الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ترحالات يحيى الرخاوى الترحال الثانى: “الموت والحنين” الفصل الخامس “الفصل المفقود” (2) أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة (3)

ترحالات يحيى الرخاوى الترحال الثانى: “الموت والحنين” الفصل الخامس “الفصل المفقود” (2) أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 25-12-2024

السنة الثامنة عشر 

العدد: 6325  

ترحالات يحيى الرخاوى

الترحال الثانى: “الموت والحنين” [1]

الفصل الخامس

الفصل المفقود: (2)

أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة (3)

من مذكرات 3 يوليو 1950

معذرة لقد نسيت أن أعلق على الحرب الكورية!!!

20 فبراير 1954

قال والدى ونحن نتكلم فى مقدار نصيب الإنسان من الجهد ومعنى الاعتماد على اللّه:

يا إبنى إنى حين أقول أسلمت وجهى لله كل صلاة لا أقولها وأستسلم،

وإنما أقولها لأقبل النتائج، و أتعلّم.

(عود على بدء) 27 / 8 / 1986

ديكى ديكى، أنت صديقى أنت رفيق البيت، رفيقى

صِح فى الدار، أيقظ جارى، واشرب ماءً من إبريقى“.

هنا فى لبتوكاريا كنت أنا الجار الذى يوقظه الديك، وأنا الصديق معا،

صديق عن بـُعد كالعادة، حتى مع هذا الديك أصادقه عن بعد!!!

8 اغسطس 1987

……………….

……………….

توفيق الحكيم حين اقترب من النهاية ليموت ميتته الرائعة، كان خفيف الدم، متفتح الوعى، يقينىّ الوجود، مات وأنا أحسده على هذه الحياة الفنية التى عاشاها متفرجا أو كالمتفرج، قال كلمته وكأنه يكتبها هوامش طول الوقت، حاول أن يخدعنا طول الوقت وكأنه ليس عنده إلا هوامش ليدعنا نحن نستنتج المتن، فإذا بهوامشه متن كلها (ما عدا التعادلية، فهى أهمش من كل هامش)، أوهمنا أنه ظل يسير طول الوقت بجوار الموكب الصاخب دون أن يدخله، فلا هو أحد أعضاء الموكب ولا هو مشارِك فى الصخب، ولكن فى نفس الوقت هو لم يتخلف خطوة واحدة عن الموكب، ظل يراقبه، ويعلق عليه، ويقبل، ويرفض، ويشير، ويرسم، وينصح ،ويعقب ،ويغضب،  ويقرّ، لكنه أبدا لم يدخل إلى وسط الزفّة.

كما أنه لم يتخلف عنها لحظة واحدة. والله “جدع”!! لست متأكدا.

وجدت أيضا مكتوبا فى صباح 9/2 / 1987 الساعة 8.15

تتفتح أمامى حرية محدودة، وغموض طيب، والتزام غير مفهوم موضوعيا وعلامات استفهام بلا حدود، أغلبها حول الجنس!!  إنى لم أر أبدا أن من أطلق سراح الجنس سهلاً طيبا أو خبيثا، قد أصبح أكثر إبداعا أو أعمق أصالة، الجدل الخلاق مع جسد آخر هو شئ غير الجنس، ليس حل الجنس أن نحققه أو نتسامى عنه، لا “ولهلم رايخ” كان محقا فى هجومه على فرويد متصورا تجاوزه،  ولا “فرويد” كان محقا فى جبنه الجنسى وتشويه بحكاية التسامى والتنظير، فرويد لم يجنسن الإنسان بل هو  انتزع الجنس من بين الفخذين ليضعه داخل الدماع أفكارا وحكايات، والجنس ليس هذا ولا ذاك. الجنس الإنسانى هو الذى نكونه لنتخلّق من خلاله فلا يصير جنسا، ولا يصير شيئآ آخر غير الجنس. الجنس الذى نتسامى عنه بالحضارة ليس جنسا، الجنس نفسه هو حضارة الأرقى.

(إضافة: ألقيت بعد ذلك محاضرة عن “الوظيفة الجنسية من التكاثر إلى التواصل”

ضمن ندوات “لجنة الثقافة العلمية ” فى المجلس الأعلى للثقافة أوضحت فيها هذه

الأفكار بالتفصيل، ثم طورتها وأنا أجمع فروضى وتنظيرى فىما بعد. .أكتوبر 2000)

وجدت أيضا مكتوبا فى 30 أغسطس 1987

أثينا ـ فولياجمنى : صباح الساعة 8.40

انتهيت لتوى من قراءة الفصل الخامس من رواية جبرا ابراهيم جبرا. بعنوان: “الدكتور طارق رؤوف يتأمل فى برج الجدى”، لماذا يختل توازن الأدباء حين يقتربون من هذه المنطقة؟ منطقة تصوير الطبيب النفسى، أنا لا أدافع عن هذه المهنة، بل إننى أعرف عن هذه المهنة وعن المشتغلين بها ما هو أسوأ بكثير مما يدمغونها به، لكننى أتحدث عن السطحية التى يتناولونها بها، بعضهم يتعمّق أكثر وأصدق وهو يحكى عن المرضى النفسيين دون أطبائهم، هذا إذا نجحو فى تجنب تشويه المرضى أو استعمالهم.

إبنتى “مى” تمثل لى مشكلة حادة، ومصطفى ابنى يمثل لى ضميرا مترصدا خائفا، كلما أغرتُ على مى لأكسر ذاتويتها بعدوان كاسح محب يخيّل إلى أنى أنجح فى توصيل رسالة جوهرية، إلا أننى أعيش ألماً لا طاقة لى به، لا أعرف إلى متى ستتحمل مى هذا، وإلى متى أعيش حتى أواصل محاولاتى هذه بالإغارة المحبة المسئولة؟ منتظرا ناتجها الإيجابى حتما؟

قلت لعماد (د. عماد حمدى غز أستاذ طب نفسى، وتلميذ لى، وزميل رحلتنا هذه) إن مواجهة انفصال الأولاد، هى المحك الأكبر لحقيقة تواصُل المسيرة البشرية، فأنا ضد هذا الزعم الغربى الكاذب بالتعجيل باستقلال الأولاد ليبدأ كل منهم يعيد نفس الدائرة ـ محلك سر ـ كذلك أنا لا أفهم كيف تتواصل الأجيال مثل سباق التتابع؟ يسلم كل جيل الشعـلة لمن يليه بخبراته وطفراته وجمال إبداعه وعناده. ثم إنى لا أتمادى مع النفخ فى زعم حتمية الصراع بين الأجيال، لكننى أتصور نماذج كثيرة لتواصل الأجيال لا بد أن نستلهمها من التاريخ عامة ومن تاريخنا خاصة، نبدأ الاستلهام من الحيوانات، ونلم بالتاريخ بالطول والعرض، فلا نهمل بكين لحساب واشنطن، ولا نهمل النوبة لحساب القاهرة، ونتعلم من القبائل، ومن الأحياء الشعبية، ومن الغرب معا، أما أن نفترض مشاكل  ليست هى مشاكلنا أصلا، ثم نضيع وقتنا فى محاولة حلها،، فهذا مضيعة للوقت، وعبث بالتلقائية.

إن الأجيال لا تتابع، بل تتداخل فى بعضها البعض.

الطفل يحتاج والدا يتصف بصفات أخرى غير ادعاء الحرية، وزعم الحوار

 قلت لـمَىْ إن التحاقك بمعهد الطفولة لـن يكون مثمرا إلا إذا وجدتِ لنا سبيلا ومنهجا نحقق به فروضا تناسبنا نحن، سألتْـنى عن بعض تلك الفروض فقلت لها، مثلا :

إن الوالد لا بد أن يقدم لابنه إطارا محدد المعالم يتحركان ـ معا ـ داخله،

وأن يكون الوالد فى متناول ابنه ـ حتى لو كان غائبا بجسده ـ لا كابسا على نفسه،

وأن يحافظ على مسافة بينه وبينه شريطة أن تكون مسافة مرنة، دون زعم الحرية.

 وأخيرا أن يتحاور معه على أكثر من مستوى، لا يكتفى بالتراشق بالألفاظ المناقشاتية، والإقناع العقلى،

والعجيب أنها فهمت، ولم تستوضحنى، فخِفتُ مما قلت.

أرجع إلى الدكتور طارق رؤوف، فى البحث عن وليد مسعود، ولا أميل هنا أن أنبه إلى تحفظى على كيف ضاجع هذا الطبيب النفسى مريضته مريم ـ ولكن لماذا الإفراط فى كل هذا اللاسواء فى الأدب الروائى عامة، يبدو أن الصحة النفسية تبدو للأدباء فاترة حتى لا يلتفتوا إليها، تصورت لو أن جبرا كتب عن وليد مسعود السوى، فربما كتب ما يلى:  :”ولد وليد مسعود، وتعلمَ، والتزمَ، وتزوجَ، ورافقَ، وتابَ، وأنجبَ، وكافحَ، وأعطىَ، وصبرَ، وماتْ. “

[توفقتُ عن الكتابة ـ ولم أكن قد أكملت من الرواية (379 صفحة) إلا 180 صفحة، ثم عدت إلى الكتابة بعد أن أكملتها ـ نفس اليوم، الساعة 8.25 مساء]

أنهيت رواية البحث عن وليد مسعود، وأقر أن الكاتب قد أنجز عدة اختراقات سواء من ناحية الشكل أو الإبداع الروائى (إن صح التعبير) فقد كان حدسه يلتقط كثيرا من المتناقضات بسهولة ويتركها تلعب جدليتها وكأن الأصل فىالطبيعة البشرية هو هذا التناقض الرائع المستحيل، حتى موقف الدكتور طارق رؤوف الذى أشرتُ إليه قبلا. والذى ضاجع مريضته يمكن أن يمثل تناقضاً آخر بدلا من أن أقف منه موقفا أخلاقيا مسطحا.

أعود إلى قضية تعاودنى بإلحاح: سجن الأخلاق، كل الحلول المطروحة هى حلول فردية فى النهاية. مع أن المفروض أن جوهر الأخلاق هو السلوك وسط الناس، بين الناس، السرية تكاد تُخرج الموضوع من قضية الأخلاق إلى موضوع آخر، ومع ذلك فالحل على المستوى العام يبدو مستحيلا.

ليست قضية وليد مسعود هى أنه عشق من عشِق، وعاند من جابَه، واخترق من سَكَن، وجَنّنَ من اقترب، ولكن قضيته هى أنه استطاع أن يكون “كلمة” نابضة متخلـّقَةً، طول الوقت.

قضيتى أنا هى الإبداع، وليس السواء، ولا الصحة النفسية، ولا الالتزام الخلقى الفاتر، ولا الدين الرشوة،

8/6/2000

ما هذا؟

سيرة ذاتية هذه؟  أم أدب رحلات؟  أم نقد أدبى؟ أم مقالة علمية؟

لكن هذا بعض ما وجدته مكتوبا فى أوراقى المبعثرة.

وجدت أيضا مكتوبا يوم

الجمعة 4/9/1987 

أثناء سيرنا دون الأولاد فى جليفادا قابلنا شابا أسمر/ أسود يوزع إعلانا يدعونا فيه إلى الذهاب ـ مجانا ـ إلى جزيرة لست أدرى ماذا، لنقضى ليلة وبعض يوم فى الفندق القابع فى جنوب شبه الجزيرة ـ عبر بوروس ـ والمسمى “نادى بورتو هيدرا” فندق خمس نجوم. مجانا؟ قلنا لبعضنا مازحين “سوف يخطفونا، ونحن لا نساوى تعبهم هذا”. حاولنا أن نتأكد: ما هذا الكلام يا سيدى؟ تقول مجانا؟ قال اورجار (هذا هو اسمه كما عرّفنا بنفسه، وهو من زمبابوى) مؤكدا: “مجانا”، يا عم اورجار مجانا؟ أعاد:مجانا

 الشك يساورنى، يساورنا جميعا. ربما سيكلفلوننا مصاريف أخرى غير منظورة، ربما سوف يجندونا فيما لا نعلم، على أى حال قد نصبح رهائن وتطلع صورنا فى الصحف الأجنبية وهات يامفاوضات وكلام من هذا، وأخذنا نضحك.

 قبلنا الدعوة بيننا وبين أنفسنا وقلنا: مغامرة أخرى لن تضر، بل هى ما نحتاج،

وجدت أيضا مكتوبا فى  5/9/1987

 مساء الاثنين، ونحن نتأهب لرحلة الثلاثاء

 قابل اورجار الزمبابوبى ابنتى مى بالصدفة (هو هو حسب وصفها)، قابلها  فى نفس المكان وأخبرها أن الرحلة أُجِّلت إلى يوم الخميس. نفس المكان، نفس الدعوة المجانية (فى الأغلب) جادلتْه مى حتى عرفت أنه هو الذى دعانا، وأنها نفس الرحلة، وأنها تأجلت، يا ابن الـماذا؟ كيف ذلك دون أن تخطرنا؟ وقد أخذتَ هواتف فندقنا؟ لعب الفأر فى عبنا أكثر.

يوم الخميس بدأت الرحلة المجانية.

 الأتوبيس الفخم ينتظرنا فى الموعد تماما، وأيضا يتحرك فى الموعد، ومنه إلى الأتوبيس النهرى الظريف إلى جزيرة بوروس ومنها بالمعدية إلى جال تاس ومعنا المرشدة “فولا”. ينتظرنا أتوبيس آخر، ينقلنا إلى فندق بورتو هيدرا فعلا، إذن فالحكاية جد يا رجال!!، واحتمالات النصب تتباعد. الموقف فى غاية الوضوح، والمواعيد بالثانية.

ليكن، وننزل إلى جزيرة بورتهيدرا، فتقابلنا مرشدة أخرى أفخم من “فولا”، وتخطرنا بأرقام حجراتنا كذا وكيت، وتعطينا كوبونات للعشاء والإفطار مجانا، كما تخطرنا أننا أحرار نفعل ما نشاء حتى بعد إفطار الغد.

تأجل حب الاستطلاع النهائى حتى الغد.

 ………………

………………

ونواصل الأسبوع القادم بقية الفصل الخامس: (الفصل المفقود: 2) “أوراق قديمة، وأوراق مبعثرة”  (4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] –  ترحالات يحيى الرخاوى: (2000) وتتضمن الترحالات: (الترحال الأول: “الناس والطريق”) و(الترحال الثانى: “الموت والحنين”) و(الترحال الثالث: “ذكر ما لا ينقال”) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والترحالات موجودة فى الطبعة الورقية  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى د. الرخاوى للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة  الرخاوى للتدريب والأبحاث العلمية: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم.

تعليق واحد

  1. يحضرون رغما عنهم

    في الحضور

    من يغلق نوافذه

    يرتد الي نفسه 

    منفصلة

    رغم حضورها 

    من ورائه!!!

    من يفتح نوافذه 

    يتعرف علي انينه

    يبحث عن اصله

    عن وصله

    يدرك الادراك

    يهرب 

    يحاط

    يعاود الهرب

    تحاصره نفسه

    اصله

    وصله

    يواجه بحتم العبور

    الي كهف الوجود الناضح

    كي يبدأ لأم الاصل

    بحتم الوصل.

    يبزغ ضوء وهاج

    يهديه الي حتم الطريق

    الي الطريق

    عند حدود

     مفترقات الطرق

    يتمسك 

    بأهداب الاصل

    تحاول ان تجذبه قوي حلزونية

    كي تصرفه

    عن الصراط

    يسقط

    ليقفز

    اذا صدقت

    ارادة اليقين

    لا يأتي 

    يتأتي اليقين 

    الا في رحلة الظلام 

    النور!!!

    كي يعرف

    يدرك 

    حتم الادراك

    حتم الكدح

    حتم الوصول

    حتم اللأم.

    تصله رسالة

    ان الذي فرض عليك الحياة

    لرادك الي ميعاد

    وأن الوعد يتحقق

    وأن الارض يرثها

    من عبد

    عرف

    أدرك 

    وصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *