نشرة “الإنسان والتطور”
16-1-2012
السنة الخامسة
العدد: 1599
تعتعة التحرير
… سبعون خريفا !!
سبق أن ناقشت فى مقال بعنوان “أنواع العقول والديمقراطية المضروبة”! نشرت فى الوفد بتاريخ 1–6-2011 قلت فيه بعد أن قدمت لكتاب أنواع العقول لدانيال دنيث، العقول بمعنى مستويات برامج الوعى عند الحيوانات، قلت أنالأحياء التى استطاعت أن تبقى حتى الآن وتقاوم قوى الانقراض فعلت ذلك لأنها استطاعت أن توظف برامج الوعى الجمعى لحفظ نوعها، بمشاركة كل أفرادها معا للحفاظ على الحياة وسط عدد هائل من الأحياء المتنافسة الأخرى.
بصراحة نحن نفتقر حاليا إلى هذا الوعى الجماعى عند الإنسان عبر العالم، حتى ذهب بعض الباحثين إلى وضع فرض يقول : إن الجنس البشرى أصبح يمثل عدة أنواع من الأحياء لا تربطها برامج بقاء مشتركة، فلم يعد البشر نوعا واحدا، ومِن ثمَّ راح هذا الفرض يفسر حروب الإبادة، والتجويع، والاستغلال. حتى أوصلنا إلى وضع أدنى من الحيوانات، وأنا أقرهذا الفرض بحذر شديد، لأن معناه أن الحيوانات أصبحت أكثر دراية بتسيير برامج بقائها الحيوية من الجنس البشرى، لكن يظل هذا الفرض ينبهنا إلى ضرورة إعادة النظر فى معظم الأساليب التى نتعامل بها مع بعضنا البعض شعوبا وطبقات، مهما بدت مقدسة أو ناجحة ومدعومة إعلاميا لحاجة فى نفس المعولمين..
اعترفت مكررا أننى رضخت للديمقراطية كمرحلة، لكن ما لم تساعد التكنولوجيا الأحدث والإبداع البشرى فى تطوير هذه الديمقراطية لتسهم فى أن يعود البشر نوعا واحدا يتكاتف ضد القوى المهددة بانقراض الجنس البشرى، طمعا وكفرا، فلا بد من إعلان الإنذار للعالم أجمع: يا أيها الناس، الخطر الخطر !!!، معا، أو الطوفان.
نعم، هناك طرق أخرى حاليا لقياس الوعى بسرعة وتلقائية، تجعل من كل فرد حكما سريعا على تصرفاته أولا بأول، طرق أعمق من الضمير، وأجهز من الردع الخارجى، (بل الإنسان على نفسه بصيرة) وهى طرق لا أستطيع أن أدعى أنها بديلة أو جماعية، لكنها أكثر مصداقية وأنفع بالنسبة لبعض الأفراد وللمجموعات الصغيرة جدا، وقد تأكدت من خلال العلاج الجمعى كمثال.
الخلاصة: ما دام الإنسان قد ورط نفسه بالوعى ومبادرة امتلاكه درجة من الإرادة تسمح له بالإسهام فى إدارة تخطيط برامج بقائه بما فى ذلك احتمال مسئوليته عن مضاعفات الانقراض المحتمل، فعليه أن يحسن حمل الأمانة لعل الله سبحانه ينقذه من جهله وظلمه لنفسه.
افتراضات أساسية
خطرت لى عدة افتراضات نابعة مما سبق بمناسبة نتائج هذه الانتخابات الواقعية الرائعة
أولا: إن ما تمر به مصر ليس إلا جزءا من مشكلة من حولها من جيران وشركاء، بل وفرقاء
ثانيا: إن ما تمر به مصر ومن حولها (الربيع/الشتاء/ الخريف العربى…) ليس إلى جزءا من مشكلة العالم (بدءا باللعب فى الاقتصاد حتى التنكر للإيمان)، من أول أمريكا حتى استراليا مرورا ببنجالاديش محاذاة للصين اختراقا لروسيا وأوربا..إلخ
ثالثا: إن مشكلة العالم ليست إلا جزءا من مشكلة الجنس البشرى وتعرضه للانقراض
إلخ…إلخ
طيب، وما علاقة كل ذلك بانتخابات مجلس الشعب هذه؟
تعالوا نتساءل مع بعض الابتسام : من ممن نجح يعيش هذه الافتراضات ضمن مسئوليته وهو يمثلنا بالسلامة ؟
هناك شىء اسمه المنطق البديهى، وهو أقرب ما يكون إلى ما أسماه كارل بوبر الحس المشترك، وهو هو الذى اعتبره أينشتاين أساس العلم كله، وقد تعرفت عليه خبراتيا أكثر فأكثر مؤخرا (أربعين سنة) من خلال العلاج الجمعى فى قسم الطب النفسى فى قصر العينى مع مرضى بعضهم لا يفك الخط، وأغلبهم لم يكمل تعليمه، وهم الذين تعلمت من خلالهم ما هو الوعى الجمعى، وما هو الحس المشترك، وأن الله سبحانه يحضرنا فى كل جلسة بلا استثناء (ثم فى كل لحظة “هنا والآن”)، وأنه يـُدْرَك ولا يُثْبَت بالحجج والبراهين، يدرك حتى نكاد نلمسه أثناء تصعيد الوعى الجمعى وهو سبحانه يعيننا على أنفسنا ونحن نتوجه إليه نحو الصحة وبصراحة لم أستطع أن أفصل أيا من هذا الذى أمارسه أسبوعيا عن صناديق الانتخاب أو حكاية المعونات المشبوهة من جهات غامضة لمنظمات غافلة ..إلخ.
قلت: ما دام هذا التجمع الجماعى (العلاجى) له منهج غير منهج تسويد علامة الرأى فى ورقة توضع فى صندوق فلماذا لا أجرب اختبار لمحة من نفس المنهج فى السياسة، فاخترت إحدى التقنيات وهى “الألعاب النفسية” كالتالى:
اللعبة: مزيج من السيكودراما الشديدة القصر، وتلقائية إكمال النص، نحن نعرض على المريض أو المتطوع جملة ناقصة، ونطلب منه أن يعيدها حرفيا وهو يقوم بتمثيل محتواها، ثم يكملها بسرعة وبتلقائية كيفما اتفق دون تفكير تقريبا، وغالبا ما يكتشف جانبا آخر من رأيه، أو وعيه، أو موقفه أو وجوده، قلت فماذا لو جربناها فى السياسة ولو كعينة؟
أبدأ بأن أقدم مثالا مع الرد عليه قبل أن أتقدم ببعض ما خطر لى:
دعوة: عزيزى عضو مجلس الشعب، بعد تهنئتى الخالصة والله العظيم ثلاثا، أرجو أن تكرر الجملة التالية بسرعة، وأن تستجلب تعبيرات الوجه والجسم واليدين المناسبة لكلماتها، ولا تهتم – وأنت تكملها- إن كانت تمثل رأيك أم لا ، شكرا
المثال اللعبة :
o الحمد لله بجد، أنا ما كنتش متصور إنى حاخد الأصوات دى كلها بس برضه (أكمل)……….
الاستجابة للمثال:
o الحمد لله بجد، أنا ما كنتش متصور إنى حاخد الأصوات دى كلها بس برضه أنا أستاهل أكتر من كده
والآن تفضل بممارسة ما تشاء من الألعاب التالية :
o أنا صحيح نجحت الحمد لله، بس بصراحة خايف لما اقابل ربنا إنه (أكمل من فضلك)…
o إحنا مالنا ومال اللى بيجرى فى الصين ولا حتى فى العراق ولا أفغانستان، أنا كل اللى انا عايزه ….(أكمل من فضلك)
o لا، دا انا حاخدم ناس دايرتى عشان أرد لهم الجميل، لكن حكاية الاقتصاد والسياحة والكلام ده بقى انا يا عم ….(أكمل من فضلك)
o طبعا، حا عوّض كل صرفته عشرين مرة، هو انا يعنى … (أكمل من فضلك)
o هوه عشان أتمتع بالحصانة لازم ارتكب جريمة يعنى؟ ماهو انا لازم آخد حقى تالت ومتلت، يبقى بقى …..
o والله انا خايف أروح جهنم ييجى كام “سبعين خريفا” على الكلام اللى انا قلته أثناء الدعاية، أنا ماكانش قصدى، بس برضه…… (أكمل من فضلك) .. إلخ