نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 9-10-2013
السنة السابعة
العدد: 2231
نبذة: تعرض هذه النشرة اليوم نوعا من الظلم أخفى وأخطر وأولى بالبصيرة والتصحيح وهو ظلم النفس بالعمى أو الاستسلام للضعف.
تشكيلات ظالمى أنفسهم (1)
ما زلت محتارا فى تقديم قيمة العدل للناس، خاصة أولئك الذين يقصرونها على حكم محكمة بشرية لها قضاة مجتهدون يخطئون ويصيبون، أو الذين يقيسونه بتعاليم الأديان الجديدة (الزائفة) المرصودة فى وثائق مكتوبة يقوم بتطبيقها الوصاة وهم يمسكون بمفاتيح التحكم عن بعد، (ريموت كونترول) يصدرون من خلالها الأحكام على الغير بمقاييس ليس لها علاقة بالعدل أصلاً.
هل أبدا بالحديث عن العدل: انطلاقا من محكمة النفس والبصيرة إلى أن أصل إلى عدل العلى العليم الرحمن الرحيم أم أتنزل من علاقة الإنسان بربه العلى القدير الذى يعلم ما تخفى الصدور نزولا إلى العدل الممكن فى ساحات القضاء؟
خطر لى أن أبدأ بتحديد ضحايا الظلم ومداخله لعله هو الذى يهدينا إلى ترتيب مستويات العدل وطبقاته، وإذا بى أفاجأ أن أكبر ظلم هو ظلم الإنسان لنفسه قبل ظلمه لغيره، ونحن غافلون عن ذلك.
حين أشرح لطلبتى أو زملائى الأصغر كيف أن المريض – من عمق وعى بداخله – هو مسؤول عن اختيار الحل المرضى، يتعجبون ويترددون ويرفضون، لكننى حين أصل مع مريضى إلى هذا الاحتمال، لا يستبعد هذا الفرض حتى لو أبدى مقاومة فى البداية، وأتعجب كيف يقر أغلب المرضى بمشاركتهم بإرادتهم الداخلية فى هذا الاختيار الظالم لهم، لكننا: هم وأنا نستفيد من ذلك حين تتحرك فيهم نتيجة لهذه الرؤية إرادة أخرى تساهم فى رفع هذا الظلم عن أنفسهم ماداموا قد اسهموا فى إحداثه.
سألت نفسى كيف يظلم الإنسان نفسه فى غير سياق المرض، كما ذكرنا حالا؟ إذا بى أجد عشرات الاحتمالات الأخرى التى يغفل عنها أغلب الناس، ثم قلت أبدأ بما بين دفتى كتاب الله.
فإذا بآيات ظلم الناس أنفسهم ناصعة الدلالة فقرأت بعضها كما يلى:
أولاً: لا عذر لمن يظلم نفسه بجهله، فإذا كانت القاعدة الوضعية أن الجهل بالقانون لا يعفى من العقوبة، فالجهل بالجارى وبالمؤامرات وبغسيل المخ، والاستسلام للتفاسير والشعارات لا يعفى من المسؤولية أمام الله، ومن ثم: ظلم النفس بصريح الآية: “يا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ”
ثانياً: هناك من يظلم نفسه حين يشرك مع الله إلهً غير الله، سواء كان قائدا أو زعيما أو مالا أو ولدا، أو دينا زائفا، أو علما موَسسيا مغرضا، كل هذه آلهه العصر الحديث المقدسة نظلم بها أنفسنا بعيدا عن التوحيد، وكثيرا مما نتهم القدر أو المؤامرات أو الصدفة، “وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ …”
ثالثاً: المستضعفون فى الأرض يشاركون فى جريمة ظلمهم، “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا…” علماً بأننى أقرأ الهجرة فى أرض الله بكل مستويات الهجرة ولا أقصرها على الهجرة إلى كندا أو الخليج ولا مؤاخذة!!، بل تمتد عندى إلى هجرة الموقف الذى استضعفنى، أو هجرة المكسب الذى أذلنى، أو هجرة الصنم الذى خدعنى، أو هجرة الداعية الذى لعب بعقلى وزيف وعيى.
[1] – تم نشر هذا المقال فى موقع “اليوم السابع” بتاريخ 4- 9- 2013