نشرة “الإنسان والتطور”
15-7-2012
السنة الخامسة
العدد: 1780
تعتعة الوفد
الرئيس: المهدى المنتظر، وسيادة الدستور والقانون!
كنت قد أنهيت هذا المقال قبل أن يبلغنى قرار الرئيس بدعوة مجلس الشعب للانعقاد، مكتفياً بالإشارة إلى قرارين سابقين: “ديوان المظالم”، و”تشكيل لجنة القصاص للشهداء”، بالإضافة لتصريحات التوك توك، وكلها ألهمتنى ضعف احترام الرئيس للمؤسسات القانونية الدستورية، ورغبته – شعوريا أو لا شعوريا- أن يصلح بنفسه وحده أو مع فريقه الخاص السرى والعلنى بعض ما أفسد القهر، وبمجرد صدور قرار دعوة مجلس الشعب قررت أن أكتب مقالا آخر، لكننى حين عدت لقراءة هذا المقال الأول وجدته مازال مناسبا.!
من حق الرئيس أن يتعهد بإقامة العدل بكل معنى الكلمة بما فى ذلك محاربة أى استثناء فى تطبيقه، أو معالجة أى تقصير من بعض أفراده، …الخ كل هذا عن طريق تفعيل المؤسسات المسئولة عن ذلك، إذن من واجب الرئيس أن يعد بالتحقيق وإعادة التحقيق فى أية قضية يراها تحتاج إلى تدخله فى حدود السماح القانونى المكتوب، المحدد باستثناءات أقرها القانون والدستور ضمن سلطاته، ولكن ليس من حقه أن يواصل مخاطبة المشاعر الجائعة، والانفعالات الأولية، بما يلهب نارها ويدفعها إلى مزيد من التمادى فى اختراقات القانون، أو تفضيل عدل الشارع ومحاكم الميدان على جهد والتزام المؤسسات القضائية الراسخة، الدستورية الواضحة.
إذن: ما هى حكاية هذه اللجنة التى أمر بإنشائها مؤخرا ونشرت فى ملحق صحيفة التحرير نقلا عن مجلة “نيويورك تايمز” والتى تتكون من 16 عضوا للتحقيق فى قتل وجرح المحتجين السلميين….الخ أهى محكمة غدر جديدة؟ أهى محكمة ثورة رئاسية تكميلية؟ أهى سلطات رئاسية استثنائية؟.. ثم يكمل الخبر: تضم لجنة التحقيق الجديدة فى عضويتها قضاة وأطباء ومسئولين أمنيين رفيعى المستوى…الخ.
ما هذا، استئناف عالٍ؟ دولة داخل الدولة؟ قضاء فوقىّ شعبى مختلف؟ محكمة “قطاع خاص رئاسى؟” فى الدول الحديثة، يوجد شىء أسمه الدستور يحكم القانون، كما يوجد قانون العقوبات، وعلم اسمه علم العقاب، كذلك يوجد مجلس تشريعى اسمه مجلس الشعب، ومجلس تدعيمى اسمه مجلس الشورى، وكان عندنا أيضا مجلس عسكرى، هذا فضلا عن المؤسسات والهيئات الرقابية، والأمنية….، كما توجد أدوات تنفيذية وقوانين مكتوبة تنظم عمل كل هذه المجالس والمؤسسات بالحق والمستحق، أين نضع “إعادة محاكمة قتلة الثوار” فى كل هذا؟ وهل يسمى القاتل قاتلا بتصريح رئيس، أو بقرار لجنة استثنائيه وهو مازال مصنفا متهما أمام المحاكم؟ يا ترى ماذا سيفعل الرئيس تحديدا بعد أن يعلن أن دم الشهداء فى عنقه؟ هل هو نسى أنه أصبح رئيسا فعلا وليس مجرد مرشح مطلوب منه أن يدغدغ مشاعر الجماهير لينتخبوه؟ يمكن قبول مثل تلك التصريحات من إعلامى غير مسئول، أو من صرخة شاب رأى صديقه بجواره وهو يسلم روحه فداء للوطن، أو من أم ثكلى كان الله فى عونها، نقبله ونعمل على أن نكمل مشوار تكوين الدولة القادرة العادلة حتى لا يضطر من تبقى من الشباب أن يبذلوا أرواحهم من جديد يستشهدون لنستمر نحن بعدهم نكمل رسالتهم، لا لنتفرغ لأخذ الثأر بأنفسنا أو بتصريحاتنا من مشتبهين فى قتلهم، نكمل رسالتهم : لتكون دولة، وليكون قانونا، ويكون عدلا
هل فى القانون القائم فعلا فى دولة لها دستور، ولو مؤقت، ما يسمح للرئيس أن يخترق مواد الدستور ونصوص القانون هكذا؟ ألم يستشعر ومازال أنه بذلك يضغط على القضاة فى اتجاه معين، وهو يلمح -رئيسا- برغبته فى عقاب هذا أو إعدام ذاك، ولو لم يذكر الأسماء؟.
برغم كل ذلك، ومع ترجيح حسن النية وقلة الخبرة قبلت تصريح الرئيس من حيث المبدأ باعتباره إعلانا مبدئيا لمبادرة بحمل حقوقنا ومسئولياتنا على عنقه لتمتد إلى كل مجالات حمل الأمانة من القصاص العادل لدم الشهداء إلى وقت العمل الحقيقى، إلى ما نحشره فى أدمغتة الأطفال بالمدارس إن كانت هناك مدارس، إلى مساحة الأراضى الزراعية، الى مياه النيل، إلى عقول الناس الذين أولوه ثقتهم، والذين لم يولوه ثقتهم، إلى حقوق كل المواطنيين وكرامتهم، ومظالمهم، كل ذلك رهينة فى عنقه، ليس فقط باعتباره رئيسا ولكن باعتباره بشرا، مثلنا جميعا!! “من مبدأ أن: كل فرد عليه أن يحمل أمانة بقاء وكرامة الناس كل الناس كفرض عين لا فرض كفاية“، هكذا علمنى دينى الذى ينتمى الرئيس إليه.
شطح علمىّ:
أعرف أنك سيادة الرئيس ليس عندك وقت لتقرأ هذا الشطح العلمى الخبراتى التالى!!
وصلنى مبدأ بيولوجى تطورى أساسى يقول: إن كل واحد من نوعنا البشرى – مثل أى نوع حى – مسئول عن كل واحد من نفس النوع حتى نبقى، ومابقيت الحياة واستمرت، وما تأسست الحضارات وانتشرت الأديان بالذات إلا لتعلم البشر كيف يتحملون هذه المسئولية بوعى صعب، بعد أن فشل فى تحملها 99% من الأحياء عبر تاريخ الحياة بفضل الله (عذرا فالحقائق علمية 100% وثابتة) نعم كل واحد مسئول عن كل واحد، كل نملة واحدة مسئولة عن كل النمل، وكل نورس مسئول عن كل النوارس، وكل فيل مسئول عن بقاء كل الأفيال، فهل من الغريب أن نعتبر أن كل إنسان مسئول عن كل إنسان من نوعه، ولهذا جاءت الأديان وتخلقت الحضارات؟
تعلمت ذلك من مرضاى (وعلمى): لاحظت أنه بمجرد أن يصل بعض تلك الحقيقة البيولوجية البقائية إلى مرضاى وبطريقة مستنيره أثناء العلاج عادة تصل أيضا إلىّ وإلى زملائى خاصة من خلال العلاج الجمعى فتتفتح لنا آفاق الصحة دون مثالية، وننطلق معا إلى رحاب الله بالناس ونحو الناس، فيشفى المريض، وينمو المعالج.
لكننى لاحظت على الجانب الآخر أنه حين يتركز وعى مريضى على هذه الحقيقة الخفية الأعمق منفردا دون أن ينضم إلى جماعة الناس أو المرضى أوالمعالجين، يجتمعون عليه –ربنا- ويفترقون عليه، فإنه قد يعلن هذه الحقيقة فحِة شائهة، ويتمسك بها أكثر جدا فتتضخم ذاته بها حتى يملكه وعى مرضىّ حتى الجنون، فتنقلب المسألة من وعى بشرى حيوى خلاّق إلى “ضلال مبين”، فيعتقد المريض أنه المسئول الأول، وليس مسئولا فطريا ضمن كل أفراد نوعه، وهنا يظهر ضلال “المهدى المتظر”، أليس المهدى المنتظر هو المسئول الأوحد –دون غيره- عن هداية كل الناس فى طول الأرض وعرضها؟
هذه هى ألف باء برامج البقاء التى تطورت بها الأحياء – بفضل الله – منذ كانت الحياة، محنتك أكبر يا أيها الإنسان، ومحنتك أكبر فأكبر يا سيادة الرئيس، إذ كلما زادت مساحة السلطة، وامتلاك القدرة اتسعت دائرة الوعى، زادت المسئولية وزاد ثقل الأمانة، فهيا نقيس ما قلتَ مؤخراً، بحسن نية غالبا، فصدمنى حتى فزعت!.
الخيار الذى أمامك سيادة الرئيس هو إما أن تكون بشرا ساعيا إلى حمل أمانة كل المصريين فكل المسلمين فكل الناس بمسئولية بشر أتيحت له الفرصة أن يشارك أكثر وأقدر فى السعى الإيمانى بوعى واقعى وتنظيم قانونى محكم؟
وإما أن تكون رئيسا زائطا فرحا بفريقك شاحذا أدوات تميزكم راشيا ملفقا متوافقا مع من يرغب فى قطعة من “التورتة” بوعى أو بغير وعى فتقوم بدور المهدى دون أن تعلنه حتى لنفسك!
وإما أن تكون مهديا منتظراً تواصل جمع الخيوط حولك وتأسيس المؤسسات الرئاسية البديلة “قطاع خاص” تضرب بها عرض الحائط بالدولة الأم، من أول هذه اللجنة الخاصة للقصاص حتى ديوان المظالم وربما “نقابة التوك توك” المزعومة، دون أرقام دون تراخيص قيادة أو أرقام تسيير، وأخيراً دعوة مجلس الشعب المنحل،
وإما أن تكون مهديا منتظرا كبيرا جدا بحجم أكبر وأشطح من حجم العقيد القذافى غفر الله لنا وله.
أنت مسئول يا سيادة الرئيس عن دم الشهداء مثلى تماما، لكن دعنا نختلف حسب المواقع، لأننى أنا وأنت سنأتيه يوم القيامة فردا، أنا مسئول أن أوقف مزيدا من نزيف دم أى شهيد يقع صريعا فى أى موقع على هذه الأرض، نتيجة إغارة قوى الالتهام والاستعمال الشرسة المغيرة المعولمة التى تخيّرنا بين التبعية والإبادة بل كليهما. كلما زادت الإنارة والاستنارة، زاد الجمال والإيمان التطورى الرائع، وازدهر الإبداع: وتراجع اضطرارنا للتضحية بمزيد من دم إخوتنا وأولادنا فى النوع، هذا دور أمثالى ونحن نقتص لدم الشهداء من موقعنا بطريقتنا، أنت فاعل؟
سيدى الرئيس: إذا فهمت بعض ما سبق فأرجو أن تصدق أننى أكتبه أيضا لأخوتى وإخواتى الأمريكيين داخل الولايات المتحدة الذين يشاركونا هموم بقاء البشر، ويعملون على الحد من الاضطرار للشهادة أو القصاص للشهداء، وكذلك فى وسط أفريقيا وأقصى الشرق الأدنى ومالى ووسط أوربا وروسيا والصين وكل الدنيا، كل ذلك قبل السياسة وبعد السياسة.
يا سيدى، كل هؤلاء يقاومون معى القوى “ضد الله” دون أن يكونوا من التيار الإسلامى العالمى أو المحلى، كل بحسب قدرته فى مجاله، فهلا احترمت قدراتك، وحاولت تحديد أبعاد مجالك معنا يا رجل يا رئيسنا؟ والله من ورائنا محيط،
دعنا نفعل ذلك إيمانا واحتسابا آملا فى حياة كريمة لكل البشر على كل ملة ودين، وأنت تشاركنا فيها بإذن الله.
وبالأصول والقانون.
وفقك الله.