نشرة “الإنسان والتطور”
17-4-2010
السنة الثالثة
العدد: 960
تعتعة الدستور
الحروب مستمرة، لا تحتاج إلى إعلان جديد..!
منذ حوالى أسبوعين، (فى 26 -3)، كتب رئيس التحرير مقالا بعنوان: “من هو الشخص المعتوه الذى يريد أن تعلن مصر الحرب على إسرائيل؟”، وجدت نفسى أجيبه بما لى من حق على مرضاى، وما تعلمتُ منهم، وما شرفتُ به فى صحبتهم، أننى – غالبا – هو هذا الشخص، مع أننى من أوائل من أعلن – من الناس العاديين!- ترحيبه بمعاهدة السلام، بشروطى.
قيل وكيف كان ذلك؟
خلّنا أولا فى مقال رئيس التحرير حين يضيف: ” لا أعتقد أن هناك شخصًا فى كامل قواه العقلية يتصور أو يتخيل فضلاً عن أن يطلب، أن تحارب مصر إسرائيل”، فيصلنى أنه خفف جرعة اتهامه لى شخصيا بالعته، ذلك أن تعبير “ليس فى كامل قواه العقلية ” هو تعبير واقعى أكثر، لأنه لا أحد يستطيع أن يزعم فى هذه الأيام فى هذه الظروف أنه – ولا مؤاخذة – “فى كامل قواه العقلية “، قد يستطيع أن “يسيّر حاله” بما تبقى له من قوى عقلية، أما أن يتصور أحدنا أنه فى كامل قواه العقلية، فهذا أمر يعرضه للاعتقال فى مستشفى للأمراض العقلية، ثم يمضى رئيس التحرير فى التعميم ناسيا حقى فى الاختلاف (بأمارة الديمقراطية جدا) قائلا: “….. لم يطالب أى عاقل الحكم فى مصر بإعلان الحرب على إسرائيل، ..”، إلى أن قال من جديد”… يا نهار إسود ومنيل، وهل فيه واحد عايز لمصر أن تعملها وتحارب؟ ليه اتهبل ولا اتخبل!”، واحده واحده يا رجل، فهناك واحد على الأقل: هو أنا.
حين أيدت – مثل نجيب محفوظ – معاهدة السلام كنت أوافق على شجاعة إعلان “الاستسلام ” وليس على أن تتوقف حروبنا معهم إلى نهاية الدنيا، البند الوحيد الذى رفضته (وهو يستحيل أن يكون بندا، فلعله مناورة شفهية) هو مسألة إعلان أن حرب 1973 هى آخر الحروب!! لا نهاية للحروب إلا بقيام القيامة، نحن نحارب طالما نحن نحيا، نحارب عبر تاريخ البقاء، نحارب من أجل حق الحياة، فليكن السلام هو إلقاء السلاح مؤقتا، لكنه ليس فى مقدور أية معاهدة حتى لو كانت وثيقة استسلام، أن تعلن موعد آخر الحروب. اطمأننت إلى موقفى هذا أكثر حين قرأت بعض كتاب المرحوم محمود عوض(اليوم السابع)، عرفت كيف أن الحرب لم تتوقف أبدا منذ قرار الانسحاب الغبى، لم أكمل الكتاب بعد، وسوف أعود للتعليق عليه).
لم يعد يصلح أن نقصر تعريف الحرب على أنها ” نزاع مسلح يقوم على استخدام القوة المسلحة باستخدام مجموعات مسلحة منظمة تسمى جيوش نظامية”، بشاعة الحروب السلاحية وخسائرها يستحيل أن يهون أحد من حجمها، وخطرها، وفداحة خسائرها حتى لو كان منتصرا، لا أحد يرجوا أو يقبل، ناهيك عن أن يتمنى أن تخوض بلاده حربا بالسلاح “يا قاتل يا مقتول”، خاصة بعد أن تطورت الأسلحة لتصبح قادرة ليس فقط على كسر قوة جيش العدو، وإنما على إذلال كرامة الشعب برمته، وسحق وجوده، واستغلال ثرواته، وتقزيم نوعه، ومحو ثقافته، ومع ذلك، ولذلك، فالحروب مستمرة، !!! دون حاجة إلى إعلان آخر، وهى حروب متنوعة التجليات والأشكال لكنها لا تستبعد استعمال السلاح. أعرف أنه لا يحق لى قول ذلك وأنا جالس على مكتبى مكيف الهواء، وقد قاربت الثمانين، لم “أختبر”، ولكن ماذا أفعل وهذا هو ما عندى.
إسرائيل تعلم جيدا أن الحرب لم تنته، ولذلك فهى تصر على التطبيع لتصدق، وأصلاً لتقنعنا أن الحرب انتهت فعلا، هى لم تتوقف عن الحرب أبدا، فهى تعلم أن معاهدة السلام لم تنِه الحرب، حتى لو ظل وهم إشاعة “آخر الحروب” قائما، رجحتُ أن ذلك كان” مناورة كلامية” من السادات ليس إلا، وكنت أرجح أيضا أنه سوف يرجع فى كلامه، وقد كان “سيد من يرجع فى كلامه” (عادة مشهورة ومحمودة عند الفلاح المصرى!)، وربما لهذا اغتالته أمريكا، فكيف بالله عليك يا أبا يحيى تتمادى أنت وتعتبرها آخر الحروب، بما يسمح لك أن تتهمنى شخصيا بالبله، والهبل، والخبل، إذا ما خالفت رأيك؟
نحن لا نحتاج يا سيدى أن نعلن حربا جديدا، كل ما نحتاجه هو أن ننسى حكاية آخر الحروب المزعومة هذه، ننساها من واقع الممارسة وليس من واقع إعلان حرب جديدة.
الحياة كلها، طولا وعرضا ليست إلا حربا ضروسا طول الوقت، تختلف أشكال الحرب وتجلياتها باختلاف الزمان والمكان والأدوات، وأيضا باختلاف الظروف والدافع والتبرير.
وإلى الأسبوع القادم، ما لم يحل دون ذلك إعلان الحرب، أو حلول الأجل!.