الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ترحالات يحيى الرخاوى الترحال الثانى: “الموت والحنين” الفصل الخامس “الفصل المفقود” (2) أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة (7)

ترحالات يحيى الرخاوى الترحال الثانى: “الموت والحنين” الفصل الخامس “الفصل المفقود” (2) أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة (7)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 22-1-2025

السنة الثامنة عشر 

العدد: 6353  

ترحالات يحيى الرخاوى

الترحال الثانى: “الموت والحنين” [1]

الفصل الخامس

الفصل المفقود: (2)

أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة (7)

من مذكرات 3 يوليو 1950

معذرة لقد نسيت أن أعلق على الحرب الكورية!!!

20 فبراير 1954

قال والدى ونحن نتكلم فى مقدار نصيب الإنسان من الجهد ومعنى الاعتماد على اللّه:

يا إبنى إنى حين أقول أسلمت وجهى لله كل صلاة لا أقولها وأستسلم،

وإنما أقولها لأقبل النتائج، و أتعلّم.

(عود على بدء) 27 / 8 / 1986

ديكى ديكى، أنت صديقى أنت رفيق البيت، رفيقى

صِح فى الدار، أيقظ جارى، واشرب ماءً من إبريقى“.

هنا فى لبتوكاريا كنت أنا الجار الذى يوقظه الديك، وأنا الصديق معا،

صديق عن بـُعد كالعادة، حتى مع هذا الديك أصادقه عن بعد!!!

8 اغسطس 1987

………………

……………..

قفزة أكثر من ربع قرن  بعد هذ التاريخ  وجدت  أوراقا أخرى أكثر تناثرا، قرأت:

 الأربعاء 25 / 11  /1987

كنت أعدو مع مرضاى أول أمس، فوق هضبة المقطم، قبل طلوع الشمس، وظل هذا المصرى الصعيدى ينظر لنا من بعيد، ونحن نردد “حمدا لله” “حامدا لله” (نرددها بتنغيم غنائى : حامْدّا” للاااه، حامْدّا لله)، وبعد أن عبرناه لا حظت أنه ابتسم جدا، ثم التفت إلى الناحية الأخرى، وراح يعدو مبتعدا وهو يردد نفس ما كنا نردده ( حامْدّا” للاااه، حامْدّا لله). ولا يلتفت إلينا إلا بعد كل فترة، راح يبتعد وهو يعدو، وكأنه يقترب جدا. تصورتُ أنه لا ينظر إلينا خجلاً ويردنا ألا نغيب عن ناظرية فهو من وجودنا رغم ابتعاده، تماما مثل الطفل الذى يتأكد من عدم غيبة والدته بلعبة تغطية رأسه بالملاءة. هؤلاء المصريون، ما أبسطهم وأرقهم وأطيبهم، وأيضا ما أخوفهم ، وأسطحهم، وأسلسهم.  قريبا من هذا الموقف سجّلت يوم:

 الجمعة 27 / 11 / 1987

كنا قد قابلناهم فى مرة سابقة ونحن نعدو (مرضاىَ و أنا) فى نفس الميعاد قبل طلوع الشمس، كانوا خمسة من الصعايدة الذين بنوا وما زالوا يبنون مصر وغير مصر، ألقينا تحية الصباح فلم يردوا حذرا، أو لم يصدقوا أننا نعنى ما فعلنا، وكنا نتناقش مازحين فى موضوع شارب أحد المرضى الذى أطلقه مؤخرا، وهل الأفضل أن يهذبه أم يحلقه، وكان هو يبادلنا المزاح، وزيادة فى ذلك اقترح أن نسأل هؤلاء العمال الصعايدة الخمسة رأيهم فى المسألة كأنهم محلفون فى قضية تعرض فى محكمة بريطانية !!!، ولم نفعل طبعا احتراما لهم، واكتفينا بتحيتهم ونحن نعدو، إلا أنهم لم يردوا، فاستدرنا نحوهم وقد قررنا أن نصر على إلقاء السلام من جديد، حتى يردوا لكنهم تصوروا، دون أى مبرر واضح، أننا نريد بهم شرا،  أخذو ذيلهم فى أسنانهم (حقيقة لامجازا)  وانطلقوا عدوا. أصبحت مطاردة فعلاً.

أىُّ قهر نعيشه ياسادة ياكرام يجعلنا نجرى من بعض هكذا دون أى ذنب اقترفناه؟

كنت قد قابلت من أىام صديقا أستاذا ترك القصر العينى، ومازال يحاول أن يـفَحِّـر فى نفسه، مثلى، وربما لذلك ابتعدنا عن بعضنا جدا، لنظل قريبين بشكل ما، سألنى عما أجلسنى هكذا على الأريكة الخشبية وسط المرضى وبجوارى إحدى الطبيبات، فذكرت له أننى أشرِف على رسالتها عن الاكتئاب، فقال لها مازحا، يعنى تبحثين فى حالتى، قلت له: ألن تكف عن تسمية فصامك باسم اكتئاب، فقال لقد انصرف عنى الفصام ليحل محله هذا الغم الأزلى،  ومضى الحوار هزلا كالجد، أو جدا كالهزل، لأتهمه، مازحا بجد يعرفه، أن مرضه ما زال فصاما، وأن الاكتئاب هو الاسم الحركى لما به، أو هو على أحسن الفروض اسم التدليل، أوربما لمنع الحسد.

ضحكنا، وتذكرنا، وتذاكرنا أيام كنا نحاول أن نحتفظ بالأمل واقعا حيا، وأصررت أننى سوف أظل كذلك آمِلا حتى لو لم يبق أحد سواى، فنبهنى أن حالتى أصبحت مستعصية، وأشار إلى أن كل شئ قد تغيّر، فاستعبطتُ متسائلا : إلى أىن، وقال إلى أسوأ، ورفضت التمادى فى الترحم على الماضى كما يفعل النعّابون الكهول أمثالنا.

قال لى  زميلى هذا إنه لا يقول ذلك لـلشباب، لكنه يـُسِرّ به إلىّ لأنه يعرف أنى أعرفه، وأضاف: إنى حين أحافظ على آمل شاب جاء يسألنى فى أمر ما أُصاب بالغم والهم فور ذهابه،

قلت له إن تفسير ذلك أحد أمرين: فإما أنه يشفق على هذا الشاب من متطلبات تحقيق الأمل، وإما أنه يتحسّر على نفسه حين كان شابا آمِلا يوما ما،

قم أضفت، وكأنى أحدّث نفسى أو أنبهها:

 إنى قررت ألا أخدع الشباب إلا وأنا أخدع نفسى معهم،

الخداع الواعى وسيلة رائعة للحفاظ على الأمل.

 17 سبتمبر 2000

هذا الصباح كان المرور الكبير فى مستشفِى دار المقطم مع زملائى الأصغر، كنت أغلى مما يجرى فى القدس وغير القدس (انتفاضة القدس!!) سألت المريض الذى كنا نفحصه عما يجرى هذه الأيام، فذكر إغلاق مطارغزة،  ومنع الطائرات من الهبوط، وإغلاق معبر رفح، حاولت بكل طريقة أن أستدرجه  لأن يذكر جرح مواطن، أو مقتل طفل، أو استشهاد شاب، فلم يستجب، وحين ألححت عليه ماذا يسمع، قال أغنية هانى شاكر، (وهى أغنية حديثة بمناسبة اغتيال الطفل محمد الدرة) . مضيت أسأله ما الذى استرعى انتباهه: الأغنية أم ما تحكى عنه، أى الطفل القتيل، أكد أنها الأغنية وليس الطفل. هذا المريض يمثل موقفا يمكن أن نجده عندأغلبنا ،خصوصا المثقفين والمتحدثين جدا. امتلأت غيظا ورحت أكرر لزملائى أنه لا يمكن علاج مريض أو الانتصار على عدو إلا بتنشيط وعى فاعل طول الوقت، وأن تعداد الأمة وقوتها ليس بعدد أفرادها، ولا بعدد أغانيها، ولا بندوات مثقفيها، ولا بكمّ معلوماتها، وإنما هو بجماع الوعى الفاعل.

أدركت الآن وأنا أصحح التجربة الأخيرة قبل الطبع أنى مازلت عند عهدى ، ألاَّ أخدع الشباب إلا وأنا أخدع نفسى !!!!!  فتماديت فى خداع نفسى !! (نوفمبر 2000)

فى أوراق أخرى متوسطة القِدمْ

1976/8/12

راجع راجع إلى الحياة العادية ضاربا تعظيم سلام دون تسليم، راجع بعد أن استوعبتُ بكل صدق، كل البدائل تقريبا، راجع راجع وكلى ألم ووعى بما كان، أعظم التجارب لا تظهر حقيقتها إلا بالممارسة لاكتشاف الصعوبات، إلا وأنت داخلها بوعى صارم، لا فائدة من الحلول الفردية، ولا بديل عنها فى الوقت الحالى، ومع ذلك راجع أنا الآن، وليس بعد.

ثم 8/9/1976 (بعد حوالى شهر)

للمرة الألف وكذا أقول : لا يوجد حل سهل، لا مفر من الاستمرار، دورى حضارى يمهد لثورةٍ ما، إذا لزم الأمر، الثورة بلا ناس معدّون لها عبث يرثه المتشنجون، والناس بلا ثورة تنقلهم بقفزة ضرورية خدعة يهرب فيها المسالمون.

27 مارس 2000

أثناء بحثى عن الفصل الضائع فى أوراقى المبعثرة وجدت فى أوراقى الأقدم (1950) كلاما مفصلا عن أفلام بذاتها وموقفى منها، كما وجدت كلاما قديما جديدا لم أكن أعرفه عن نفسى، ولولا أننى وجدته مكتوبا لما تذكرته، ولما تصورت أنى أكتب مثله فى تلك السن، مثلا:

(ملحوظة: لا أعرف لماذا اقتطفت هذه المقتطفات الأقدم بالذات دون غيرها. ولم أحاول أن أفسِّر، أو أتراجع إلا نادرا، شكراً)

  22 يناير سنة 1950

ذهبت إلى سينما فاروق فيلم مغامرات عنتر وعبلة تمثيل سراج منير، أعجبنى سيد سليمان (مَـنْ سيد سليمان هذا؟ مارس 2000) ويظهر أن هذا الفيلم خطوة موفقة للرقى بالسينما فى مصر!!

 (هذا ما كتبته منذ نصف قرن مالى أنا والسينما فى مصر يا عم توفيق يا صالح ، وهل حاله الآن – سنة 2000 – أفضل ؟)

22 يناير سنة 1950

انظر إلى مالك واعجب على حالك

وابكى على ما فات  من عمرك الحـالـك

فأنت من أموات   فاسلك مع السالك

فى عالم اللذات   فكلـــكُّم هالـــــك

2000/6/9

كيف يكتب شاب عمره 61 عاما وشهرين و22 يوما هذا الشعر الكهل؟

 لمن يكتبه؟  أى مال؟  وأى هلاك؟  وأى لذة يكاد لا يعرف معناها أصلا.

شككت من البداية (فى الترحال الأول)  أننى أعانى من ظاهرة “اللاهيدونيا” العجز عن الاستلذاذ أو على الأقل أننى متهم بذلك!!، هل كانت هذه إرهاصات باكرة لهذه الظاهرة؟ مازلت أتعجب ممن يدعو إلى “مجتمع الرفاهية”، رفاهية ماذا؟

ومع ذلك فأنا أعيش أعلى درجات الرفاهية. عندى كل شىء.

أخيرا، وأخيرا جدا اكتشفت معنى آخر للتناغم المتصاعد إلى ما بعد المدى.

اكتشفته وأنا أكتب فصل اضطرابات  الإدراك (أعراض الزمراض النفسية(

عدت اكتشافه وأنا أقرأ استلهاماتى من مواقف النفّرى.  ربما يكون هذا الكتاب الذى صدر لى أخيرا مع إيهاب الخراط أهم كتاب فى حياتى.

الخميس أول يونيو 1950

امتحنت اليوم شفهى، (التوجيهية) وأُعجِب الممتحنون بمحادثتى، ، ومن طريف ما حدث هذا الديالوج:

(هذه المقدمة منقولة بحروفها ولم أغيّر أى شئ منها أكتوبر 2000 ).

* Why are you so  big, do yo play sports ?

– No, it is the characteristics of my family .

* How do you pass your leisure time ?

– Reading .

* What sort of reading?

– Stories .

* What sort  of stories

– Romantic ones .

* Why ? Are you in love with somebody

– I am in love with the fair sex.

* All of them

-Yes or rather the beautiful.

* Good, fine thank you .

………………

………………

ونواصل الأسبوع القادم بقية الفصل الخامس: (الفصل المفقود: 2) (الفصل الحادى عشر: من الترحالات الثلاثة) “أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة” (8)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *