الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ترحالات يحيى الرخاوى الترحال الثانى: “الموت والحنين” الفصل الخامس “الفصل المفقود” (2) أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة (4)

ترحالات يحيى الرخاوى الترحال الثانى: “الموت والحنين” الفصل الخامس “الفصل المفقود” (2) أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة (4)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 1-1-2025

السنة الثامنة عشر 

العدد: 6332 

ترحالات يحيى الرخاوى

الترحال الثانى: “الموت والحنين”[1]

الفصل الخامس

الفصل المفقود: (2)

 (الفصل الحادى عشر: من الترحالات الثلاثة) (4)

أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة

من مذكرات 3 يوليو 1950

معذرة لقد نسيت أن أعلق على الحرب الكورية!!!

20 فبراير 1954

قال والدى ونحن نتكلم فى مقدار نصيب الإنسان من الجهد ومعنى الاعتماد على اللّه:

يا إبنى إنى حين أقول أسلمت وجهى لله كل صلاة لا أقولها وأستسلم،

وإنما أقولها لأقبل النتائج، و أتعلّم.

(عود على بدء) 27 / 8 / 1986

ديكى ديكى، أنت صديقى أنت رفيق البيت، رفيقى

صِح فى الدار، أيقظ جارى، واشرب ماءً من إبريقى“.

هنا فى لبتوكاريا كنت أنا الجار الذى يوقظه الديك، وأنا الصديق معا،

صديق عن بـُعد كالعادة، حتى مع هذا الديك أصادقه عن بعد!!!

8 اغسطس 1987

………….

…………

6/9/1987

اكتشفنا الحكاية بسرعة، هى دعاية محسوبة لما يسمى شراء الوقت (اقتسام الوقت Time Sharing) يغامرون بدعوة كل الناس: الذى يسوى والذى لا يسوى (أمثالنا). ويحسبونها حسبة منضبطة : إن عدد من يتورط (أو يتفهّم) ويشارك (فى الوقت)، يمكن أن يغطى مبيت ومواصلات وأكل العالة أبناء السبيل أمثالنا. والشهادة لــله أن المندوب المكلف بإقناعنا (بإغوائنا) بالاشتراك كان شديد الإخلاص، قابَلََنا ظهرا فى اليوم التالى على مائدة جانبية قبل الغداء، وهات يا إغراء وهات يا دعاية، وهات يا تسهيلات، ثم عرض علينا قائمـة بالمصريين المشتركين من قبل. ياه!!! كل هؤلاء؟ بعض الأسماء نعرفها، بعضهم زملاء. ونحن لا ندرى؟ وهل المفروض أن يأخذوا إذنا منا، أو أن يشهروا اشتراكهم فى صحيفة محلية؟ فلماذا العجب؟ يبدو أن كمية الشراب التى تجرعها المندوب المكلف بنا كانت كافية ليلة أمس لتجعله لا يلاحظ ابتساماتنا المتبادلة بيننا شفقة على مجهوداته الضائعة، ولم ينجح طبعا فى إقناعنا ، ماذا لو حرمونا من الغداء نتيجة مقاومتنا؟ ثم إنه لم يلاحظ -ضمنا- كيف كنا نتجنب رائحة الكحول المتصاعدة مع تنفـسه، ومن فرط ما ألحّ وسهّل وزيّن كدت أتصور أنه يمكن أن يشركنا فى هذا الوقت المقتَسَم مجانا، أصبح كل شئ قابل للبيع بالتقسيط، حتى الوقت، كما أضحت الأموال والأحوال والفسح والأدمغة كلها قابلة للتوظيف.

انتهت المغامرة وأنا أتذكر ـ مرة أخرى ـ ما ذكرتُـه عن اكتشافى عن معنى “ابن السبيل”، وضرورة إكرامه مجانا،. ما أكبر الفرق بين الدعوات المجانية المسئولة التى تحترم غربة الإنسان و ظروفه غير المضمونة، والدعوات المجانية المحسوبة بدراسات الجدوى جدا.

هذا ما كان من حماس، ومغامرة، ورشوة، وإغواء للمشاركة فى الوقت،

ماذا عن المشاركة فى الحياة؟ فى الهم؟ فى الوجود الضام؟ فى الطريق إليه؟

وجدت أيضا مكتوبا فى 6 / 9 / 1987

موعدنا أن نذهب إلى مهرجان النبيذ فى “دافنى” وقد اصطحبنا الخواجة سوتيرى (المعلم يوسف ـ عديل الخواجة أولوز،  والاثنان من أبناء شبرا مصر!!) وللأسف وجدنا أن المولد قد انفض فعلاً، وكنا قد مررنا مصادفة على حفل شوارعى بالقرب من سينتاجما فعدنا إليه فإذا بالمغنيات والمغنين يقدمون “نمرهم” فى مكان عام مقابل مشروب للجالسين لا يزيد ثمنه عن حوالى 4 جنيه وهو الثمن العادى للمشروب.

 نسافر غدا إلى مصر.

هذه الرحلة لم تروِنى حتى الآن كما كنت أتمنى.

 لكنها ـ على كل حال ـ علامة،  (كالعادة،). علامة على ماذا؟

 يخيل إلى أن العلامات فى حياتى أطول من الطريق نفسه!!

ما زلنا الأحد 6 / 9 / 1987  (بعد الظهر)

ذهبت إلى فندق كوستا المجاور لأخلو إلى أوراقى بعيدا عن الثلة، ذهبت وأنا أدعو الله ألا أجد المرأة النمرة ابنة صاحب الفندق، وقد كان. جاءتنى فتاة صغيرة شديدة الرقة، وحين قدمت لى طلبى وقلت لها أشكرك شكرا جزيلا Thank you very much لم تأخذ المسألة ببساطة، فراحت تسألنى لماذا أشكرها جدا هكذا، ولم أعرف بم أجيب، ويبدو أنها كانت قد انتبهت إلى استغراقى فى الكتابة، كما أن انجليزيتها سمحت لها أن تسألنى سؤالا لم أتوقعه أيضا جعلنى أدهش لإمكانية اختراقى بهذه السهولة، قالت لى وهى تشير إلى الأوراق أمامى.

 ـ هل أنت الذى تكتبها أم هى التى تكتبك؟

فَـرِحت بها، فرحتُ بها جدا، ياه!! كم أنا محتاج لمن يرانى دون استئذان أكثر من أى شئ آخر. شكرا أيتها الرقيقة. الحمد لله أن أبْلتك كاتيرينا النمرة ليست هنا اليوم،

تذكرت بالمقابل كيف أن الكتاب الجيّد يقرؤنى وليس أنا الذى أقرأه، مثلا: هذا الـ “الوليد مسعود”، كيف جعلنى جبرا ابراهيم جبرا أتقمصه مع أننى لست فلسطينا، ولست مغامرا فدائيا، ولست دون جوانا، ولست ناجحا ماديا بمعنى اللعب المصرفى الصفقاتى، ولست مهاجرا مطرودا عائدا عنيدا. ومع كل ذلك فقد استطاع هذا الكاتب أن يقرأنى. وهذا هو الإبداع.

(إضافة: كتبت لاحقا فى نهاية قصيدة: ياليت شعرى لست شاعر:

تدقُّ بابى الكلمة أصدّها .  تُغافل الوعى القديم ، أنتفضْ

أحاولُ الهربْ ، تلحقنُي،  أكونُها . فأنسلخْ.

كيف رأت هذه البنت اليونانية هذا؟ قبل ذلك بكثير؟ هل أنا عارٍ إلى هذه الدرجة؟

يوليو 2000

الأثنين 8 / 9 / 1987

علاقتى بالتاريخ مضحكة إلى حدٍّ ما، أدّعى أننى أكتب للتاريخ حتى أتصوّر أن أحدا

سيقرؤنى يوما ما، ثم أتهمه بالزيف وعدم المصداقية على طول الخط.

 كنت منذ حوالى عشرين عاما أو يزيد  (حوالى سنة 1965) كنت قد التقيت بطارق على حسن (أشرت إليه كثيرا، وهو الذى تولى أمور دار الأوبرا فترة ما وخرج فى ظروف ناكرة لفضله) لقيته فى القطار الذاهب للمنصورة ذات صباح قال لى إنه هو ـ أيضا ـ يكتب للتاريخ، أية خدعة نضحك بها على أنفسنا حين نفتقر إلى القراء الحاليين فنتصور أنهم قادمون فى زمن لاحق، لقد صدّرت روايتى التى نالت الجائزة بمثل هذا الزعم، وأظن أن ما يجعلنى أواصل الآن هو هذا الوهم أيضا.

بعد ذلك بأقل من عام (بعد لقائى فى القطار بطارق على حسن) وجدت فى أوراقى المبعثرة الأقدم ما يلى :

8/1/1966

“.. . وأى فرصة خير من هذه الفرصة، عملى هذا!!، فرصة يتمسح فيها المتأدبون، ولا يتأدّب لها المختصون: ألتفت حولى لأرى الزملاء الأفاضل، ولا أستطيع أن أتخلص من صور تقتحمنى وأنا أعتذر: وجدت  الموتور الديزل، يريد أن يصل إلى أبعد الأشواط بأرخص التكاليف، ثم وجدت الكاسيت القديم، وهو يدق العلم ويصحنه، ويعيده ولا يزيده، حتى لو كانت نقاوته صافية وطيبته غالبة، فمن هو؟ ولماذا؟ أما هذا الذى لعب فىه الخوجات مالعبوا، وحـلـلوا ما شاؤوا فقد رجع كما هو : ساخط بلا مبرر، حريص بدون زخم، محصّل بذكاء مخزون، أخلاقه تبدو متينة ،سجّلها  فى الشهر العقارى  حتى يثبت أنها ليست مزيفة، ولم يقبل رجل الشهر العقارى التسجيل. اكتفى بإثبات التاريخ.

يا لقسوتى عليهم، ربما أنا كل هؤلاء ؟ من أدرانى ؟

وجدت أيضا فى نفس التاريخ هذا الكلام :

“.. . الصورة التى حسبتـُها هى ليست هى،

 والصورة التى أردتُها هى لن تكونها لم يتم تحميضها،

 والصورة التى كانتها لم تعد هى،

 أنا الذى أفسدتُها بطيبتى الظاهرية وسلبيتى الحقيقية وادعاءاتى المثالية. وهى مسئولة عن كل ذلك . يعنى !!”

ورقة أقدم جدا (سنة رابعة طب):

11/6/1955

“.. أريد النقود حتى لا أفكر فيها، حتى أفرغ إلى حياة أفضل لا يلهب ظهرى سوط السعْى وراء اللقمة، أريد الصديق الواحد أو الثلة الصغيرة حتى أستطيع أن أخلص لها وتخلص لى، ولا أريد أن يتحدث الناس عنى أو يهتموا بى أو يلتفتوا إلى حتى لا أختنق برأىهم، وأريدهم أن يتحدثوا عنى ويهتمو بى ويلتفتوا إلىّ حتى أشعر أنى أحيا بينهم.

ورقة أقدم أيضا

 2 مارس 1966

قال لى الشيخ آسماعيل الرخاوى (إبن عم لى مصاب بفصام منذ عرفته)

“.. النسيان والأمل هما أعظم المعانى التى تدفع الإنسان فى الحياة”

إضافة: ظلت هذه الجملة معى منذ كنت طالبا فى البكالوريوس

 ولم أكن أفكر فى هذا التخصص أصلا، وهى ما زالت معى تجعلنى أحسن الإنصات لكل أصدقائى المرضى حتى اليوم 26 يونيو2000

( أنظر الترحال الثالث إن شئت )

ورقة أقدم كذلك

………………

………………

ونواصل الأسبوع القادم بقية الفصل الخامس: (الفصل المفقود: 2) (الفصل الحادى عشر: من الترحالات الثلاثة) “أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة” (5)

_______________

[1] –  ترحالات يحيى الرخاوى: (2000) وتتضمن الترحالات: (الترحال الأول: “الناس والطريق”) و(الترحال الثانى: “الموت والحنين”) و(الترحال الثالث: “ذكر ما لا ينقال”) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والترحالات موجودة فى الطبعة الورقية  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة  الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم.

تعليق واحد

  1. يلتقط الجنين
    الحبيس
    اول نسمات الحياة
    مع اول شهيق
    ثم يصاب بحزن عميق
    لان الهواء له زخم
    يصارع غبار جاثم
    تصله رسالة
    أن الشهيق له ثمن
    يدفعه قبل أن يولد
    تهب رياح قوية
    نقية
    تدفعه
    الي حتم المسار
    الي المسار
    يتمسك باهداب
    ظلال أعشي
    تفتح من خلاله كوة
    كي تضيء الطريق
    الي الطريق
    يتولد
    يتوالد
    كائن آخر
    منه
    الي ما لا يعرف
    فيعرف
    أنه نيض الحياة
    الي الحياة
    ينقشع الحزن
    ثم لا يلبث
    أن يعيد المخاض
    الي المخاض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *