نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 7-11-2012
السنة السادسة
العدد: 1895
تعتعة التحرير
لماذا تحبنا أمريكا “هكذا” جدًّا جدًّا
قالت البنت لأخيها: هل سمعت أوباما أمس، قال: أمس بالذات؟ لماذا؟ أين؟ قالت: فى مناظرته مع رومنى، قال: قرأت عنها اليوم، كلام معاد مثل كل انتخابات، قالت: ألم تلاحظ نبرة النبوة منهما، قال: نبرة ماذا؟ قالت: امتد الكلام إلى بعد ما يخص الأمريكيين، إلى رعاية البشر والبشرية، بالأمر بالديمقراطية والنهى عن الإرهاب، قال: كل ذلك قديم معاد، قالت: يجوز، لكن اللهجة والتأكيد على تسويق الأفكار والمبادىء إياها، أصبح شيئا أشبه بالتبشير، قال: هذه هى الانتخابات، قالت: إن لم يكن أوباما يقوم بدور النبى، فهو يبدو كالراعى الذى يتعطف على رعيته ليهدينا إلى صراطه المستقيم، قال: وفيها ماذا؟ قالت البنت: أنا أرفض مثل هذا الحب من هذا الكذاب الأسمر السمهرى، يخاطبنى وكأننى طفلة بلهاء، ألا يوجد عنده مستشار مثل مستشارى الدكتور مرسى؟ قال: اسم الله على مستشارى رئيسنا الذين سوف يخربون مخه، قالت: ليس المهم مخه، المهم لا يخربون بيوتنا نحن، خلنا فى هذا الكذاب الأسمر، إننى أرفض أن يخاطبنى هكذا، قال: وهل هو يخاطبك أنت بالذات؟، قالت: أنا أشك فيه منذ خطابه فى جامعة القاهرة، وهو يستشهد بالقرآن الكريم وكأنه يعنى ما يقول، قال أخوها: عندك حق، لكن ما غاظنى أنا أكثر هو التصفيق الحاد من الحضور كلما قرأ آية وكأنها أنزلت عليه، قالت: هذه هى البلاهة التى طمّعته فينا وأنا لست بلهاء مثلهم، ولو كنت من مساعديه لنبهته، إنهم يهدهدوننا بتعبيرات منغمة رنانة، مطمئنين إلى أننا “ظاهرة صوتية”، قال: أرجوك لا تُعَمِّمِى، قالت: وأنت أول الغافلين، قل لى بربك لماذا يريد هذا الرئيس الأسمر أن نكون أحرارا جدا جدا، حرية مستوردة صنعت فى أمريكا؟ هل هو يحبنا إلى هذه الدرجة والعياذ بالله؟ قال: هذه ثقافته وثقافة ناسه، الحرية هى المقدس الأول فى حياتهم، فما العيب أن يتمنوا مثل ذلك لكافة البشر؟ قالت: حرية ماذا؟ وبشر من؟ هل تترك لهم سطوة الإعلام الممول أية مساحة للتفكير الحر؟ ألم تلاحظ أنهم يحاولون نشر مبادئهم، ويتبارون فى ذلك فى مناظراتهم، وكأنه لا يوجد فى التاريخ ولا فى الحاضر غير ما يسوّقون؟ والشاطر منهم من يثبت أنه نجح أن يكون مبعوث العناية المالية اليهودية لتطبيع العالم وتطويعه ليعتنق رسالتهم، قال: هم يقولون أنهم رعاة الحرية فى كل مكان؟ قالت: اسم الله اسم الله، وفى فلسطين أيضا؟ وفى العراق؟ وليبيا؟ وسوريا؟ وأفغانستان؟، قال: يعنى!!، قالت: يعنى ماذا؟ أفِقْ يا أخينا!! حرية ماذا و”زفت” ماذا؟ هذه بضاعة مضروبة مضروبة، لو عرفوا ماذا يفعل الأحرار بالحرية الحقيقية لما جاءت على ألسنتهم هذه الكلمة أصلا، قال: أين هى تلك الحرية الحقيقية، كل الحريات الآن مضروبة، قالت: إلا واحدة، قال: ومن أين نحصل على هذه الحرية الأصلية بالصلاة على النبى، قالت: من ربنا، قال: ماذا تقولين؟ هل تأخْوَنْتِ أخيراً؟ قالت: وهل لابد أن أحصل على موافقتهم لأشهد ألا إله إلا الله، إنهم مثل الأمريكان يستعملون نفس الكلمات ويسقطون فى أى امتحان، ولعل هذا سر تحالفهم، قال: لست فاهما!! قالت: مالهم هم والحرية، قال: حزبهم اسمه “الحرية والعدالة”، قالت: قالوا للسياسى سمِّ حزبك، قال: جاءك الفرج، حرية التوحيد لا يعرفها لا أوباما ولا أغلب الاخوان، ولا حتى السلفيين، قال: اسم النبى حارسِكْ وضامنك، انت الوحيدة التى تعرفينها، قالت: إنها حرية ضد كل عبوديات العالم والتاريخ، إنها حمل أمانة الحرب ضد الشرك الصريح والشرك الدبيب، قال ما هذا الذى تقولين؟ شرك ماذا و”دبيب” يعنى ماذا؟، قالت: دبيب النملة، قال أخوها: لست فاهما، قالت: أحسن، دع كل هذا جانبا لنرجع إلى المناظرة بين المرشحين الأمريكيين، ولا بد أن تكتشف أن المسألة تجاوزت مسألة رئاسة أمريكا إلى نبوة جديدة لها مقدساتها، تُستعمل انتقائيا حسب ميول المطففين ، وبقدر كفاءة وكمية وفتك أسلحة النبى الجديد هو وحوارييه، قال: قلت لك أننى غير فاهم، قالت: ماذا أفعل لك، لقد قرأت مؤخرا أرقاما أذهلتنى فاحتفظت بالورقة لصعوبة مجرد تصور هذه الأرقام بخيالى، قال أخوها: وهل الورقة معك؟ قالت: نعم، قال: إقرئيها إعملى معروفا فقد أفهم، قالت إسمع يا سيدى (تقرأ): “حسب تقديرات معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام، بلغ الإنفاق العسكرى العالمى فى العام 2010 تريليون وستمائة مليار دولار أمريكى، أغلبها لشركات السلاح الأمريكية الكبرى”، قال:2010، فكم يا ترى الرقم فى 2013، ولكن قولى لى “تريليون” يعنى ماذا؟ قالت: إيش عرفنى؟ لعل أكوام الدولارات تحتاج تروللى لحملها، فسموها تريليون، يبدو أنهم يقبضون ثمن الحرية التى يسوقونها بالتريليونات، بالله عليك ما هى الحرية التى يتباهون بأنهم يوزعونها علينا مثل أكياس الشبيسى وهم يواصلون كل هذا التسليح والقتل والإبادة؟ أى قيم تُسَوَّق بكل هذه الأسلحة وكل هذه الدولارات وكل هذا الإعلام، قال: يبدو أن عندك حق، قالت: عليك نور، أخيرا أفقتَ، كُنْ معى فى رفض هذه المسخرة وأمريكا تنادى بأعلى صوت سياسة السوق: قرّب قرّب قرّب: “الحرية الجاهزة” “الحرية بعد التفكيك” الذى لا يشترى يتفرج، قال: كفى سخرية، قالت: لماذا تريد أمريكا أن نكون أحرارا جدا؟ هل هى تحبنا جدا جدا؟، لماذا تدخلنا “مدارس لغات” نتعلم فيها “الديمقراطية الخاصة”؟ لماذا تمول البعثات للخارج ليتعلم المبعوثون آليات وخدع الانتخابات، وتلحق المتفوقين بفصول التظاهر المعطّل المحسوب؟ وتفتح مراكز الدروس الخصوصية لحقوق الإنسان المكتوبة المتلونة حسب بورصة إسرائيل؟ لماذا تدفع المصروفات للعاجزين عن دفعها وكله بثوابه؟، قال: هذا هو التفكير التآمرى بعينه، قالت: تفكيرى أم تفكيرك بالصلاة على النبى، قال: نحن الإثنان.
*****
قالت البنت لأبيها: هل تحب أمريكا يا أبى، قال أبوها: إسمعى إعملى معروفا إياك وأن تكلمينى فى السياسة، إبعدى عنى إعملى معروفا، مالى أنا وأمريكا. قالت: ألم يبلغك يا أبى أنها تحبنا جدا جدا بدليل أنها تريد أن تجعلنا أحرارا، وتطيرنا فى الجو مثل “غية الحمام”، قال: أكثر الله خيرهم، وهل أحدٌ يكرهْ، قالت: أنا أكره أن أكون حرة هكذا، قال: إكرهى كما تشائين، أنا شخصيا لا أريد أن أكون حراً أصلا؟ قالت البنت: أنت أصدقنا يا أبى، أنا أحبك جدا، قال: وأنا أيضا، قالت: مادام الأمر كذلك فما أغنانا عن حب أمريكا الملوَّث هذا، قال: أمريكا ثانية؟ قالت: آسفة أسفة، ربنا يطول لنا عمرك، قال: ربنا ينجحك ويفرحك،
قالت: وينجّى مصر.