نشرة “الإنسان والتطور”
26-12-2009
السنة الثالثة
العدد: 848
تعتعة الدستور
اقتراح: إلغاء المدارس، ومنح بدل نقدى للتعليم!!!
قلت للإبن الذى جاء يستشيرنى اسشارة من إياها من قبيل ضعف التركيز، والصداع، والدوخة، ومثل هذا الكلام الذى روجنا له نحن الأطباء النفسيين على أنه أمراض واضطرابات نفسية، قلت له: “كل ما أرجوه منك هو أن تذاكر يوميا خمس ساعات، بفهم أو بدون فهم، بتركيز أو بدون تركيز، حتى ولو تنقل الكتب نقل مسطرة، كأنك تحسّن خطك، وسوف تكتشف أن المخ البشرى عاجز عن عدم التركيز”، خيل إلىّ أنه اقتنع إذ ابتسم نصف ابتسامة، لكن وجه أبيه اكفهر جدا، وحين رجحت أن الرسالة قد وصلت للشاب، أكملت: “إنه بالإضافة إلى ذلك، عليك أن تذهب يوميا إلى المدرسة، هذا علاج” ، ابتسم الشاب فى دهشة ذكية، وردّ بأدب جم:” مدرسة ماذا يا دكتور؟” قلت له “مدرستك يا إبنى”، قال: “أنا فى الثانوية العامة”، لم افهم وإن كنت قد تذكرت مثل هذه الإجابات من آخرين، لكننى مضيت حتى النهاية، وعقبت: “إن هذا أولى بك أن تذهب إلى المدرسة”، فيكرر الشاب وكأنه يوعّـينى انه “لا يوجد شىء اسمه مدرسة بالنسبة للثانوية العامة”، ويضيف والده مشفقا على جهلى، “ولا لغير الثانوية العامة”، وأفهم أن الطلبة والطالبات إن ذهبوا بضعة أيام فى أول العام لاستلام الكتب، أو للاتفاق على الدروس الخصوصية، فإن ذلك ينتهى بعد بضعة أسابيع على الأكثر”، (نحن فى أواخر ديسمبر) ، كل هذا دون ربط مباشر بالكادر الذى ثبت أنه مجرد علاوة تشجيعية لإتقان الدروس الخصوصية، وأيضا دون ربط بإنفلونزا الطيور، أو بمعركة أم درمان الكروية، أو بالنظام العالمى الجديد، أو بهامش الديمقراطية، أو بلجنة الأحزاب، أو باحتمال ترشيح د. محمد البرادعى .
هذه هى الحقيقة عارية: يبدو أنه لا توجد مدارس بالمعنى الذى كنا نعرّف به ما هو مدرسة من عشرات السنين.
إذن ماذا؟
يشاء السميع العليم أن يظهر مؤخرا عامل طريف يكشف مدى ما آلت إليه حال مدارسنا، ومن ثم استهانتنا بدورها، وفى نفس الوقت تزايد حرصنا على صحة شكلية لا نعرف لها تعريفا، وعلى حياة لا نعرف لها هدفا، هذا العامل هو الإشاعة التى عرفت باسم: “انفلونزا الخنازير”
لن أناقش هنا افتقاد هذه الإشاعة إلى أى أساس علمى حقيقى “مقارن”، حتى لا أستدرج إلى هجوم حسنى النية أو المرتزقة والمرتعِـبة، لكن أى شخص عادى، يتابع الأخبار والأرقام بمنطق سليم، لا بد أن يعرف أنها إشاعة، برغم أنف منظمة الصحة العالمية، ونتائج المعامل الملتبسة، وشركات الدواء والأمصال، وسياسة السوق، وتجار الخوف، والإرعاب، والإلهاء. إن مجرد تذكر هؤلاء الملايين من الحجاج يعودون سالمين آمنين (بفضل الله عليهم وعلى غيرهم)، ثم مشاهدة عشرات الآلاف من مشجعى الكرة يرجعون إلى بيوتهم، دون عطسة واحدة (إلا العطس الذى حدث مثله العام الماضى!!!)…إلخ إلخ، ثم جولة وسط هذه الجموع التى تنحشر فى سوق الجمعة على طريق الأتوستراد فى غاية التماسك والفقر والطيبة والأمراض الأخرى !!، إلخ إلخ، نظرة منطقية بسيطة لأى من هذا أو ذاك لا بد أن تبلغنا حقيقة الأمر، حتى الذين ماتوا بعد ارتفاع الحرارة وبعض السعال وخشخشة الرئتين، وبرغم التحليل الإيجابى، لا يمكن الجزم بسبب وفاتهم الحقيقى المباشر، واسألوا الطب الشرعى، فمريض السرطان مثلا قد يموت بالسكتة القلبية ..ومريض التيفود قد يموت بهبوط فى الدورة الدموية ..إلخ
هذا عبث عالمى مغرض، لقد استعملوا العلم لخدمة سياسة السوق الأخبث، كما استعملوا الحروب لمص دماء أصحاب الحق لمجرد أنهم ولدوا فوق أرض تحتها مخزن وقودهم. لم يعد خافيا ما هو النظام العالمى الجديد، وكيف تدعمه المنظمات العالمية حتى على مستوى صحة البشر.
الأهل معذورون حين يحرصون على صحة أولادهم وبناتهم، وهم يحجبونهم عن المدرسة، ولسان حالهم يقول: كلها محصلة بعضها، ماذا فعلت المدارس الخاوية على فصولها فى الأعوام السابقة ؟
وبعد
خطر لى اقتراح استلهمته من الجدل الدائر حول دعم الخبز، وهو:
نستغنى عن المدارس تماما، ونمنح كل ولى أمر يعول أولادا وبناتا بدلا نقديا، على أن يحلف على المصحف أو الإنجيل أو ميثاق الأمم المتحدة أمام مجلس الحى ، أنه سوف ينفقه فى تعليم إبنه أو ابنته،
ثم نوجه المدرسين والمدرسات الذين يثبت بتحرى المباحث العامة أنهم عجزوا أن يعطوا دروسا خصوصية، إلى القيام بإعطاء دروس دينية فى المساجد والكنائس، لحين الحصول على عقد عمل فى بلاد متخلفة، مازالت تحتفظ بشىء اسمه “مدارس” كما كان الأمر عندنا فى سالف العصر والأوان.