نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 17-10-2012
السنة السادسة
العدد: 1874
تعتعة التحرير
وما زال نجيب محفوظ يعلمنا
حمل الأمانة..، والقناعة، والأميرة ذات الهمة
عودة إلى كراسات التدريب التى كان نجيب محفوظ يدرب فيها يده فى محاولة صناعة معجزة الكتابة من جديد. وصلت إلى الصفحة 97 وما زال أمامى بضع مئات، وجدت اليوم أن الصفحة رقم 81 (مثل كل الصفحات) فيها ما يستأهل التوقف والنظر، فالإفادة والعمل، فأقتطف مما كتبَ، فكتبتُ على ماكتب، مايلى:
أولا: نص ما سطر يوم 22 أبريل 1995
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
نجيب محفوظ
أم كلثوم نجيب محفوظ
فاطمة نجيب محفوظ
عرض الله الامانة على السموات والأرض
القناعة كنز لا يفنى
الأميرة ذات الهمة
البحر الأبيض والبحر الأحمر
نجيب محفوظ
22 ابريل 1995
ثانيا: مقتطفات من قراءتى :
“….ما وصلنى هو أن شيخى لا يخاف من الشيطان الرجيم، ليس لأنه تحصّن ضده، ولكن لأنه صاحَبَ ربه فاطمأن إلى رحمته وقدرته فى آن، هذه الاستعاذة هى جارية ضمنا من خلال هذه الصداقة الوثيقة، والرضا المتبادل…””…(أما) البسملة فهى التحية الواجبة لاستحضار كل ما يليها فى رحاب الله حتى قبل كتابة اسمه واسمىْ كريمتيه !!”
ثم كتبتُ أنا عن عرض الأمانة وحملها:
“…. فى صفحة التدريب رقم (38) بتاريخ: 6-3-1995 كتب شيخى “حمل الانسان الأمانة” أما هنا، فالأستاذ يتناول “عرض الأمانة” وليس حملها. فى قراءتى لتلك الصفحة قلت: … يبدو أنه أوجز خلاصة ما وصله (من الآية) وكأنه يعيد النظر فى هذا التصدى الذى قام به “الإنسان” مبادراً، حين عرض ربنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان…. (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأية: 72 سورة الأحزاب)، أما فى الصفحة الحالية فقد ركز الاستاذ على عملية “العرض” دون تصدى الإنسان “لحملها”، وقد عرضت لتفسير الأمانة: من أول “حق الله على عباده” وحتى “التوحيد” (أحد عشر احتمالا). حين يكتب الأستاذ باكرا “حمل الإنسان الأمانة” صفحة التدريب 38 ثم يكتب هنا صفحة 81 – أى بعد حوالى خمسين صفحة عن عملية عرض الأمانه- ….. يتعمق لدينا مغزى العمليتين المتكاملتيين المنفصلتيين بالزمن السرمدى المحتمل بين العرض (الذى جاء فى هذه الصفحة)، وبين تصدى الإنسان للحمل، بدون عرض عليه بالذات، وفى هذا القلب الجميل لتسلسل الزمن ما يؤكد لنا حضور عبء حمل الأمانة المستمر طول الوقت قبل فكرة ظهور العرض فى وعى الأستاذ على هذه المساحة الرحبة.
****
ما بقى لدينا من جديد فى هذه الصفحة هو ثلاث عبارات وصلتنى بلا رابط ظاهر:
أولا: القناعة كنز لا يفنى
“…..القناعة لا تكون كنزا لمن لا يملك إلا القناعة. لكى تفخر بقناعتك لابد أن تختبر قدراتك أولا، هل حقا أنت “تستطيع” ثم “تتوقف”، وتقنع؟ أم انك تقنع استسهالا أو عجزا؟ مثلا: شيخى كان قادرا أن يقتنى سيارة وسائقا خاصا، وقد كان من أحوج الناس إليهما فى الفترة الأخيرة، لكنه لم يفعل، والشقة المتواضعة التى كان يقطنها وهى التى عرفته فيها، كان قانعا بها وكأنها قصر الرئاسة،… الخ،
لكنه لم يكن قانعا بأى مستوى يصل إليه إبداعه، ونقلاته النوعية من مرحلة إلى مرحلة،…..، هذا نوع آخر يرفض قناعة أخرى ليست الكنز الذى قصده شيخى هنا، كان شيخنا يفاجئنا دائما وربما يفاجئ نفسه بهذا الإبداع المتجدد شكلا وموضوعا، ويكفى اختراقه أولاد حارتنا بملحمة الحرافيش، ثم هذه الصورة العبقرية التى تفجرت فى “أصداء السيرة” لتكتمل “بأحلام فترة النقاهة…”.
ثانيا: الأميرة ذات الهمة
“…. الأميرة ذات الهمة هى مثال المرأة المناضلة والبطلة التي تصدت للحملات البيزنطية دفاعاً عن العرض والأرض والشرف والكرامة…، هذه الأميرة العربية الفلسطينية تعتبر سيرتها الشعبية أكبر وأطول وأضخم سيرة شعبية في تاريخ البشرية، مخطوط هذه السيرة الشعبية الفلسطينية كان موجوداً في مدينة برلين وكان الألمان في الحرب العالمية الثانية يقومون بنقل هذا المخطوط مع عدد من المخطوطات النفيسة الأخرى من مدينة إلى مدينة خوفاً عليها من قصف الحلفاء
“…. كان ميلاد الأميرة فاطمة ذات الهمة ونشأتها في وقت كانت فيه الأمة العربية والإسلامية تتصدى للعدوان على أطرافها …. ولقد شاركت فاطمة مع قبيلتها في القتال الدائر وفي التصدي للهجمات المعادية التي تستهدف أمتها وابرزت فاطمة همة وشجاعة نادرتين في القتال ولذلك أطلق عليها لقب “ذات الهمة”.. “، “…. ويقال إن الأميرة …قد قادت جيشاً عربياً وصل إلى مالطة والقسطنطينية”. يا ترى: ما الذى جاء بطيف هذه الأميرة فى وعى شيخى حتى يثبتها فى هذه الصفحة هكذا؟ أنا لا أستبعد أمرين على طرفى نقيض ظاهرا، لكنهما متكاملان من عمق معيّن : الأول: أنه سمع “حدوتها” طفلا ووصله منها ما يصل الأطفال من بطولة أنثوية، وفروسية أنثوية، وبسالة أنثوية، وظل ذلك كامنا حتى ظهر اليوم على سطح وعيه مع بعض طفولته الحرة وهو يتدرب على الكتابة من جديد. أما الثانى : فهو أنه، وهو الذى همَّه على فلسطين لا يخف ولا يخفت مع ما يصله من أنباء عن ما يلحقهم من قهر وإذلال، قد قفزت إليه سيرة هذه الفارسة البطل فشعر كم نحتاج جميعا رجالا ونساء، كبارا وأطفالا لمثلها الآن. ولعله كان يتساءل فى داخله وخارجه: أين نحن الآن من بطولة هذه الأميرة؟ فحضرت شخصيا، فى حركية وعيه ليقفز اسمها إلى صفحة تدريبه، وهأنذا أحمل رسالته إلى نسائنا وأطفالنا جميعا قبل رجالنا!!، سمعا وطاعة يا شيخنا! (وشاء الله ياعمى الدكتور مرسى !!) الأمر الذى تعجبت له وأنا أقرأ موجز سيرة هذه الأميرة هو كيف أن حجم مخطوط تلك السيرة الشعبية يبلغ ثلاثين ألف صفحة ونحن لا ننهل منه لا أطفالا ولا كبارا ما يليق وما ينفع، …”
ثالثا: البحر الأبيض والبحر الأحمر
“”.. حين قرأت هذه الكلمات الأربع قفزت إلىّ “مصر” قبل أن تقفز قناة السويس، أظن أن مصر تقع فى حضن هذين البحرين (قبل وَ..) أكثر من أن قناة السويس تربط بينهما، ولا أريد أن أزيد الآن، كما أننى أعتقد أنه سيعود إلى ذكرهما فى صفحة لاحقة. وإن عادَ عدتُ، وعدنَا.