الأهرام : 12/06/2001
بهجت.. وأطفالنا داخلنا
بعد رحيل بهاجيجو. بهجتوس, وجدت نفسي عازفا عن وداعه علانية, خوفا علي مشاعر ناس أحبهم جدا جدا. خائف أنا من مغزي هذا الرحيل بين شلة الحرافيش, خائف أنا من كتابة هذا الكلام علي عواطف ناس أكرموني بضمي إليهم في الوقت بدل الضائع. حين كنت أسمع حديثهم عن محمد عفيفي, أو صلاح جاهين, ثم رحيلهم الواحد تلو الآخر كنت أحس بالغربة والألم جميعا وأنه ليس من حقي أن أنتمي إليهم متأخرا هكذا. حين رجع عادل كامل من أمريكا في زيارة قصيرة وكان يعاني بعض المشاكل في القلب شعرت أنني أعرفه من عشرات السنين, سألني عادل في بيت توفيق صالح سؤالا ميتافيزيقيا فجأة قبل أن يسافر, وأجبته بيقين أصابه بدهشة جعلتني أدهش من دهشته, دعوت له بالصحة وطول العمر, حين لزم أحمد مظهر حديقة شهاب ابنه وحرمنا منه إلا إذا مررنا عليه, انقبض قلبي دون أن انبس. زرت أحمد مؤخرا في مستشفي السلام بالمهندسين وأنا مرعوب, لكنه كان طارئا مرضيا عابرا. وخرجت اتخبط داعيا باللطف.
بعد رحيل زوجته الفنانة النبيلة بدر, تعلمت من بهجت الصبر والكرم والسماح والوفاء. كلما عرضت عليه مااستطيع أبي أن يطلب مني أي خدمة أو عون رغم تكرار عرضي وأنا لا أملك إلا عواطفي وحضوري في متناوله, كان لا يريد أن يتعب أحدا, ولا حتي ولديه. حين أخبرته أن شيخنا نجيب محفوظ يريد زيارته في مرضه الأخير, مادام هو لا يستطيع اللحاق بنا ولو ربع ساعة أي خميس أشفق علي شيخنا من نزول السلم, فمصعد بيته يعمل في إتجاه واحد. وحين اصررت أن الأستاذ يريد أن يطمئن عليه, حكي لي نكتة وطلب مني أن أبلغه إياها, وقال إن عمنا محفوظ حين يسمعها سوف يطمئن علي. في كل مرة كنت أزوره فيها وهو يعمل بدأب شديد بما تبقي من بصره أمام الجهاز المكبر ومازال خطه الجميل كأنه تشكيلات مستقلة, كنت أدعو له بألا يثقل له الله يدا أو جسدا, فيذكرني بدعوة المرحومة أمه له: أن يجعل الله الناشفة في يده خضراء. كان يحضر إلينا مع الفنان جميل شفيق وهو يضحك أن صاحبنا أصبح ساحبنا ـ وإذ غاب عم سعد السائق افتقده بجزع وسأل عنه كأنه أحد أفراد أسرته.
بعد العملية الجراحية الأخيرة, سافر بهجت إلي الامارات, وهو يخفي كيس البطن والأنبوب الخارج من جسده بين طيات ثيابه, حتي لا ينشغل أصدقاؤه عليه. كان مسافرا ليساهم في تحكيم لرسوم الأطفال وهو في حال لا يمكن ان تسمح له بالسفر, لكنه أبي أن يتخلي عن مسئوليته تجاه مايحب, رجع فرحا برسوم أطفال العرب عن الانتفاضة. حدثني عن بعض لوحات الأطفال التي عرضت عليه في التحكيم, وعن فرحته بها, وكأنه يطمئنني ألا أهن ولا أحزن علي حال العرب, مادام هؤلاء هم أطفالنا.
لا أريد أن أعلن أنني أرجو بيني وبين نفسي أن أتقدم الصف حتي لا أعاني أكثر من ذلك. استغفر الله. لله الأمر من قبل ومن بعد, هو الذي يقرر وهو الذي يصبر, وهو الذي يرحمنا جميعا بما شاء. كيف شاء, متي شاء, وداعا يابهجت, بل: إلي لقاء.