نشرة “الإنسان والتطور”
26-6-2010
السنة الثالثة
العدد: 1030
تعتعة الدستور
الاستهبال على وعىٍ كسولْ
يبدو أن الجارى حولنا الآن له مستويات فوق مستويات، يخفى بعضها بعضا بطرق من أخبث ما عرف فى التاريخ، بما فى ذلك تاريخ التحايل بين الفريسة والمفترس فى مملكة الحيوانات عبر التاريخ الحيوى، وقد أصبحت المستويات التى تخفى تحتها ما هو أخطر وأخطر، أكثر نعومة وتدليسا من أن يكشفها أى فكر مستعجل، أو وعىٍ كسولْ، أو وجود تابع، وكلما حاول فكر أو قلم، أو ناقد، كشف بعض تلك الطبقات الأسفل فالأسفل (من السفالة والسفلىّ معاً)، اتهم بالتفكير التآمرى… الخ.
مثلا: هذا الجارى ما هى حقيقته فى ملعب القضية الفلسطينية، التى هى نموذج مصغر للقضية العربية، وهى هى نفس التحدى الذى يهدد العالم أجمع كقضية إنسانية شاملة؟
منذ عشر سنوات كتبت فى صحيفة عربية (الوطن / السعودية) بتاريخ: 9/10/2000 “…. ما حدث ويحدث فى القدس مؤخرا، هو تنبيه لمعنى ومدى ونتيجة الإغراق بمعلومات لم يطلبها أحد، إنه تحذير من الاستسلام لوعود برفاهية لم نُخْطر بَكّم المخدرات التى تحتويها. “ثم” هذه الدماء التى تسيل، والبيوت التى تهدم، والأبرياء الذين يقتلون، هى فرصة صارخة تدعونا للمراجعة. “ثم ….” هؤلاء الشبان الذين ولدوا بلا وطن، ونشأوا بلا هوية، هم الذين يطالبون بالاستمرار فيما يفعلون، إذْ ليس عندهم ما يبكون على فقده، أو ما يخافون عليه. هم الذين يستشهدون، هم الذين ينزفون، وهم هم الذين يطالبون باستمرار ما يجرى من مواجهة”… “فكيف لا نحترم ما يفعلون بأن نستيقظ من غفلتنا على الأقل”. إلى أن قلت: “إن ديمقراطية إسرائيل، مثل ديمقراطية أمريكا، إنما تنكشف أمام أى اختبار حقيقى فى التعامل مع الأقليات، ومع الخصم، ومع العدل، إننا لا بد أن نبحث لها عن اسم آخر، أو أن نبحث لنا نحن عن قيمة أخرى”.
ثم كتبت بعد أسبوعين فى نفس الصحيفة:
“لا مفر من إعادة النظر فى ألعاب اللغة وخبث الخطاب”، مما لابد أن يجرنا ….. إلى إعادة تعريف كثير مما نعرف، مثل: معنى الحرب، ومعنى العدو، ومعنى النصر، بل ومعنى الإنسان.
فى المقالتين رحت أعدد بعض الأوهام التى لعبوا فى عقولنا لإقناعنا بها.
وتمضى عشر سنوات، وأجدنى أمام أوهام أكثر وحقائق كاشفة أكثر صراحة ومرارة، أقدم بعضها فى هذه التعتعة الآن، مجرد عناوين، قد أعود إليها.
تحديث أوهام وحقائق (عناوين):
الوهم الأول: إنها قضية الشرق الأوسط.
الحقيقة: إنها احتلال استيبطانى إذلالى استغلالى لأرض فلسطين، وناس العرب جميعا، ومواردهم، وهو يتمادى كل يوم، ليسحق الجميع، ويستعمل من تبقى منهم.
الوهم الثانى: إنها اسرائيل.
الحقيقة: إسرائيل ليست فحسب هذه الإغارة المنظمة لسحقنا من الخارج ومن الداخل، إسرائيل ليست هذا التجمع العنصرى المختلط المستغل المغير القاتل المستعمر لقطعة أرض لم تكن أبدا لها. إسرائيل هى النموذج الواضح والصارخ – لكل سلبيات واغتراب وجشع الإنسان المعاصر الأكثر مالا وطغيانا وقسوة، فى مرحلة من أصعب وأخطر ما تمر به الإنسانية.
الوهم الثالث: إنها أمريكا
الحقيقة: إنها القوى المالية المافياوية المعولِمَة التى تحكم العالم بالمال للمال، لصالح من نعلم ومن لا نعلم، ممثلة فى إسرائيل كرمز كاشف، لمن يريد أن يرى.
الوهم الرابع: إنها الديمقراطية
الحقيقة: إنها الوسيلة الأسهل لحصاد الناتج الفكرى الظاهر على سطح الوعى المغيّب لمجاميع الناس، فلا توجد ديمقراطية تقول: إما أن تنتخب رجلى أو أقتلك، أو تحديداً: إما أن تنتخب محمود عباس أو تموت جوعا!.
الوهم الخامس: إنها إشكالة توسيع المستوطنات (فى القدس وغير القدس)
الحقيقة: إن القضية هى وجود المستوطنات أصلاً على أرض وطن ليس هو وطن ساكينها.
الوهم السادس: إنها قضية العودة للمفاوضات .
الحقيقة: إنها لعبة استعمال المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة لإقرار الوضع الراهن أو التأجيل الأبدى.
الوهم السابع: إنه حصار غزة وحرمان أهلها من الحاجات الانسانية من غذاء ودواء.. الخ.
الحقيقة: إنه احتلال غزة، وإذلال ناسها حتى يلقوا سلاحهم إذْ ينتخبون العميل المطيع.
الوهم الثامن: إن نموذج “تركيا” هو الحل
الحقيقة: أن تركيا قد يثبت أنها عميل مزدوج، وإلا فما حكاية شراء الأسلحة من إسرائيل بل والمناورات العسكرية المشتركة، ….. حتى بعد أسطول الحرية؟.
الوهم التاسع: إنها قافلة شريان الحياة
الحقيقة: إنها مسكنات طيبة، من ناس طيبين، إندس بينهم عملاء لأغراض ظاهرها الرحمة، “شريان الحياة” الحقيقى هو الشريان الذى يسرى فيه العدل الفاعل وليس فقط المعونات العاجلة (مع الشكر).
الوهم العاشر: إنه أسطول الحرية
الحقيقة: إنه تسكين آخر نشكر النوايا الطيبة وراءه، وننتظر قبله وبعده حرية حقيقية على الأرض ليست فى حاجة إلى أسطول.
وللحديث بقية.