نشرة “الإنسان والتطور”
23-1-2012
السنة الخامسة
العدد: 1606
تعتعة التحرير
….. لابد أنهم يحبون مصر جدا جدا
أنا أيضا أحب مصر جدا جدا،
كررت مرارا أننى لا أستطيع أن أعالج مرضاى إلا إذا تقمصتهم بدرجة ما حتى أفهمهم وأحترمهم، ولأننى أمارس هذه المهنة لأكثر من نصف قرن، أصبح هذا التقمص وسيلة لفهم الكثير مما يجرى حولى.
أمرّ هذه الأيام بخبرة جديدة هى محاولة تقمص المتنافسين على كرسى الرئاسة لعلى أعرف الدافع، ومن ثم أتلمس استيضاح بعض خيوط المستقبل،
كان الرئيس السابق قد أعفانى من لعبة التقمص هذه حين قرر أنه لن يترك الكرسى إلا إلى بارئه، وقبل أن أتساءل ياترى! ثم ماذا؟ تفضل سيادته بأن تولى عنى عناء التفكير فى هذه المسألة أيضا، وذلك بأن أعدّ عدته لتوريث الكرسى، وكل ما عذَا هذا الاحتمال، بما فى ذلك تصريحاته هو بالنفى، اعتبره من باب التسالى، وبرغم ذلك لم أتمكن من التوقف عن عادتى المزعجة، فتقمصت رغما عنى الوريث الشاب، والعجيب أننى بدلا من أن أشجب دوافعه ودوافع أهله لهذا التوجه التوريثى وأطلق غضبى وحقدى على الجميع وجدت نفسى – تقمصا – أشفق عليه حتى كتبت مقالا طويلا عريضا بعنوان “من ينقذ الشاب جمال محمد حسنى من ورطته” (الوفد 29/7/2009)، روح يا زمان تعالى يا زمان كان ما كان، فإذا بى أتبين أنه كان مشاركا فاعلا ينقصه الذكاء مثلهم، وليس مجرد متورط.
نرجع مرجوعنا للوضع الحالى، فقد لفتت نظرى مؤخرا تحركات السيد/ أحمد شفيق، وأنا مازلت أذكر دموعه وهو يسلم على زملائه وهو يغادر الوزارة، وقد تصورت ساعتها أن تلك الدموع هى تعبير عن تأثره جدا من نكران الجميل بعد تضحيته بقبول المنصب فى هذا الوقت الحرج، المهم تابعت تحركاته الأخيرة، ورجحت حسن النية، وتصورت أنه اكتشف خطة خطيرة لإصلاح حال البلد لا يمكن أن ينفذها إلا هو، وبالتالى جاء على نفسه من جديد وغامر بإعلان عزمه على النزول للترشح للرئاسة وراح يجس النبض، هنا وهناك….الخ. يا تُرَى هل لم يتعلم؟ رحت أقارن موقفه هذا بموقف الجنزورى وقبوله الوزارة، فأنا مازلت اعتبر أن الجنزورى قَبِلها فعلا للإسهام فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، قَبِلَهاَ وهو يعلم أنها مهمة مؤقتة سرعان ما سيتركها، وهو لا ينقصه لقب رئيس وزارة سابق فارتفع فى نظرى مواطنا صالحا لم يتخل عن واجبه ولم يبخل بخبرته، فهو لابد يحب مصر جدا جدا
لكن بالنسبة للسيد أحمد شفيق فالأمر يختلف، والأمور أصعب، والانتخابات أقل تزويرا، ومؤيدو الرئيس السابق سواء بطيبة أو بغباء أو بانتهازية ليس لهم تأثير بحيث يقدرون مخاطرته، فلماذا هو مصرٌّ هكذا؟ وقلت لنفسى: لابد أنه يحب مصر جدا جدا.
انتقلت من عجزى عن تقمص هذا المرشح الدمث إلى السيد/ عمرو موسى وأنا لم يصلنى من دوره كوزير خارجيتنا أو كأمين لجامعة الدول العربية ما يفسر لى معاناته وجولاته الانتخابية فى هذه السن، وتساءلت ماذا تبقى عنده بالضبط يعطيه لنا إذا ما تولى هذا المنصب وكف شعبان عبد الرحيم عن دعمه خشية الاتهام بالنفاق، وكفت اسرائيل عن إعلان عداوتها لشخصه من باب العمل على نزع بطولة استكباره عليها، أليس هو أولى فى هذه السن أن يمضى ما تبقى له من عمر فيما يراه من حقه مواطنا صالحا أدى واجبه وأخذ حقه؟ ولم أجد تفسيرا إلا أنه لابد أنه: يحب مصر جدا جدا.
ثم انتقلت اتقمص صديقة إعلامية، وبيننا نسب ما، وأنا احترمها، وكنت أتابع وأشارك أحيانا فى نشاطها الإعلامى، ولقد فهمت إقدامها على الترشيح لهذا المنصب على أنها ربما تفعل ذلك لكسر الحاجز الرجولى الذى يحيط بهذا الكرسى، ومع أننى على يقين من فشلها لصالحها بإذن الله، فقد تعجبت من تضحيتها وهى لم تخرج بعد من شهر العسل إلا منذ أسابيع، ورجحت أنها تملك من الخيال والخطط ما لا أعلمه، فلابد أنها ما فكرت فى الترشيح إلا لأنها تحب مصر جدا جدا.
انتقلت بعد ذلك محاولات تقمصى الى الدكتور البرادعى صاحب الفضل فى فتح هذا الباب باكرا حين كان صاحبنا فى عز صولجانه، فكان من السهل علىّ – نسبيا– تقمصه: فهو عالم جليل، ومواطن ذكى وتفكيره منظم، ومتمدن، ونوبلىّ، لكن وصلتنى صحف صباح الأحد أثناء كتابتى هذه الفقرة، فعلمت باعتذاره، مع وعده باستمراره فى الشارع مع الشباب والناس، فتأكدت من بعد نظره، ومن أنه يحب مصر جدا جدا.
ثم خذ عندك محاولة تقمص المرشحين الإسلاميين على اختلاف طيفهم من أقصاها إلى أقصاها، ولم يكن التقمص ممكنا حين جمعتهم جملة، فقد وجدت بعض المرشحين على طرفى نقيض من البعض الآخر من أبو الفتوح الحر الرائع إلى أبو إسماعيل القوى الحاسم، قلت لنفسى كلما كان الهدف أوضح كان التقمص أسهل ووجدت الهدف ماثلا ساطعا ويمكن إيجازه فى “إعلاء كلمة الله” ورجحت أيضا أن هذا الفريق هو أكثر اتساقا مع نفسه مهما اختلفت التفاصيل، وأطمأننت لبضع دقائق لا أكثر، ثم رعبت من أن يتصور أى منهم أنه – دون غيره هو المكلف – بإعلاء كلمة الله، كما يفهمها ويفسرها هو وفريقه حصريا، طبعا خفت على نفسى وأنا أحاور الله عز وجل أسبوعيا فى موقعى استلهاما من مواقف مولانا النفرى، فعجزت عن مواصلة التقمص من باب السلامة أولا، لكننى عدت وتشجعت وشعرت بثقل مسئولية المسلم الحقيقى إن أراد فعلا أن يعلى كلمة الله للمسلم وغير المسلم بدءًا ببلده وناسه وأهل دينه وقلت لابد أن أى واحد منهم يحب مصر جدا جدا انطلاقا لسائر البشر.
أنا لا أعرف ما يكفى بما يسمح لى بتقمص بقية المرشحين ولا أنا أعرف من هم وخاصة من الثوار، وأتصور أن بعضهم قد وصل إلى سن الترشيح وأنه سيفعلها برغم ما وصله من إحباط نتيجه قلة حظه فى تجربة انتخابات مجلس الشعب، وحين تقمصت أى واحد منهم لم أشفق عليه، فمن عرض نفسه لرصاصة وهو فى ميدان التحرير، لا مانع أن يعرض نفسه- ويعرضنا معه- لهذا الامتحان حتى لو يكن يملك لديه أى ضمان لاجتيازه بنجاح إلا أنه يحب مصر جدا جدا.
خلاصة القول: الأغلب أن كل هؤلاء الناس الطيبين يحبون مصر جدا جدا،
وأنا كذلك،
لكننى والحمد لله لا أصلح للترشيح لهذا المنصب لأسباب نفسية!!