نشرة “الإنسان والتطور”
7-2-2010
السنة الثالثة
العدد: 891
تعتعة الوفد
الخنازير والسياسة وشركات الدواء وشراء العلماء
منذ حوالى عشر سنوات: فى 14 مايو 2001 كتبت هنا فى الوفد مقالا بعنوان: من يحكم مصر، ومن يحكم العالم، قلت فيه: “…إن تأثير القوى التى تحكم العالم وصل إلى درجة أن تغوص فى وجدان الناس حتى لا يعودون يميزون الأبيض من الأسود “. وقلت أيضا: حين يتكلم العارفون، والساسة، عن أن شركة دواء هى لوبى سياسى، أساسا فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم فى العالم، لابد أن نتوقف لنفهم معنى ذلك، وعلاقته بغـطرسة إسرائيل، وبمقتل محمد الدرة، واغتيال الرضيعة إيمان حجور، ثم عن علاقة هذا وذاك بتعيين رؤساء الدول ومجالس النيابة فى العالَم (بالانتخاب طبعا!!) هذه الشركات، مثل كل الشركات عابرة القارات، بما فى ذلك شركات الأسلحة والسيارات وكل شركات الاستهلاك المغترب هى التي تتحكم برجالها وأموالها في ديمقراطية العالم المزعومة، ومن ثم فى اختيار رؤساء الدول وأعضاد المجالس النيابية.
المكاسب التى تحصل عليها هذه الشركات تحققهما أساسا من خلال من إرعاب الناس من آثار جانبية لدواء رخيص (عقار ضد الفصام أستعمله من عشرات السنين ثمنه 165 قرشا صاغا لكل عشرين قرص)، بعقار جديد لم تختبر أعراضه الجانبية بعد بدرجة كافية ( ثمنه 160 جنيها مصريا لكل سبعة أقراص) المكاسب نتيجة هذا الإرعاب ثم الإحلال لا يمكن تصور حجمها بعدد غير متخيل لمن الأصفار على يمين الدولار. هذا النص (الإسكريبت نفسه: الإرعاب ثم الإحلال) هو الذى يتكرر فى كثير من تحركات السياسة والبورصة والتجارة والحرب.
تتعاون القوى الحقيقية المحركة للسياسة (والمشعلة للحروب) تحت الأرض بحركة محسوبة طول الوقت، ورد فى مقال الوفد منذ عشر سنوات أيضا ما يلى:
لاحت مؤخرا- أن وراء الستار- قوى محركة أخري أصبحت شريكا فاعلا في تسيير العالم، وأعني بها الأصولية التى تتجمّع فى سائر الأنحاء سرا وعلانية، فقد تجلّت الأصولية الجديدة فى أمريكا بوجه خاص إذ أصبحت تمثل حوالى ثلث الأصوات الانتخابية.
ثم يبدو أن هاتين القوتين (الشركات العابرة الأقوى من الدول، والأصولية الأسطورية الأقوى من الأديان) تتفاهم مع بعضها البعض، ومع شريك ثالث هو شركات الإعلام وتكنولوجيا المعلومات، لتسيير العالم.
هذا بعض ما كتبته هنا فى الوفد المضياف الذى كان يحتمل قلمى آنذاك بكرم فائق
ثم ظهرت بعد عشر سنوات إنفلونزا الخنازير، وبسرعة استرجعت ما كان، وكتبت بعد ظهورها بشهر واحد فى تعتعة الدستور بتاريخ 24 يونيو 2009 أربط بين خبرين ظهرا متلاحقين مع ظهور هذه الإشاعة الخبيثة، الخبر الأول يقول: “أعلنت منظمة الصحة العالمية رفع درجة التحذير الخاصة بمرض أنفلونزا الخنازير إلى أقصى مستوى (الدستور 12 الجارى)”.أما الخبر الثانى فيعلن: وصول ثمن عبوة عقار “التاميفلو” باعتباره العلاج المناسب لهذا المرض المزعوم، إلى 800 جنيه مصرى، تنخفض إلى 600 أو 400 حسب مدة الصلاحية!!!! (الشروق 15 الجارى أيضا).
ثم ألحقت باكرا جدا منبها أن الإنفلونزا هى الإنفلونزا، وهى التى كنا نحمد الله حين نصاب بها ، فيقول أحدنا للآخر: يا شيخ!! “دى شوية انفونزا وحاتعدى”، وهىَ هىَ التى كان يعتذر بها “أحمد بدير” لسهير البابلى فى مسرحية ريا وسكينة، حين يمطرها برذاذ عطسته، ويقول لها ليطمئنها: معلشى!! “الفلوِزّة”، نعم الانفلونزا هى الانفلونزا لكن إذا توحش فيروسها أحيانا، أو انتشر وباءً – الأمر الذى لم يحدث ولن يحدث حالا، فعلينا الانتباه، ليس هكذا، وليس لخدمة الأغراض المالية التحتية الخبيثة.
ثم أخيرا، وبعد كل هذه الشهور يتكشف الأمر عن الخدعة الكبرى ، التى هى ليست خدعة جديدة ، ولكنها هذه المرة كانت بلهاء ومكشوفة، وقد عدد أخى أ.د. أحمد عكاشة فى صحيفة “نهضة مصر” بإيجاز بليغ، وأرقام موقظة، أخطاء الحكومة، وبلاهة التناول، وليسمح لى أن أقتطف بند رقم 6 من بنوده العشرة التى عددها ، يقول فى هذا البند ما يلى
لم تعرف (الحكومة) أن منظمة الصحة العالمية أفادت (أخيرا) بأن وفيات الأنفلونزا الموسمية فى عام ٢٠٠٩ على مستوى العالم كانت ٢٥٠ ألف شخص، بينما وفيات «الخنازير» كانت ١٣ ألفاً فقط، مما جعل الاتحاد الأوروبى يقرر فتح تحقيقات مع المنظمة حول أسباب رفعها درجة الاستعداد القصوى لمرض «طفيف»، وهل ذلك بسبب تلاعب مع شركات أدوية أم لا؟ (إضافة ما بين قوسين من عندى)
أما ما حدث من تهريج فى المدارس، إما بالإغلاق، وإما بالتفويت فى الحضور، فقد دفعنى أن أصرخ متعتعا مرة أخرى بعنوان: اقتراح: إلغاء المدارس، ومنح بدل نقدى للتعليم (الدستور بتاريخ 23-12-2009) حيث قلت:
لن أناقش هنا افتقاد هذه الإشاعة إلى أى أساس علمى حقيقى “مقارن”، حتى لا أستدرج إلى هجوم حسنى النية أو المرتزقة والمرتعِـبة، لكن أى شخص عادى، يتابع الأخبار والأرقام بمنطق سليم، لا بد أن يعرف أنها إشاعة، برغم أنف منظمة الصحة العالمية، ونتائج المعامل الملتبسة، وشركات الدواء والأمصال، وسياسة السوق، وتجار الخوف، والإرعاب، والإلهاء. إن مجرد تذكر هؤلاء الملايين من الحجاج يعودون سالمين آمنين (بفضل الله عليهم وعلى غيرهم)، ثم مشاهدة عشرات الآلاف من مشجعى الكرة يرجعون إلى بيوتهم، دون عطسة واحدة (إلا العطس الذى حدث مثله وأقل فى العام الماضى!!!)…إلخ إلخ، ثم جولة وسط هذه الجموع التى تنحشر فى سوق الجمعة على طريق الأتوستراد فى غاية التماسك والفقر والطيبة والأمراض الأخرى !!، إلخ إلخ، نظرة منطقية بسيطة لأى من هذا أو ذاك لا بد أن تبلغنا حقيقة الأمر، حتى الذين ماتوا بعد ارتفاع الحرارة وبعض السعال وخشخشة الرئتين، وبرغم التحليل الإيجابى، لا يمكن الجزم بسبب وفاتهم الحقيقى المباشر.
وأنهيت المقال بصرخة تقول: هذا عبث عالمى مغرض، لقد استعملوا العلم لخدمة سياسة السوق الأخبث، كما استعملوا الحروب لمص دماء أصحاب الحق لمجرد أنهم ولدوا فوق أرض تحتها مخزن وقودهم. لم يعد خافيا ما هو النظام العالمى الجديد، وكيف تدعمه المنظمات العالمية حتى على مستوى صحة البشر.
آسف لأننى استعلمت سابق ما قلت كثيرا، لكننى أردت أن أبين كيف استقبلت كل هذه الحكاية من البداية بحقيقتها التى تعرت أخيرا بهذه الصورة المباشرة باعتبارها نموذجا صريحا لما يجرى فى كواليس السياسة عامة، وليس فى مجال الصحة أو العدوى والوقاية فحسب، المسألة كلها تدار من تحت المنضدة أو من تحت الأرض، وكل الأوراق الظاهرة لدينا، والأرقام التى تقدم لنا هى تمويه فاقع حتى لا نرى حقيقة ما نجر إليه عبر العالم.
مصيبتنا الجديدة عبر العالم التى أضيفت إلى الصورة السياسية أيضا هى أن العلماء أيضا قد تم غسيل أمخاخهم، أو لعل بعضهم قد شاركوا فى مثل هذه الصفقات مع سبق الإصرار، مقابل ما يأخذون مما لا يمكن معرفته حتى العلم يا ناس اهتزت قدسيته فلم يعد العلم والمعلومات التى تخرج منهم هى لخدمة الحقيقة كما هو مفروض، وإنما لخدمة الاسياد الحقيقيين. يتساوى فى ذلك علماء الإعلام والدعاية، وعلماء العقاقير والوقاية، وعلماء التواصل والمعلومات، وعلماء السياسة والاقتصاد والمفاوضات.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.