نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 9-1-2013
السنة السادسة
العدد: 1958
تعتعة التحرير
المادة الغائبة فى الدستور (والحياة)
قالت البنت لأبيها: أنا أشعر بالإهانة بالاستبعاد والقهر يا أبى، قال أبوها: ماذا تقولين؟ كله إلا هذا! أنا أقتل من يجرؤ أن يهين ابنتى الغالية، قالت: واحدة واحدة يا أبى، كنتُ قد نسيتُ أصلنا من الصعيد الجوانى، قال: كله إلا الإهانة، من ذا الذى أهانك، قالت: أنت تعلم أننى أحب الله جدا، قال: وأنا أيضا وأنت تعلمين ذلك كذلك، قالت: كلنا نحب الله غصبا عنهم، قال: عن من؟ قالت: عن الذين يقفون حائلا بيننا وبينه، قال: إذن أنت لا تحبينه بدرجة كافية، إذا كنت تحبينه فعلا، فلا يوجد على ظهر الأرض من يستطيع أن يحول بينك وبينه، قالت: أنا أعرف ذلك، لكننى أخبرك يا أبى عن إحساسى، هذا ما وصلنى من “الدستور”، قال: يا نهارك أسود، هل وصلت تخاريفك أنت وأخيك إلى هذا الحد! ألهذا صوّتِى بـ “لا” فى الاستفتاء؟ ما هذا الذى تقولين؟ قالت: صبرك يا أبى، طيب قل لى أنت لماذا صوّت بـ “نعم”، قال: لأن كله مثل كله، فلماذا أعترض وأعرّض نفسى لما لا أعرف، قالت: وهل أنت تعرف عن ماذا وافقت حين قلت “نعم”؟ قال: طبعا أعرف، وافقتُ أن تسير المركب بأى شكل من الأشكال، قالت: تسير إلى أين؟ تسير ونحن ندفعها نحو الهاوية؟ ونحن معها، قال: تسير كما هى سائرة الآن قالت: وهل هى سائرة الأن؟ أليس صوتنا فى الاستفتاء شهادة يا أبى كما علمتنا، هل أنت قرأت المواد التى شهدت عليها بالموافقة، قال: لا طبعا، قالت: ألن يحاسبك الله على موافقتك على شىء لم تحط به علما، قال: سيحاسبنى طبعا، قالت: فماذا ستقول له سبحانه، قال: وأنت يا فالحة هل قرأت المواد كلها؟ قالت: قرأت مايكفى لأن أقول “لا”، وسوف أقول لربنا عن المواد التى رفضتها، ويكفى رفضى لمادة واحدة لتكون شهادتى صادقة، قال ابوها: آه صحيح!! وأى مادة تلك التى رفضتها حتى تدافعى بها عن نفسك أمام الله؟ قالت: المواد القبيحة والخبيثه كثيرة وعلى قفا من يحمل، قال: كان عليك أن تخبرينى بها قبل أن أدلى بشهادتى، أذكرى لى عينة منها، قالت: ألا يكفى ما قلته لك حالا! أنهم وضعوا بينى وبين ربى حائلا، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله؟ هل توجد مادة فى هذا الدستور تحول بينك وبين حب الله، قالت: لقد وصلنى هذا من غياب مادة كنت أنتظرها، وليس من حضور مادة أرفضها، قال: هل هذا كلام؟!! إنك تتمادين فى تخريفك، لم يعد ناقصا إلا أن تطلبوا من واضعى الدستور توصيل المواد للمنازل (“ديلفرى”) قالت: لا تسخر يا أبى، إنتظر حتى أٌفهمك، قال: لم يبق إلا أن تطلبى أن يدرجوا مادة توجب على الحكومة استيراد عريس من الصين لكل من لم تتزوج حتى السابعة والعشرين، أو تلزم الدولة بصرف كوبونات للحب مع بطاقة التموين، قالت: لا تتمادى فى سخريتك ودعنى أشرح لك: أنا أتكلم عن حبى لربنا وانت تتكلم عن كوبونات الحب، لماذا لا تأخذ المسألة جدا، قال: جدا ماذا يا ابنتى! انت التى عليك أن تأخذيها جدا، أية مادة تلك كنت تودين إضافتها؟ قالت: مادة تقول: “على الدولة أن تعلن أن دخول الجنة أو النار لكل المواطنين، أقصد لكل الناس، ليس من اختصاصها، وليس لأى من المجلسين النيابيين أوالقضاء، حتى المحكمة الدستورية دخل بهذا الشأن، ومن باب أوْلى فليس ذلك من اختصاص العامة أيا كانت انتماءاتهم، قال: معقول! وهل قالوا غير ذلك؟ قالت: لا بد أن يلزم الدستور بوضع قانون يجرم من يخالف ذلك، قال: ولكن هذا بديهى، فلماذا ينصّون عليه فى الدستور، قالت: بديهى ماذا؟ أنت لا تعرف ماذا يفتى به الشيوخ والقساوسة، بل ومدرسوا الدين للأطفال فى حصص الدين المنفصلة، قال: يجوز أنا لا أعرف، لكن الجميع يرددون أن الدين لله والوطن للجميع، قالت: يا أبى هذا شعار أفرغوه من وظيفته التاريخية ليسهـّل لهم التصوير فى الصحف والفضائيات وهم فى أحضان بعضهم البعض، يتبادلون القبلات، فى حين أن كل فريق يعد نار جهنمه للآخر مالم يعتنق دينه، قال: من قال لك ذلك؟ قالت: الفتاوى الرسمية، والخطب فى المساجد والمواعظ فى الكنائس والهمس فى الحجرات المغلقة، قال: ومن أدخلكِ الحجرات المغلقة، قالت: أرنا شطارتك وأرسل سؤالا صريحا لأية جهة دينية رسمية على الجانبين، واسألها أن تجيبك فى خمس كلمات لا أكثرعن مصير من ليس على دين فريقها، قال: ولماذا لا ترسلى أنت؟ قالت: أرسلت، إلا أنى لم أشترط عدد الكلمات فوصلنى رد طويل عريض انتهى بدعاء أن يهدى الله المختلف حتى ينير عقله ويعتنق – قبل أن يموت – دين صاحب الرد ، قال: إلا من رحم الله، قالت: بصراحة هم لم يذكروا هذا الاستثناء، قال: وما للدستور بكل هذا؟ قالت: أليس فى ما اقترحته احترام لعدل ربنا المطلق، ربنا الذى أحبه وتحبه، فإذا استعبطوا وأغفلوا ذلك فى الدستور أليس هذا ما يشير إلى أنهم يتكلمون عن رب آخر لا أستطيع أن أحبه لأن ربى هو العدل الذى قال “وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً “، قال: آه صحيح!!، قالت: هل صدقتنى يا أبى؟ قال: وكيف لا أصدقك والمسألة بهذا الوضوح؟ هل علمتَ الآن أنهم كذابون، قال: من هم؟ قالت: كل الذين يتحاضنون وكل واحد منهم يعدّ النار للآخر ولذويه إذا لم يعتنقوا دينه، قال: يبدو ذلك!! وما الحل؟ قالت: الدستور، قال: تقصدين أن تدخل هذه المادة فى الدستور؟! قالت: نعم طبعا، قال: وهل يوافقون، قالت: حتما، ما دام ربنا قد خلق لهم عقولا مثل عقولنا،وقلوبا مثل قلوبنا، وسوف يعدلون ما يبرئ ساحتهم أمام العدل الرحمن الرحيم، قال: إياك أن تقولى هذا الكلام علانية،، قالت: أى كلام يا أبى ؟ هذا منطق بسيط يفهمه طفل فى السابعة، إن حمل أمانة نعمة ربى هو أن أستعمل ما خلقنى به لأهتدى إليه لا شريك له، فأظل أحبه ويحبنى كما هو سبحانه وليس كما يرسمونه لى، قال: إن شاء الله تكبرين، ويحفظ الله مصر ويزيد المؤمنين إيمانا، ويبارك فيك وفى أخيك، حتى تصلحوا ما أفسد الدستور ، قالت : أخيرا رضيت عنا يا أبى، قال : ما دمتما قد رضيتما عنه فرضى عنكما، وعنكم.