نشرة “الإنسان والتطور”
5-6-2010
السنة الثالثة
العدد: 1009
تعتعة الدستور
هل تحب إسرائيل “لحم” العرب إلى هذه الدرجة ؟؟
يبدو أننى أدخلت نفسى فى منطقة شديدة الصعوبة، بالغة التعقيد، لا أعرف كيف أخفف من صعوبتها، أو أفك تعقيدها، أغلب ما يصلنى (وما أقله)، يحتج على لغتى الخاصة، وأبجديتى الجديدة مثل: الرفض التام لثقافة السلام، على الرغم من قبول “مشروط” لمعاهدة السلام، أو الدعوة اللحوح لما أسميته “ثقافة الحرب” مع تحذير شامل من قيام الحرب الفعلية!!!!، استعنت بصلاح جاهين بلا فائدة: صلاح: هذا الإنسان البالغ الرقة الذى قال “وفتحت قلبى عشان أبوح بالألم، ماطلعشى منه غير محبة وسماح”، هو الذى قال فى رباعيته (التى استشهدتُ بها من قبل) وهو يواجه أى نهار جديد: “نهار جديد أنا قوم نشوف نعمليه، أنا قلت يا ح تقتلنى يا ح اقتلك”، ثم استعنت بنجيب محفوظ المشهور عنه، (والمأخوذ عليه) أنه وافق على معاهدة السلام، وقدمتُ “فرضا” – فى تعتعة الأسبوع الماضى– يبين كيف تواكبت موافقته تلك مع إطلاق إبداعه يكشف لنا عن حقيقة وطبيعة معركة البقاء البشرى الحيوى المتحدى، وهو يخوض بحور الدم فى ضوء مشاعل العدل، وذلك بما قدم من تشكيلات وتجليات “القتل، بين مقامى العبادة والدم”، فى روايته “ليالى ألف ليلة”.
كنت قد وعدت الأسبوع الماضى أن أتابع كيف فعل محفوظ ذلك بكل شجاعة المحاربين المبدعين الذين يخوضون بحور “الموت/البعث” مع كل تجربة إبداع حقيقية تستعمل العدوان لتفكيك القديم حتى تتمكن من تشكيل الجديد، لكننى حين هممت بالوفاء بتعهدى بإثبات هذا الفرض من خلال نقد تشكيلات “القتل بين مقامى العبادة والدم فى روايته تلك لأبين كيف تجلت ثورية محفوظ الإبداعية المقاتلة دفاعا عن العدل، إثر موافقته متألما على اضطرارنا للتوقيع على “ما لا بد منه”، أقول حين هممت بذلك: سألت، فتيقنت من أنه لأ أحد ممن أعرف، قد عمل بتوصيتى بقراءة نص محفوظ على الأقل (حتى دون نقدى) كىْ يستطيع أن يتابعنا، بل إننى اكتشفت أن أغلب من سألتُ لم يقرأ هذه الرواية أصلا، وبعضهم لم يسمع عن اسمها، وقليل منهم خلط بينها وبين “ألف ليلة وليلة” التاريخية، التى يثار حاليا جدل مخجل حول مشروعية إعادة طبعها ونشرها حرصا على تجنب جرح الحياء العام(!!!!) مع أن هذا الجدل نفسه هو الذى يكشف أنه ليس عندنا حياء أصلا من هذا الذى نقوم به من تشويه أو حجب تراثنا تحت زعم أخلاقى سطحى كاذب مصنوع. المهم، تراجعت عن مواصلة الاستشهاد بهذا النص المحفوظى، أو نقدى له، فظلت المسألة تحتاج إلى وقفة، ومواجهة، وتبسيط .
قلت لنفسى: ربما تكون البداية أفضل لو أننى طرحت أسئلة تحرك وعى الناس فى الاتجاه الذى أريد توضيحه، فحضرتنى أسئلة كثيرة أورد بعضها فيما يلى:
· لماذا كل هذا الحب من جانب إسرائيل فى صورة الحرص على التطبيع؟ ألا يكفيهم التوقيع على معاهدة سلام، أعطتهم ما يريدون؟ وهل علينا أن نبادلهم حبا بحب، بأن نطيع ونتبع ونسمع الكلام؟ كى نمكنهم – من فرط الحب- أن يحققوا النجاح لكل ما يمثلونه: الرأسمالية المافياوية، والافتراس الاستغلالى،والاحتكار الإنتاجى، و”الكانيبالية (أكل لحوم البشر جورج حداد 2008) العالمية المالية” ؟
· لماذا تحتاج إسرائيل لمزيد من معاهدات السلام، فالتطبيع، وهى تملك كل هذه الترسانة النووية، التى تستطيع فى أى وقت أن تقول لمن لا يعجبه، “إخرس يا ولد عيب كده!”، ثم تلتهمه “محاربا” أو “مستسلما” !!
· هل يكفى أن نرفض التطبيع بشجب زيارة إسرائيل، وطرد ممثليهم فى المؤتمرات، والتباهى بخصامهم (حدّاية حدّاية، ما نكلمهمشى إلا المعاهدة الجايّة أو بعد الانتصار فى الحرب الجايّة)؟ أم أن على من ينتبه إلى خطورة ثقافة السلام (=التطبيع داخل داخلنا: بالاستسلام الدائم واليأس المقيم) أن يقبل التحدى ويخوض “فورا” و”دائما: تلك الحروب الإبداعية الحقيقية مثل محفوظ، أوالحروب الاقتصادية الإنتاجيية مثل الصين، أو الحروب الاستشهادية الشبابية مثل المقاومة، طول الوقت؟؟ إلخ؟؟
· هل يمكن تحقيق “سلام الشجعان” (الأحبة الحلوين)، وأحد أطراف هؤلاء الأحبة يملك ترسانة نووية، فى حين لا يملك الطرف الآخر إلا حسن النية ؟
وبعد
فقد وصلنى من استعمال جورج حداد للفظ “الكانيباالية” (ولى معه – طيب الله ثراه – عودة وعودة، شكرا لمن عرّفتنى به) وصلنى ذلك النوع من الحب الذى فسر لى بعض نهاية رواية العطر (لزوسكند) حين أكل قطاع الطرق لحم “غرينوى” حيا فى “مقبرة الأبرياء”، حيث كانت النهاية – بعد أن مصمصوا عظامه وتجشؤوا بعضها– كانت بالحرف الواحد تقول: “كانوا فخورين إلى أقصى حد، فلأول مرة فى حياتهم فعلوا شيئا عن حب”!!!