نشرة “الإنسان والتطور”
28-8-2010
السنة الثالثة
العدد: 1093
تعتعة الدستور
الهرطقة الحديثة، والكنيسة الأمريكية الإسرائيلية
السفير الأمريكى السابق فى القاهرة فرانسيس ريتشاردونى اعتبره مجلس الشيوخ الامريكى مهرطقا، إذ خرج عن الدين الإسرائيلى الأمريكى الحديث، وعوقب بحرمانه من الترشيح سفيرا للولايات المتحدة فى تركيا، لأن له سجل سىء فى خدمة القيم الامريكية الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان،…، حصلت “الشروق” (ناشرة الخبر الأهم فى الصفحة الأولى بتاريخ 20 الجارى) على صورة من الخطاب الذى أرسله السيناتور برونياك يبرر فيه أسباب رفضه المصادقة على …ترشيح الرئيس أوباما لريتشاردونى سفيرا فى تركيا، وذلك لأن ريتشاردونى خدم فى مصر فى وقت وضعت فيه إدارة الرئيس جورج بوش دعم الجماعات المعارضة (فى مصر) على رأس أولوياتها، إلا أن ريتشاردونى قلل من تأثير هذه الجهود، وخفف من حدتها…حتى أنه قال بالحرف الواحد ” فى مصر توجد حرية تعبير كتلك التى توجد فى الولايات المتحدة” !! ، ثم طلب السناتور برونياك أن يطرح على السفير ريتشاردونى عدة أسئلة ، كلها تتعلق بموقفه (أى تقاعسه) عن تسويق ودعم القيم الأمريكية ” التى ترمى إلى دعم الإصلاح السياسى وبناء مجتمع مدنى قوى فى مصر (إسما الله !!)
انتهت المقتطفات من الخبر المنشور بالعرض بأعلى الصفحة الأولى ، والآن نقرأه معا من جديد.
أولا:إن أمريكا لها أجندة إصلاح !! فى مصر، وهى تهتم بتسويقها للمعارضة، (إن وجدت) بنفس قدر اهتمامها بتسويقها للحكومة
ثانيا: إن أمريكا تود –جدا جدا !- أن تكون مصر أكثر ديمقراطية وأكثر حرية وأكثر انفتاحا مما هى عليه الآن، على شرط ألا تهاجم إسرائيل، ليس فقط بجيوشها وعبور سيناء إلى قرب حدودنا الدولية، ولكن ممنوع الهجوم حتى فى الصحف: سواء صحف المعارضة أو المؤايدة.
ثالثا : على ذلك يصبح التنافس بين الحكومة والمعارضة هو على مدى طاعة كل منهما لأمريكا لتنفيذ خططها التى تهدف – بإذن الرئيس الأسمر الجديد – إلى تحرير مصر من الحكم الشمولى وإبداله بحكم ديمقراطى تابع رائع مطيع (ولا مانع من تقبل بعض القذائف الكلامية، بحنيّة كافية)
رابعا: يبدو أن السيد ريتشاردونى قد أخذته الجلالة، فسمح لنفسه، ربما أثناء إحدى زياراته لمولد السيد البدوى (سيدى أحمد البدوى، وليس الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد الجديد) أن يفكر باعتباره من محاسيب شيخ العرب السيد، فيكتشف أن مصر بها حرية تعبير كحرية التعبير فى أمريكا، فيصرح بذلك، وهذا ما أخذه عليه حرفيا السناتور برونياك، واعتبره مديحا غير جائز لنظام مبارك القهرى، ولم ينتبه السناتور إلى أن السيد السفير ريتشاردونى ربما قصد وجه الشبه من الناحية الأخرى، أى أنه لا يوجد لا هنا ولا هناك حرية تعبير حقيقية، عندنا نتيجة لقهر الحكومة، وفى أمريكا نتيجة لقهر المال وصهاينة اليهود أصحاب المال أيضا، وهو نفس ما حدث لجارودى فى فرنسا وهو يذكر حقائق تاريخية ثابتة وأكاديمية وموضوعية عن الهولوكوست لينفى زعم أنه كان قاصرا على اليهود بهذا الحجم المعلن: تلك الاسطورة التى فرضت على التاريخ بقوة الكذب الإعلامى المستمر، والبجاحة المالية الكانيبالية.
خامسا: إن مستقبل أى حاكم حليف أو حتى عدو، مثل مستقبل أى مسئول امريكى لا يتوقف على كفاءته، أو انتمائه لما هو صالح وطنه والبشر، وإنما على مدى إيمانه بالدين الأمريكى الجديد وتنفيذ طقوسه.
سادسا : إن على كل من المعارضة والحكومة عندنا أن تتنافسا بكل نشاط وإخلاص فى فهم طقوس وعبادات هذا الدين الجديد، ومن يستطيع منهما أن يقدم القرابين أوفى وأجهز على مذبح هيكل الكنيسة السياسية الأرثوذوكسية (الاصولية) الأمريكية، فهو الذى سيحصل على الجزء الأكبر من كعكة الديمقراطية وشطائر (“جاتوه”) حقوق الإنسان.
وباختصار، فإن أمريكا تدعم المعارضة جدا جدا بشروطها، لتحقيق أهدافها هى (أمريكا)، وفى هذا ما فيه من تلويح برشوة للمعارضة حتى تحسن سماع الكلام، وليس مهما أن تكون المعارضة حمراء، أم خضراء، علمانية أم أصولية، المهم هو الدخول فى الدين الأمريكى الجديد، وإلا فهى الهرطقة، فيحرم السفير من الترقى، وتحرم الدول من المعونات، ولا مانع من إبادة استباقية إذا كبرت الهرطقة أو هددت بالتفشى.
الهرطقة هى خروج عن اليقينى والثابت والشائع المتفق عليه، وهى تسمى الزندقة فى الإسلام، ويعبر عنها بأنه خروج عن ما هو معلوم فى الدين بالضرورة (أى ما هو ثابت ثبوت اليقين، وشائع شيوع الاستعمال العام) ولكن لم تعد الهرطقة قاصرة على الخروج على الدين، بل إنها امتدت لتشمل الخروج عن المقدسات الجديدة، مثل ديمقراطية أمريكا، ووثائق حقوق الإنسان، والعلم المؤسسى.
ولهذا حديث آخر.