نشرة “الإنسان والتطور”
25-6-2012
السنة الخامسة
العدد: 1760
تعتعة التحرير
الأمر الواقع!، والواقع المرّ الرائع!!
أرسل هذا المقال قبل معرفة النتائج النهائية، وقد كتبته منذ سنة وشهر (25/5/2011) بعنوان “لم يبق إلا أن يدخلوا امتحان السلطة“، ثم رأيت إعادة نشره لأنى وجدت كأنه كتب اليوم، وقد قمت بحذف بعض الجمل (مكانها نقط بين قوسين)، وإضافة بضع كلمات (بين قوسين أيضا)
المقال القديم الجديد:
(…..) لم يعد التفاؤل اختيارا، ليس فى مقدور أى واحد يحب هذا البلد، أو مدين له بأى دين مهما صغر، إلا أن يتفاءل، ذلك النوع من التفاؤل الذى يلزم صاحبه أن يساهم فى تحقيقه، الذى لا يتألم وهو يتفاءل فى هذه الظروف لا يعرف مسئولية التفاؤل.
لم نعد نحتاج إلى تحليل ما جرى، كفى تحليلا وتفسيرات نفسية وتاريخية وأخلاقية وفكاهيه، لا ينبغى أن نشغل عامة الناس بمحاسبة الذين أجرموا فى حقنا، مهما بلغ جرمهم إلا بمقدار ما نتعلم منه كيف نحول دون ذلك فى مستقبل الأيام، أما الردع الخاص، فهو قد أصبح مهمة القضاء 100%، ولا يوجد مبرر موضوعى أو وطنى أو أخلاقى يسمح لنا بالتشكيك فى هذه المؤسسة التى تبشر ببدء استعادة عافية المؤسسات الصالحة لتشكيل دولة لها معالم وقدرات، وحتى لو شككنا فى موضوعية بعض أحكام القضاء التى تختلف معها عواطفنا أو آمالنا، فهناك درجات أعلى فأعلى للتظلم واستئناف الأحكام، (فيما يجوز استئنافه أو نقضه وبالقانون).
أصبح الواقع الآن، بوعوده الثورية، وإنذاراته الكارثية هو أقوى التحديات.
…. ليس معنى هذا أن تكف القوى المنافسة عن بذل قصارى جهدها طول الوقت فى محاولة حفظ توازنٍ ما، قد يكون مثل هذا التوازن بداية لما يسمى الديمقراطية القادرة على أن تقلب الكارثة إلى تجربة قادرة على أن تنمو وتنضج وتتطور …
الذين سوف يحكمونا – أيا كانوا- (……) لا بد أنهم يعرفون ما ينتظرهم من مهام ، وما وصلنا إليه من صعوبات، وما يحيط بنا من مخاطر فى الداخل والخارج، ولو استطعنا – من موقف التفاؤل المؤلم أيضا – أن نحترم الانطباعات الأوليه التى تصل إلى كل ذى منطق سليم، حتى مع افتراض، أى تآمر مسبق أو تحريف مقصود، فعلينا أن نمضى نحن فى طريقنا (….).
آن الأوان أن نتجاوز مرحلة طرح الاسئلة المعادة منذ أكثر من مائة يوم، (كتبت ذلك قبل سنة ومازالت الأسئلة هى هى)
آن الأوان أن نكف عن مواصلة البحث عن تفسير لتصرفات السابقين ما دام الأمر قد اصبح فى حكم الماضى، اللهم إلا بقدر ما نحاول أن نعرف آلياتها لنحول دون تكرارها،
آن الأوان أن نتحمل معا، مهما بدت شقة الاختلاف أو الخلاف، ما صرنا إليه باعتباره مشروعا جيدا جدا، نحن نستحقه بكل جدارة، (…..)
(…..)
على المتفائل المتألم المسئول أن يتمنى ويفترض النجاح لمن سوف يتولى الأمر، كل ما علينا هو أن نصر ومن الآن على إرساء نظام لا يضطرنا إلى خلع هذا المسئول القادم وتثبيته إلا فى ساحة القضاء، أو ساحة الانتخابات، حتى لا نضطر إلى تجربة فوضى جديدة (…..) (فرصتها اقل فأقل أن تكون خلاقة لتشكل ثورة فدولة فحضارة)
التاريخ يعلمنا أن الثورات ليست نزهة يومية لأى بلد تبنى نفسها، وتريد أن يعيش أبناؤها تحت سقف مؤسسات تنتج، وتتقدم، وتحمى ناَسها وهى تضيف إنجازاتها.
البداية الآن هى من واقع جديد جديد جديد، وعلينا أن نضع كل الاحتمالات بطريقة أخرى غير ما كنا نمارسها فى المائة يوم الماضية، (أصبحت الآن 415 يوما)، علينا أن نعد أنفسنا للتكيف مع المسئولون القادمين بإذن الله، ونحن نقدر جهدهم ونفترض تمام انتمائهم ونتوقع أصالة إبداعهم، فإن وفـِّقُوا بالسلامة وتعافى الاقتصاد، وازدهر الإبداع، وانتشرت الحرية، وعادت القيم الأصيلة، وتواصل الكدح الإيمانى فالخير سوف يعم الجميع، أما إذا فشلوا فى تحقيق مطالب الناس، وتوفير أمنهم، واحترام إنسانيتهم، والحفاظ على كرامتهم، فلنستعد لإتقان استعمال آلية إيقافهم باكرا حتى لا يتمادون فى فشلهم. (وخرابنا)
علمنى شيخى نجيب محفوظ أن الديمقراطية – بكل عيوبها– هى القادرة على تصحيح أخطاء الديمقراطية، وبصراحة لم أتقن الدرس بعد، نحن نتصور أن هناك من ينتهز الفرصة الآن (….) ليركب المحمل ويقود الركب إلى صالحه، أو صالح فريقه دون سائر الناس، ليكن، فليدخلوا امتحان السلطة، وعلينا أن نتحمل مسئولية استمرار بقائهم ما استطاعوا البقاء، كل ما يمكن أن يؤمننا هو أن نُرسى الآن ضمانات آليات التغيير المتحضرة، فلا نتوقف عند الفرحة باحتمال تكرار تغيير كان ضروريا فى ظروف استثنائية، إن فشلهم – لا قدر الله– لابد أن يفيقنا من الخدعة، وساعتها قد نكون قد استوعبنا الدرس، وتعلمنا أنه لا أحد – خصوصا فى العصر الحاضر – يختار (وينتخب) بعقله الموضوعى جدا، نحن نختار بوعينا، وعواطفنا، وغرائزنا، وبعض ظاهر عقولنا وكل هذا ليس دائما فى بؤرة شعورنا، لكن الممارسة والزمن يقربنا بالتدريج إلى مزيد من الموضوعية.
من يهمه أمر هذا البلد، ويريد أن يساهم طول الوقت بما يستطيع عليه أن يحترم الواقع الحالى ويبدأ منه، ويساهم فى إنجاحه سواء انتمى إلى من يلى السلطة أم لا. نحن لا نحتاج أن نضيع الوقت ونواصل المناقشات النظريه ونحن نحكم على بعضنا البعض بالكلام (أو التاريخ السابق) قبل خوض التجربة، إن من يتصدى لتولى السلطة، وينجح حتى فى الضحك علينا، فليتفضل، وليدفع الجميع ثمن الضحك عليه، حتى لو كان قد قاوم ذلك ما أمكنه ذلك، وليستعد للجولة القادمة وهو أكثر يقظه وتوقيا من أن يخدع مرة ثانية، ولنخرج من التجربة وقد تعلمنا كيف نلزمه بدفع ثمن فشله بأن نخلعه، ثم نتحمل معه مرغمين بعض نتائج فشله، نخلعه بالقضاء أو بالانتخابات ما دمنا قد أرسينا القواعد الجديدة.
لكى يتواصل نمو شعب صبر كل هذا الصبر، ودفع كل هذا الثمن، علينا أن نتعلم من الفشل مثلما نتعلم من النجاح كل ذلك يتطلب منا أن نجتهد غاية ما فى وسعنا أن نحدد مقاييس النجاح والفشل، ليست بعدد الملايين فى ميدان التحرير بل بعائد الإنتاج الذى حدث نتيجة مظاهرات ميدان التحرير، (….) إلخ
(نحن شركاء فيما حدث، وعلينا ألا نبكى على أخطائنا، بل نتعلم منها، ونغير الأسلوب، ونتمسك بالقانون، ونواصل الإنتاج والإبداع أيا كان الذى سيتولى أمرنا).