جريدة التحرير
20-8-2011
تعتعة التحرير:
تسابيح رمضانية
المعرفة طريق إلى الله، والمعرفة الحقيقية تحتاج منك جهادا خاصا لتعرف ما لا تعرف، وتقبل ما لا تحتمل، وتفرح بما أضافتْ، وكلما عرفتَ أكثر، اقتربت منه أكثر.
فى كتاب حديث نسبيا، يربط المؤلف بين التصوف الشرقى، (الشرق الأقصى بالذات) وبين الفيزياء الحديثة، تعلمت ما لم أكن أعلم عن الهندوسية والتاوية، ومن كتاب”الموت والوجود” ، تعلمت أيضا عن الهندوسية ما أثرى إسلامى على طريق سعيى، من كتب “تاريخ التصوف ” تعلمت الوصلة بين التصوف عند غير المسلمين خاصة فى جنوب شرقى آسيا وبين رؤية العارفين بالله من المسلمين.
أما من الكتاب السفر الضخم الذى قامت بتأليفه تلك الألمانية الرائعة “آنا ماري شيمل” بعنوان “الأبعاد الصوفية فى الإسلام ، وتاريخ التصوف“، فقد فوجئت بهذه الثروة الموثقة، بقدر ما فوجئت بروعة الاتقان والحب الذى كتبت به المؤلفة الكتاب، هذه العالمة الموضوعية الأمينة.
حين كتبت عن أن الإسلام لا يكون حلا (الوفد 3/8/2011) إلا إذا كان طريقا للإيمان، سألنى كثير من الأصدقاء عن الفرق بين الإسلام والإيمان، وهل هذا الذى كتبته من قبيل التصوف أم ماذا؟ لم أعرف كيف أجيبهم وعقولهم مملوءة بما هى مملوءة به. كلما نعتنى أحدهم بالتصوف استغربت ونفيت، ليس تواضعا، ولكن جهلا وحرجا، أنا فعلا لست متصوفا، ولا أحب أن أوصف بهذه الصفة التى لا أستحقها، وربما تفصلنى – دون إذنى – عن عامة الناس .
سألنى آخرون عن علاقة كل ذلك بمليونية الجمعة الأخيرة التى دعت إليها الطرق المتصوفة ردا على مليونية التباهى والتكاثر والتهديد، وقد علمت أثناء كتابتى هذا المقال أن هذه المليونية الردّ لم تنجح جدا، مع أنها كانت حسنة النية فى محاولة أن تجمع خليطا غير متجانس من الأقباط والثوار الأحرار والمثقفين الطيبين؟ ولم أجد عندى ربطا منطقيا بين ما أدعو إليه وهذه المليونية المُجهضة.
سألنى فريق ثالث عن علاقة كل ذلك بما يجرى فى الموالد فى طول القطر المصرى وعرضه، وخصوصا أن الذين يفضلون أن يعبدوا الله من خلف مكاتبهم وبين صفحات الكتب والمعاجم، (وأيضا من لا يعرفون لهم ربا أصلا) يعترضون عليها اعتراضا فوقيا، ويصفونها بالتخلف وماشابه، وحين أحاول أن أقول لهم إن ما يصلنى من هذا الذى يجرى هو تسبيح آخر، بلغة أخرى، لا تقال عادة ونحن جلوس على المكاتب أو بين الكتب والمعاجم، يعترضون اعتراضا بالغا، ويتهموننى أننى لا أعرف معنى التسبيح لأننى لست ضليعا فى لغتى، وأحاول أن أقربهم من احترام ما لا يعرفون، أو حتى تأجيل الحكم، فيواصلون وصفى بالجهل والتجاوز،(ولو بين أنفسهم)، وحين يواصلون الإصرار على أن أعرّف لهم ما أعنى بالتسبيح” أقول وأنا أشك فى قدرتى على الإيضاح أكثر: “إذا كنا لا نعرف اللغة التى يسبح بها الطير والجبال والسماوات والأرض وما بينهما لربنا وربهم، فكيف نعترض على لغة لمجرد أنها غير مألوفة للسادة الجلوس على المكاتب فى حجرات إصدار الأحكام؟
المهم:
رحت أقلب أوراقى، وفى موقعى، وبالذات حول ما سجلت من إجابات محتملة لهذه التساؤلات، فلم أجد إلا ما يشبه تساؤلات موازية، فضلت أن أقتطف منها ما يكمل هذه المقدمة بما يليق بهذا الشهر السمح الكريم، دون تعليق، وإليكم بعض ذلك:
1) لو أنك سألت شابا مصريا اسمه أحمد إبراهيم عبد المهيمن ، وعمره 21 سنة، طالبا جامعيا، متفوقا، متدينا، والده مهندس مدنى، ووالدته اخصائية اجتماعية، وأخته مسافرة مع زوجها المدرس فى دبى، وهو غير متعصب، ويؤدى عباداته بالتزام سلس، ويمارس ما يمارسه الشبان فى السر أحيانا، ويستغفر، ويذهب إلى صالة الألعاب (الجـِمّ) أحيانا، لو أنك سألته عما يعرفه عن الهندوسية، أو البوذية،
بِمَ سيجيبك؟
2) ولو أنك سألت زميله حسن محمد فاضل، (نفس السن) وهما عائدان من صلاة العصر فى المسجد، عن رأيه أين ستذهب طنط تريزا (عمرها 65) سنة، أم صديقِهِما رياض فهمى رياض، سألته أين ستذهب طنط هذه بعد موتها؟ للجنة أم للنار؟ وهل هو اجتهد أن يبلغها ما يعتقد أنه الدين الصحيح جدا أم أنه قصر فى ذلك، واحتمال أن تذهب للنار بسبب تقصيره هذا، لا بسبب أن أباها كان من دين آخر، ولماذا لم يبلغها الصواب جدا، بما أنه يحبها مثل أمه جدا، بل إن أمه قد أبلغته أنها قد أرضعته عددا من الرضعات،
فبم سيجيبك؟
3) ولو أنك سألت فايزة عبد المسيح وهى فتاة مسيحية طيبة عمرها 19 سنة، متدينة، وليست متعصبة، “تتناول” كل أسبوعين أو ثلاثة، “وتعترف” كل شهرين أو أكثر، ولا تضع مساحيق فجة، وتشاهد “روتانا زمان” مع أمها، كما تشاهد “ميلودى هِتْس” وحدها، وتتقن حشو “الكوسة” دون أن تنثقب منها أية واحدة، وتسرح أحيانا فيما لا نعرف، لو أنك سألت هذه البنت التى جمالها فوق المتوسط، سألتها نفس الأسئلة، التى سألتها لأى من الشابين السابقين، مع التحويرات اللازمة للأسماء والضمائر، وتبادل مواضع الأديان فى الأسئلة السابقة، بِمَ ستجيبك؟
4) لكن لو أنك سألت خالتى “أم حنّا” من بنى سويف عن مصير جارتها “خالتى بهانة أم محمد”، لما أحتجت أن تكمل سؤالك لأنها سوف تتعجب لسؤالك، وتقاطعك لتفهمك مدى اتساع رحمة ربنا لهما ولك.
وبعد
لو أنك عدت فسألت نفسك – عزيزى القارئ بعد إذنك – نفس الأسئلة أو مثلها، وكنت يقظا بما فيه الكفاية، فوجدت نفسك تجيب إجابات مختلفة عن رمضان الماضى، فهل ستفرح أم تنزعج وتستغفر؟
وأخيرا: لو أنك توجهت إلى الله سبحانه وتعالى – فى هذه الأيام المفترجة – تسأله الرحمة والمغفرة عن كل ما اقترفتَ من أكاذيب على نفسك، فبم سيجيبك ربنا من وجهة نظرك؟
ولعلمك، فقد سألت نفسى مثل كل أصدقائى هؤلاء ومثلك، وجاءتنى الإجابة أقرب إلى إجابة خالتى أم حنّا، وأن الله سبحانه وتعالى سوف يرحمك ويرحمنى بقدر ما اجتهدنا فى الإجابة، وبقدر ما غامرنا بإزاحة ما كان قد وصلنا سابقا من أى مصدر مهما بلغ علو صوته ويقينه بعلمه أو معلوماته.
أما إذا كنتَ قد استندتَ فى إجاباتك لغير ما وصلك من قلبك السليم، واعتمدت على ما بلغك ممن أفتى لك بعكس ذلك، فاحذر أن يتبرأ منك هذا الذى اتّبعتَه، فجعلك تخون فطرتك، وأسرع بتصحيح إجاباتك، لأنه لن تكون لك كرة كى تتبرأ منه كما تبرأ منك..
رمضان كريم .