكان على الأقل.

ثالثاً: وهكذا سوف يتم تبادل السلطة بالسلامة بعد أقل من قرنين، من يدرى، بل ربما يتم بعد أقل من قرن ونصف حسب وعود وكرم برنامج الحزب الطيب جدا هكذا.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *